حكم بيع البيوت المرهونة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 20 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 1989 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الغني الحميد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو على كل شيء شهيد وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالرحمة والقول السديد والعمل الرشيد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا

أما بعد

أيها الناس: فإن مما أسسته الحكومة وفقها الله تعالى صندوق بنك التنمية العقاري تريد من جملة ما تريد من ذلك توفير المساكن الحديثة لشعبها ولكن مع الأسف الشديد أن بعض الناس استغل ذلك استغلالًا سيئًا يتضمن الكذب والخداع وأكل المال بالباطل ومخالفة مقتضى التعاقد مع هذا الصندوق بطرق ملتوية لا يجدر بالمؤمن بالله واليوم الآخر أن تصدر منه وهي بيع البيوت التي استقرضوا لها من البنك ورهنوها إياه على أشخاص سبق وأن اقترضوا من الصندوق وتبقى باسم البائع وهي للمشتري

يبيع المستقرض هذا البيت الذي رهن أرضه وما عليها للبنك والتزم بالقرض في ذمته وحيث علم هؤلاء أن بيع المرهون لا يصح إلا بإذن من المرتهن صاحب الحق وأن البنك لا يسمح ببيعه إلا على شخص لم يقترض من البنك لينقل باسمه وكتاب العدل لا يفرغون للمشتري إلا على الصورة الآنفة الذكر أو تسديد البنك صاروا يكذبون على كتاب العدل ويخادعونهم بطرق ملتوية كاذبة الكل يعرفها ولا لزوم لذكرها والله يعلم أنه بيع مغلف بكذب وخداع ألم يعلم هؤلاء أن الله سيسألهم عما نطقوا به "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"ق:18. هكذا يقول الله عز وجل ويقول بعدها "وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ"ق:19. أفلا يذكر هؤلاء سكرة الموت لعلها توقظهم من سكرة الطمع والجشع المفضية إلى التلاعب بالعقود وخداع المسؤولين ألم يعلم هؤلاء أنهم سيسألون يوم القيامة أين عقد التأجير وأين عقد الوكالة الذين خدعتم به عباد الله حتى كتبوه في الصكوك الشرعية وأنتم كاذبون عليهم ألم يعلم هؤلاء أنهم سيسألون عن ذلك فلا يستطيعون الجواب "فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ"القصص:66. لماذا لم يكن عند هؤلاء شجاعة وجرأة وصراحة فيقولوا بعنا ويقول المشترون اشترينا إنهم لا يستطيعون ذلك لأنهم يعلمون أنه مخالف لمقتضى العقد الصادر بينهم وبين صندوق بنك التنمية وإنهم سيمنعون وأن الأمناء ذوي العلم من كتاب العدل لن يفرغوا لهم فلجئوا إلى تلك الطرق الملتوية ومن يخادع فإنما يخدع نفسه

أيها الناس: إن هذا التصرف أعني بيع البيوت المرهونة لصندوق بنك التنمية يتضمن مفاسد منها

أولاً: عدم الوفاء بالعقد الجاري بين الصندوق والمستقرض فإن عقد الرهن كما هو معلوم عند أهل العلم يستلزم منع بيع المرهون إلا برضا المرتهن صاحب الحق حتى ولو باعه بشرط البقاء على الرهن وعدم الوفاء بالعقد معصية لله تعالى لا ينبغي أن يقع من مؤمن قال تعالى "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود"ِالمائدة:1."وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا"الإسراء:34.

ثانياً: الكذب بإظهار عقود غير صادقة فهو يكتب للمشتري أنه أَجره أو وكله وليس ثم تأجير ولا توكيل

ثالثاً: خداع المسؤولين من كتاب العدل وغيرهم والسخرية الفعلية بهم

رابعاً: ما قد يترتب على ذلك من الخصومات والنزاع في المستقبل فقد يعتري البيت تلف أو يحصل كساد في العقار فلا يتمكن المشتري من تسديد القرض للصندوق والصندوق سيرجع على البائع الذي كان القرض باسمه كما هو مقتضى البند السادس في وثيقة عقد القرض فإذا كان الصندوق سيرجع على البائع بالنقص وقد باعه فإن كان قد التزم به للمشتري صار الثمن مجهولًا لأنه لا يُدرى ماذا يكون النقص الذي سيغرمه البائع وإن لم يلتزم به المشتري أفضى إلى المنازعات والخصومات بين البائع والمشتري أو بين ورثتيهما إن ماتا أو بين أحدهما وورثة الآخر أو بين البائع والصندوق وكل عقد فيه جهالة أو يفضي إلى النزاع والخصومات فإن الشرع ينهى عنه

هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على المصطفى الآمين

أما بعد

قد تقولون إني ضيقت عليكم والله سبحانه يعلم أني ما أردت التضييق عليكم وإنما أردت أن تتمشى معاملاتكم على النهج المستقيم والتقيد بالشرع القويم وأن تبنى على الصراحة والصدق والبيان فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المتبايعين "إن صدقا وبَيَّنَا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"رواه البخاري. وليس في هذا تضييق وأمامنا هنا طريقان للمعاملة الحلال ولله الحمد

إما أن يعجل صاحب البيت تسديد الأقساط ليفك رهنه ويبيعه بعد ذلك

وإما أن يبيعه على شخص لم يقترض من البنك لينقل الرهن باسمه

وإني لأرجو الله تعالى أن يوفق المسؤولين في الصندوق أن يفسحوا للناس في البيع بأشكال أخرى غير التي أشرت إليها آنفاً وهي المسموح بها الآن ويكون لها ضوابط معينة إذا كان في ذلك مصلحة للناس بلا مضرة إنه هو الجواد الكريم

فاتقوا الله تعالى عباد الله واستقيموا في عباداتكم وآدابكم ومعاملاتكم على شريعة الله واحذروا المعاصي فإنها بها زيغ القلوب وحلول النكبات وفوات المطلوب

اللهم وفقنا لما تحب وترضى وهيئ لنا من أمرنا رشدًا

وصلى الله على نبينا محمد

ملحوظة : هذه الخطبة ألقيت أول مرة عام 1410هـ

1435-3-20 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي