الدرس الثاني والسبعون: باب إخراج الزكاة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 17 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1676 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

المراد بإخراج الزكاة هنا أي زكاة المال

وأنواع الأموال هي: الذهب والفضة وعروض التجارة وسائمة بهيمة الأنعام والخارج من الأرض

ويجب المبادرة بإخراج الزكاة مع إمكانية ذلك إلا لضرر لأن الأصل في الأوامر الفورية والدليل على ذلك

أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الصحابة في حجة الوداع أن يحل من إحرامه من لم يسق الهدي منهم وتأخروا بعض الشيء رجاء أن ينسخ الأمر غضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً. رواه مسلم

ثانياً: ما تأخر الصحابة في حلق رؤسهم في غزوة الحديبية ليتحللوا بذلك غضب لتأخرهم. أخرجه البخاري

ولو لم يكن الأصل في الأوامر الفورية لم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم

ثالثاً: الإنسان لا يدري ما يعرض له فهو إذا أخر الواجب يكون مخاطراً فقد يموت ويبقى الواجب في ذمته وإبراء الذمة واجب فهذا دليل نظري أيضاً على أن الواجب يفعل على الفور

رابعاً:الواجب يوجب إخراجها على الفور لأن حاجة الفقراء متعلقة بها وإذا أمهل الناس في إخراجها بقي الفقراء بحاجة

إذا يجب المبادرة بإخراج الزكاة مع إمكانية ذلك إلا لضرر

ومن الضرر أن يخشى على نفسه وماله إذا أخرج الزكاة وذلك بأن يكون بين قوم من الفقراء اللصوص ولو أخرج الزكاة لقالوا إنه ذو مال فيسطون على بيته ويسرقونه أو يقتلونه وهذا ضرر يحل له أن يؤخر الزكاة حتى ييسر الله له

ويجوز أن يؤخرها لمصلحة وليس لضرر

فمثلاً عندنا في رمضان يكثر إخراج الزكاة ويغتني الفقراء أو أكثرهم لكن في أيام لا توافق رمضان يكونون أشد حاجة ويقل من يخرج الزكاة فهنا يجوز تأخيرها لأن في ذلك مصلحة لمن يستحقها لكن بشرط أن يبرزها عن ماله أو أن يكتب وثيقة يقول فيها إن زكاته تحل في رمضان لكنه أخرها من أجل مصلحة الفقراء حتى يكون ورثته على علم بذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده. أخرجه البخاري

والزكاة مما يوصي فيه لأنه حق واجب وأيضاً يجوز له أن يؤخر الزكاة من أجل أن يتحرى من يستحقها لأن الأمانة ضاعت في وقتنا وحب المال أزداد إلا من عصم ربك فيؤخر الزكاة حتى يتحرى من يستحقها جائز لأن ذلك مصلحة للمستحق

وإن منع إخراج الزكاة صاحب المال الزكوي جحداً لوجوبها كفر إذا كان عارف بالحكم

أي يكفر إذا جحد الزكاة وهو يعلم أنها واجبة لأن وجوب الزكاة مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام فكل مسلم يعلم أن الزكاة واجبة فإذا جحد ذلك كفر فيكفر من جحد وجوب الزكاة وهو عالم بالحكم

أما من جحد وجوبها جاهلاً فإنه لا يكفر لأن الجهل عذر بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين في الجملة أي ليس في كل الصور

قال تعالى:" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" فدل هذا على أنه لو لم يرسل الرسل إلى الخلق فلهم حجة على الله لأنهم معذورون

وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

ومن عاش بين المسلمين وجحد الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج وقال لا أعلم فلا يقبل قوله لأن هذا معلوم بالضرورة من دين الإسلام إذ يعرفه العالم والعامي

لكن لو كان حديث عهد بالإسلام أو كان ناشئاً ببادية بعيدة عن القرى والمدن فيقبل منه دعوى الجهل ولا يكفر

لكن نعلمه فإذا أصر بعد التبيين حكمنا بكفره فمن جحد وجوب الزكاة فإنها تؤخذ منه وتعطى لأهلها ويقتل

وهنا يرد سؤال وهو كيف تؤخذ منه وقد حكمنا بكفره وهي لا تقبل منه لقوله تعالى: " وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله

الجواب تؤخذ منه لأنه تعلق بها حق الغير وهم أهل الزكاة وأيضاً لا تدخل بيت المال لأن الأخص وهو مال الزكاة لا يدخل في الأعم وهو بيت المال لأنها ربما تصرف في المصالح العامة مثل بناء المساجد وإصلاح الطرق وهذا لا يصلح أن تصرف الزكاة فيه

فمن جحد وجوب الزكاة أخذت منه وقتل لردته والاستتابة ليست واجبة وأنها راجعة للإمام ووجود مصلحة في استتابة ككون المرتد زعيماً في قومه ولو أنه عاد إلى الإٍسلام لنفع الله به فهذا يجب أن يستتيبه الإمام ولو رأى الإمام أن قتله خير من بقائه لنفسه ولغيره لأن طول عمر الكافر زيادة في إثمه قال تعالى:" ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب أليم " فهذا لا يحتاج إلى استتابة بل يقتل بدونها فالتوبة مقبولة من كل ذنب حتى من سب الله ورسوله ولكن من سب الرسول صلى الله عليه وسلم تقبل توبته ويقتل ومن سب الله تقبل توبته لو تاب ولا يقتل لأن حق الله لله وقد بين سبحانه أنه يغفر الذنوب جميعاً أما سب الرسول صلى الله عليه وسلم فحق له وقتل الساب حق الآدمي ولا ندري هل يعفو الرسول عن سبه أم لا

ولكن إذا تاب وقتلناه فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى له بالمغفرة ويدفن في مقابر المسلمين لأن قتله حصل به أداء الحق إلى أهله وقد تاب إلى الله

ومن منع الزكاة بخلاً أخذت منه وعزر والبخل منع ما يجب والشح الطمع فيما ليس عنده فالبخيل ممسك والشحيح مقتطع يريد أن تكون أموال الناس جميعاً عنده

فالزكاة تؤخذ ممن منعها بخلاً وشحاً ويؤدب والذي يقوم بالأخذ مع التأديب السلطان والتعزيز يطلق على معان عدة منها النصرة لقوله تعالى :" لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه " ومنها التأديب وسمي التأديب تعزيراً مع أن أصل التعزير النصرة لأن فيه نصرة للإنسان على نفسه لأنه إذا أدب استقام وانتصر على نفسه وقد قال صلى الله عليه وسلم : أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قال يا رسول الله كيف ننصره ظالماً قال تمنعه من الظلم فذاك نصره. أخرجه البخاري

فهذا الذي أدبناه يكون تعزيره نصراً في الواقع لأننا نصرناه على نفسه إذ أن هذا سيردعه عما كان عليه

فالزكاة تؤخذ من البخيل المانع لها وتبرأ بها ذمته فلا نطالبه بها ثانية فأما باطناً فلا تبرا ذمته ولا تجزئ لأنه لم ينويها التقرب إلى الله وإبراء ذمته من حق الله ولذلك فإنه يعاقب على ذلك معاقبة ممن لم تؤخذ منه لأنها أخرجت بغير اختيار منه

فمانع الزكاة بخلاً تؤخذ منه ويعزر والمقصود بالتعزير التأديب فما يحصل به التأديب هو الواجب ويختلف ذلك باختلاف الناس فمنهم من يعزر بالمال وهو البخيل ومنهم من يعزر بالضرب ومنهم من يعزر بالتوبيخ أمام الناس أو بالفصل من الوظيفة

ولذلك فإن التعزير لا يرتبط بعقوبة معينه لأن المراد منه الإصلاح والتأديب

وهذا يختلف باختلاف الناس

وتجب الزكاة في مال صبي ومجنون فيخرجها وليهما ووليهما من يتولى أمرهما من الأقربين من أب أو أم أو عم أو خال أو أخ أو أخت أو غيرهم

لأن هذا مقتضى الولاية فقد يكون أبوه ميتاً ولم يوص أحداً والأحوط ألا يخرجها إلا بنيه

والأفضل أن يفرق من تجب الزكاة عليه زكاة ماله بنفسه أي يباشر ذلك وذلك لوجوه

أولاً: أن ينال أجر التعب لأن تفريقها عبادة

ثانياً: أن يبرئ ذمته بيقين فإن الوكيل قد يتهاون بعض الشيء في صرفها أو تتلف منه أو غير ذلك

ثالثاً: أن يدفع عنه المذمة لا سيما إذا كان غنياً مشهوراً ولا يعرف الناس له وكيلاً فيذمونه ويقولون إن فلاناً لا يزكي

مسألة: هل الأفضل أن يفرقها سراً أو علانية ؟

الجواب : إن كانت المصلحة في أن يعلن عن زكاة بعض ماله حتى يقتدي الناس به ثم يسر في زكاة باقي ماله فليفعل لأن الأصل في إخراج المال سواء كانت زكاة أو صدقة الإسرار حتى لا يقع الإنسان في الرياء وأنه بذلها ليقال فلان كريم

مسألة: هل يعلم المزكي الآخذ أن هذه زكاة أم لا يعلمه؟

الجواب: إذا كان الآخذ معروفاً أنه من أهل الزكاة فلا يخبره لأن في ذلك ذلة له

وإن كان الآخذ لا يعلم أنه من أهل الزكاة فليخبره المزكي بأن هذا المال زكاة حتى إذا كان الآخذ ليس من أهلها رفضها ويعطيها المزكي لمن يستحقها

ويقول المزكي عند دفع زكاته اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم

أما الآخذ فيقول اللهم صل عليك . لما روى ابن أبي أوفى قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال اللهم صلى على آل فلان فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صل على أبي أوفى. أخرجه البخاري ومسلم

والأفضل إخراج زكاة كل مال في فقراء بلده وذلك لوجوه

أولاً: أنه أيسر للمكلف لأن في نقلها من بلد إلى آخر مشقة وكلفة

ثانياً: أنه أكثر أماناً لأن في السفر عرضة لتلفها

ثالثاً: أن أهل البلد أقرب الناس إليك والقريب له حق الأقربون أولى بالمعروف

رابعاً: أن فقراء بلدك تتعلق أطماعهم بما عندك من المال بخلاف الأبعدين فربما لا يعرفون عنك شيئاً

خامساً: أنك إذا أعطيت أهل بلدك يغرس بينك وبينهم بذرة المودة والمحبة وهذا له أثر كبير للتعاون فيما بين أهل البلد

وإن أخرجتها لفقراء غير فقراء بلدك فهذا جائز ولكنه مفضول وهنا يجب أن نعلم أنه إذا كان الفقراء خارج بلدك أحوج أو كانوا أقارب فهم أولى

لذا قال بعض العلماء يجوز نقلها إلى البلد البعيد والقريب للحاجة أو للمصلحة

فللحاجة مثل لو كان البعيد أشد فقراً وللمصلحة مثل أن يكون لصاحب الزكاة أقارب فقراء في بلد بعيد مثل فقراء بلده فإن دفعها إلى أقاربه حصلت المصلحة وهي الصدقة و صلة الرحم وإذا كان صاحب المال في بلد وماله في بلد آخر ولا سيما إذا كان المال ظاهراً كالمواشي والثمار فإنه يخرج زكاة المال في بلد المال ويخرج فطرة نفسه في البلد الذي هو فيه لأن زكاة الفطر تتعلق بالبدن والمال زكاته تتعلق به

مثال ذلك رجل ساكن في مكة وأمواله التي يتجر بها في المدينة فنقول له أخرج زكاة المال في المدينة وفطرتك في مكة لأن زكاة المال تبع للمال والفطرة تابعة للبدن

ويجوز للإنسان أن يعجل الزكاة قبل وجوبها لكن بشرط أن يكون عنده نصاب فإن لم يكن عنده نصاب وقال سأعجل زكاة مالي لأنه سيأتين مال في المستقبل فإنه لا يجزئ إخراجه لأنه قدمها على سبب الوجوب وهو ملك النصاب وهذا مبني على قاعدة ذكرها ابن رجب رحمه الله في القواعد الفقهية وهي أن تقديم الشيء على سببه ملغى وعلى شرطه جائز فإن ملك نصاباً وقدمها قبل تمام الحول جاز لأنه قدمها بعد السبب وقبل الشرط لأن شرط الوجوب تمام الحول

ونظير ذلك لو أن شخصاً كفر عن يمين يريد أن يحلفها قبل اليمين ثم حلف وحنث فالكفارة لا تجزئ لأنها قبل السبب ولو حلف وكفر قبل أن يحنث أجزئت الكفارة لأنه قدمها بعد السبب وقبل الشرط

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-5 -15

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر