تفسير سورة يونس

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 9 رجب 1446هـ | عدد الزيارات: 258 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

سورة يونس عليه الصلاة والسلام، عدد آياتها (109)، وهي مكية إلا ثلاث آيات من قوله : { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } إلى آخرها.
بسم الله الرحمن الرحيم

{الر تلك آيات الكتاب الحكيم (1)}.
قوله تعالى:{الر} قد سبق الكلام على الحروف المقطعة .
{تلك آيات الكتاب الحكيم} أي: هذه، وأراد بالكتاب الحكيم القرآن، والحكيم: المحكم بالحلال والحرام ، والحدود والأحكام.

{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} (2)

قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا} العجب: حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة .
وسبب نزول الآية: أن الله عز وجل لما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا قال المشركون: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا، فقال تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ} يعني: أهل مكة، {أنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، {أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ) أي: أعلمهم مع التخويف، { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ } أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم. .{قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم.

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)}

قوله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي: أوجد، { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ } أي: علا وارتفع على العرش، استواءً يليق بجلاله وعظمته، والعرش أعظم المخلوقات وسقفها ، {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ} يقضيه وحده، {مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ} معناه: أن الشفعاء لا يشفعون إلا بإذنه، وهذا رد على النضر بن الحارث فإنه كان يقول: إذا كان يوم القيامة تشفعني اللات والعزى.
قوله تعالى: {ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ} يعني: الذي فعل هذه الأشياء ربكم لا رب لكم غيره ، {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} تتعظون.

{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ ۚ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)}

{إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا} أي: وعدكم وعدا حقا {إنه يبدأ الخلق ثم يعيده} أي : يحييهم ابتداء ثم يميتهم ثم يحييهم، {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط} بالعدل، {والذين كفروا لهم شراب من حميم } ماء حار انتهى حره، { وعذاب أليم بما كانوا يكفرون} بسبب كفرهم وضلالهم يعذبون يوم القيامة بأنواع العذاب.
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)}
قوله: {هو الذي جعل الشمس ضياء} بالنهار، {والقمر نورا} بالليل، { وقدره منازل } قدَّرَ القمرَ منازلَ ، فأول مايبدو صغيرًا ثم يتزايد نورُه وجِرْمُهُ حتى يستوسقَ ويكملَ إبدارُه، ثم يشرع في النقص حتى يرجعَ إلى حاله الأولى في تمام الشهر.
قوله تعالى: { لتعلموا عدد السنين } دخولها وانقضاءها، فبالشمس تعرف الأيام وبالقمر تعرف الشهور، {والحساب} يعني: حساب الشهور والأيام والساعات . {ما خلق الله ذلك} رده إلى الخلق والتقدير، ولو رده إلى الأعيان المذكورة لقال: تلك. { إلا بالحق } أي : لم يخلقه باطلا بل إظهارا لصنعه ودلالة على قدرته . {يفصل الآيات} يوضح { لقوم يعلمون}أي: يعلمون الحكمة في إبداع الخلق.
{إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)}
قوله:{إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} تعاقب الليل والنهار إذا جاء هذا ، ذهب هذا{ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} من عجائب الخلق ، وما فيهما من إبداع ونظام} {لَآيَاتٍ}لأدلة وحجج واضحة {لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } لقوم يخشون عقاب الله وسخطه .
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)}
قوله: { إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا } أي: لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا . والرجاء يكون بمعنى الخوف والطمع ، {وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فاختاروها وعملوا لها ، {وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} سكنوا إليها . {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} أي: عن أدلتنا ساهون.
{أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)}
قوله{ أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} من الكفر والتكذيب .
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)}
قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ } أي : يرشدهم ربهم بسبب إيمانهم إلى جنة ، {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ } أي : بين أيديهم ، {في جنات النعيم} وفيها أعدَّ الله لعباده الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)}
قوله: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا} أي: دعاؤهم.{سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} وهي كلمة تنزيه، تنزه الله من كل سوء .{وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ} أي: يحيي بعضهم بعضا بالسلام .{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } يريد : يفتتحون كلامهم بالتسبيح ، ويختمونه بالتحميد.
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)}.
قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ }معناه: لو يعجل الله للنَّاسِ إجابةَ دعائهم في الشر كاستعجالهم في الخير، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ } أي: لهلكوا . {فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} لا يخافون البعث والحساب ، { فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} .في تمردهم وعتوهم يترددون حائرين.
{وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)}
قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ} الجهد والشدة ، ( دَعَانَا لِجَنبِهِ ) أي : على جنبه مضطجعا ، (أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا ) يريد في جميع حالاته ، لأن الإنسان لا يعدو إحدى هذه الحالات . { فَلَمَّا كَشَفْنَا } دفعنا { عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ } أي استمر على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضر ، ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء ، كأنه لم يدعنا إلى ضر مسه أي : لم يطلب منا كشف ضر مسه . { كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ }) المجاوزين الحد في الكفر والمعصية ، {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من العصيان .
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)}
قوله تعالى: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا) أشركوا ، (وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك) أي: كما أهلكناهم بكفرهم، (نجزي) نعاقب ونهلك، (القوم المجرمين) الكافرين بتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم .
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
قوله:{ثم جعلناكم خلائف} أي : خلفاء ، {في الأرض من بعدهم} أي: من بعد القرون التي أهلكناهم ، {لننظر كيف تعملون} وهو أعلم بهم . وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ ".
{وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}
قوله عز وجل: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} يعني مشركي مكة ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت تريد أن نؤمن بك { ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا } ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة ، وليس فيه عيبها ، وإن لم ينزلها الله فقل أنت من عند نفسك ، {أو بدله} فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة ، أو مكان حرام حلالا أو مكان حلال حراما ، (قل ) لهم يا محمد ، {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي} من قبل نفسي {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ } أي : ما أتبع إلا ما يوحى إلي فيما آمركم به وأنهاكم عنه، {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . وهو يوم القيامة.
{قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)}
قوله تعالى:{قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ } يعني : لو شاء الله ما أنزل القرآن عليَّ . {وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ } أي: ولا أعلمكم الله به. {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا } حينا وهو أربعون سنة ، {مِّن قَبْلِهِ ۚ } من قبل نزول القرآن . {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أنه ليس من قبلي ، ولبث النبي صلى الله عليه وسلم فيهم قبل الوحي أربعين سنة ثم أوحى الله إليه فأقام بمكة بعد الوحي ثلاث عشرة سنة ، ثم هاجر فأقام بالمدينة عشر سنين وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة .
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)}
قوله تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}لا أحد أشد ظلما ممَّن زعم أن لله شريكا أو ولدا {أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ } بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن ، {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} أي لا ينالون الفلاح بالفوز بالجنة .
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)}
قوله:( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ) إن عصوه وتركوا عبادته ، ( ولا ينفعهم ) إن عبدوه ، يعني : الأصنام ، ( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله ) أتخبرون الله ، ( بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ) المعنى : أتخبرون الله أن عنده شفيعا بغير إذنه، ولا يعلم الله لنفسه ذلك الشفيع؟! {سبحانه وتعالى عما يشركون} فالله تعالى منزه عما يفعله هؤلاء المشركون من إشراكهم في عبادته ما لا يضر ولا ينفع.
{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)}
قوله تعالى : (وما كان الناس إلا أمة واحدة ) أي : على الإسلام . ( فاختلفوا ) فتفرقوا إلى مؤمن وكافر ، (ولولا كلمة سبقت من ربك ) أي: لولا ما تقدم من الله تعالى أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، وأنه قد أجل الخلق إلى أجل معدود {لقضي بينهم فيما فيه يختلفون } لقضي بينهم فيما فيه اختلفوا فأسعد المؤمنين ، وأعنت الكافرين.
{وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (20)}
قوله: (ويقولون) يعني : أهل مكة ، ( لولا أنزل عليه ) أي : على محمد- صلى الله عليه وسلم- (آية من ربه) أي: معجزة خارقة، مع أنهم قد شاهدوا من معجزاته، صلى الله عليه وسلم، أعظم مما سألوا حين أشار بحضرتهم إلى القمر ليلة إبداره، فانشق فلْقَتَيْنِ، فَكَانَتْ فِلْقَةٌ وَرَاءَ الجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ، وهذا أعظم من سائر الآيات الأرضية مما سألوا (فقل إنما الغيب لله) يعني: قل إنما سألتموني الغيب وإنما الغيب لله، لا يعلم أحد لم لم يفعل ذلك ولا يعلمه إلا هو. (فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ) فانتظروا أيها القومُ قضاءَ الله بيننا وبينكم بتعجيل عقوبته للمبطل منَّا ونصرِ صاحبِ الحق إني منتظر ذلك.
{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ۚ قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
قوله عز وجل: (وإذا أذقنا الناس) يعني : الكفار ، (رحمة من بعد ضراء) أي : راحة ورخاء من بعد شدة وبلاء ، (مستهم) أي: أصابتهم ، (إذا لهم مكر في آياتنا ) تكذيب واستهزاء . ( قل الله أسرع مكرا ) أعجل عقوبة وأشد أخذا وأقدر على الجزاء ( إن رسلنا ) حفظتنا الذين نرسلهم إليكم، ( يكتبون ما تمكرون) في آياتنا من الاستهزاء والتكذيب، ثم نحاسبكم على ذلك.
{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}
قوله تعالى: (هو الذي يسيركم) يجريكم ويحملكم، {في البر}، على ظهور الدواب، (والبحر) على الفلك، (حتى إذا كنتم في الفلك) أي: في السفن، (وجرين بهم) يعني: جرت السفن بالناس، ، (بريح طيبة) لينة، (وفرحوا بها) أي : بالريح ، (جاءتها ريح) أي: جاءت الفلك ريح،(عاصف) شديدة الهبوب. (وجاءهم) يعني: ركبان السفينة، (الموج) وهو حركة الماء واختلاطه ، (من كل مكان وظنوا) أيقنوا (أنهم أحيط بهم)، أي : أحاط بهم الهلاك ، (دعوا الله مخلصين له الدين ) أي : أخلصوا في الدعاء لله ولم يدعوا أحدا سوى الله. وقالوا (لئن أنجيتنا ) يا ربنا ، (من هذه) الريح العاصف ، (لنكونن من الشاكرين) لك بالإيمان والطاعة .
{فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قوله: ( فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض ) يظلمون ويتجاوزون إلى غير أمر الله عز وجل في الأرض ، ( بغير الحق ) أي : بالفساد . ( يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ) لأن وباله راجع عليها ، ثم ابتدأ فقال : ( متاع الحياة الدنيا ) ، معناه : إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا ، لا يصلح زادا لمعاد لأنكم تستوجبون به غضب الله، ( ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ) ثم إلينا مصيركم فنخبركم بجميع أعمالكم، ونحاسبكم عليها.
{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
قوله تعالى: (إنما مثل الحياة الدنيا) في فنائها وزوالها ، (كماء أنزلناه من السماء فاختلط به ) أي : بالمطر ، (نبات الأرض) نبت بالماء من كل لون ، (مما يأكل الناس) من الحبوب والثمار ، (والأنعام) من الحشيش، (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها) حسنها وبهجتها ، وظهر الزهر أخضر وأحمر وأصفر وأبيض (وازينت) أي: تزينت، (وظن أهلها أنهم قادرون عليها) على جذاذها وقطافها وحصادها ، (أتاها أمرنا) قضاؤنا ، بإهلاكها، (ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا) أي : محصودة لا شيء فيها، (كأن لم تغن بالأمس) كأن لم تكن بالأمس، فالمتشبث بالدنيا يأتيه أمر الله وعذابه أغفل ما يكون. (كذلك نفصل الآيات) أي نبين الحجج والأدلة (لقوم يتفكرون ) أي: يعتبرون ، ويتدبرون ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (25)}
قوله تعالى : ( والله يدعو إلى دار السلام ) السلام بمعنى السلامة ، سميت الجنة دار السلام لأن من دخلها سلم من كل سوء .
(ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) يوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام .
{۞ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}
قوله تعالى : (للذين أحسنوا) العمل في الدنيا بطاعته ، فأطاعوه فيما أمر ونهى (الحسنى) وهي الجنة (وزيادة ) وهي النظر إلى وجه الله الكريم.(ولا يرهق وجوههم) لا يغشى (قتر) سواد الوجه في عرصات يوم القيامة، (ولاذلة) هوان وصغار. (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) ماكثون فيها أبدًا.
{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۖ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}
قوله: (والذين كسبوا السيئات) عملوا السيئات في الدنيا فكفروا(جزاء سيئة بمثلها ) أي : لهم جزاء أعمالهم السيئة التي عملوها بمثلها من عقاب الله في الآخرة ، (وترهقهم ذلة) وتعتريهم مهانة (ما لهم من الله من عاصم) أي : ليس لهم من عذاب الله مانع يمنعهم إذا عاقبهم ، ( كأنما أغشيت ) ألبست ، ( وجوههم قطعا من الليل مظلما ) أجزاء من الليل المظلم . (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) هؤلاء هم أهل النار ماكثون فيها أبدا.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)}
قوله تعالى : ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم ) أي: الزموا مكانكم ولا تبرحوا(أنتم وشركاؤكم) يعني: الأوثان (فزيلنا) ميزنا وفرقنا (بينهم) أي: بين المشركين وشركائهم، وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا ، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده ، ( وقال شركاؤهم ) يعني : الأصنام ، ( ما كنتم إيانا تعبدون ) في الدنيا.
{فَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)}
قوله:(فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم} والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا ولا أمرناكم بها، ولا رضينا منكم بذلك { إن كنا عن عبادتكم لغافلين) أي : ما كنا عن عبادتكم إيانا إلا غافلين ، لا نشعر بها .
{هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ۚ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۖ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)}
قال الله تعالى : ( هنالك تبلو كل نفس ) معناه : تعلم وتقف عليه ، ( ما أسلفت ) ما قدمت من خير أو شر . ، ( وردوا إلى الله ) إلى حكمه فيتفرد فيهم بالحكم ، ( مولاهم الحق ) الذي يتولى ويملك أمورهم ( وضل عنهم ) زال عنهم وبطل ، ( ما كانوا يفترون ) في الدنيا من التكذيب .
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)}
قوله تعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض ) أي : من السماء بالمطر ، ومن الأرض بالنبات ، (أمن يملك السمع والأبصار) أي: من إعطائكم السمع والأبصار، (ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ) يخرج الحي من النطفة والنطفة من الحي،
(ومن يدبر الأمر) أي: يقضي الأمر، (فسيقولون الله) هو الذي يفعل هذه الأشياء ، (فقل أفلا تتقون ) أفلا تخافون عقابه في شرككم؟
{فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ (32)}
قوله: (فذلكم الله ربكم) الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم ، (الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ) أي : فأين تصرفون عن عبادته إلى عبادة ما سواه وأنتم مقرون به؟
{كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
قوله: (كذلك) هكذا، (حقت كلمة ربك)أي: وجب عليهم قضاؤه وحكمه في السابق من علمه أنهم أشقياء من ساكني النار، (على الذين فسقوا) كفروا،
( أنهم لا يؤمنون).لا يصدقون بوحدانية الله ولا بنبوة النبي محمد ، صلى الله عليه وسلم.
{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (34)
قوله: (قل هل من شركائكم) أوثانكم ( من يبدأ الخلق ) ينشئ الخلق من غير أصل ولا مثال ، ( ثم يعيده ) ثم يحييه من بعد الموت كهيئته ، فإن أجابوك وإلا ف ( قل ) أنت : ( الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون ) أي : تصرفون عن قصد السبيل.
{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)}.
قوله:(قل هل من شركائكم من يهدي) يرشد،
(إلى الحق) فإذا قالوا: لا - ولا بد لهم من ذلك - (قل الله يهدي للحق) أي إلى الحق.(أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي) ومعناه : يهتدي ( إلا أن يهدى ) معنى الآية : الله الذي يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الصنم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى؟ فإن قيل : كيف قال : " إلا أن يهدى " ، والصنم لا يتصور أن يهتدي ولا أن يهدى ؟ قيل : معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال ، أي : أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان إلا أن تحمل وتنقل ، يتبين به عجز الأصنام .
( فما لكم كيف تحكمون ) فما بالكم كيف سويتم بين الله وخلقه، وهذا حكم باطل.
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)}
قوله تعالى:(وما يتبع أكثرهم إلا ظنا) منهم، يقولون: إن الأصنام آلهة ، وإنها تشفع لهم في الآخرة ظنا منهم ، لم يرد به كتاب ولا رسول ، وأراد بالأكثر : جميع من يقول ذلك، ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) أي: لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئا ،
(إن الله عليم بما يفعلون ) بما يفعل هؤلاء المشركون من الكفر والتكذيب.
{وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37)}
قوله تعالى: (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله) هذا بيان لإعجاز القرآن وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، (ولكن تصديق الذي بين يديه) أي :أي من الكتب المتقدمة ومهيمنا عليها ، (وتفصيل الكتاب ) تبيين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض والأحكام ، (لا ريب فيه من رب العالمين ) لا شك في أن هذا القرآن موحىً من رب العالمين .
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38)}
قوله: ( أم يقولون ) " أم " بمعنى الواو ، أي : ويقولون ، ( افتراه ) اختلق محمد القرآن من قبل نفسه ، ( قل فأتوا بسورة مثله ) شبه القرآن ( وادعوا من استطعتم ) ممن تعبدون ، ( من دون الله ) ليعينوكم على ذلك ، ( إن كنتم صادقين ) أن محمدا افتراه.
{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)}
قوله:(بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) يعني : القرآن ، كذبوا به ولم يحيطوا بعلمه، (ولما يأتهم تأويله) أي: عاقبة ما وعد الله في القرآن ، أنه يئول إليه أمرهم من العقوبة. (كذلك كذب الذين من قبلهم) أي: كما كذب هؤلاء الكفار بالقرآن كذلك كذب الذين من قبلهم من كفار الأمم الخالية ، ( فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) فقد أهلك الله بعضهم بالخسف، وبعضهم بالغرق، وبعضهم بغير ذلك.
{وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لَّا يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)}

قوله: (ومنهم من يؤمن به) أي : من قومك من يؤمن بالقرآن ، ( ومنهم من لا يؤمن به ) لعلم الله السابق فيهم ، (وربك أعلم بالمفسدين) بالشرك والفجور .

{وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (41)}
قوله: ( وإن كذبوك ) يا محمد ، ( فقل لي عملي ) وجزاؤه ، ( ولكم عملكم ) وجزاؤه ، ( أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) فأنتم لا تؤاخذون بعملي، وأنا لا أؤاخذ بعملكم.
{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42)}
فقال: (ومنهم من يستمعون إليك) ومِن الكفار مَنْ يسمعون كلامك الحق ولكن لا يهتدون، (أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون) أفأنت تقدر على اسماع الصم؟ ! فكذلك لا تقدر على هداية هؤلاء إلا أن يشاء الله هدايتهم ؛ لأنهم صمٌ عن سماع الحق فلا يعقلونه.
{وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)}
قوله: (ومنهم من ينظر إليك) ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة والسمت الحسن والخلق العظيم ، (أفأنت تهدي العمي) يريد عمى القلب ، (ولو كانوا لا يبصرون) إذا كانوا فاقدي البصيرة، وإنما ذلك كله لله وحده.
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)}

قوله: (إن الله لا يظلم الناس شيئا) لأنه في جميع أفعاله متفضل عادل، فلا يزيد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم (ولكن الناس أنفسهم يظلمون) بالكفر والمعصية ، وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ:" يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا" رواه مسلم.

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 240 سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 239 تهذيب سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 238 تهذيب سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 237 تهذيب سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 236 تهذيب سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 235 تهذيب سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر