الدرس 71 الجزء الثاني ‌‌على طريق العلم.

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 14 جمادى الأولى 1445هـ | عدد الزيارات: 128 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فمما لا شك فيه أن العلم هو الدعامة الأساسية التي ترتكز عليها مقومات الحياة البشرية، وأولى العلوم بالاهتمام والعناية هو معرفة علم الشريعة الإسلامية، إذ به تعرف الحكمة التي خلقنا الله سبحانه وتعالى لأجلها، وأرسلت الرسل لتحقيقها، وبه عرف الله، وبه عبد، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات 56) وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل 36) وبهاتين الآيتين علمت الحكمة في خلق الجن والإنس، والحكمة في إرسال الرسل. وأي أمة لا عقيدة لها صحيحة، ولا دين عندها صحيح، فهي أمة جاهلة مهما بلغت من الرقي والتقدم في نواحي الحياة، كما قال سبحانه: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (الفرقان 44) والحياة الطيبة هي حياة أهل العلم والإيمان، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (24)

والعلم النافع لا يمكن الحصول عليه إلا بواسطة المعلم، ولا يمكن لأي إنسان أن يكون معلما إلا إذا كان عالما بالمادة التي يعلمها غيره إذ فاقد الشيء لا يعطيه، والعلماء هم ورثة الأنبياء، ولذلك كانت مهمة المعلم من أصعب المهام لما تتطلبه من الاتصاف بأكمل الصفات حسب الإمكان، من علم نافع، وخلق كريم وعمل صالح متواصل وصبر ومصابرة وتحمل للمشاق في سبيل إصلاح الطالب، وتربيته تربية إسلامية نقية، وبقدر ما تتوفر صفات الكمال في المدرس يكون نجاحه في مهمته.
وقدوة الجميع وإمامهم هو سيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله الهاشمي العربي المكي ثم المدني - عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم -، فلقد كان أكمل الناس في كل الصفات الكريمة، وقد لاقى في توجيه الناس، وتعليمهم الصعوبات الكثيرة، والمشاق العظيمة فصبر على ذلك، وتحمل كل مشقة وصعوبة في سبيل نشر دينه، وإخراج أمته من الظلمات إلى النور، فجزاه الله عن ذلك أفضل الجزاء الحسن وأكمله. وقد تربى على يديه الكريمتين جيل صالح يعتبر أفضل الأجيال التي عرفتها البشرية في تاريخها الطويل. ومعلوم أن ذلك ناشئ عن حسن تربيته وتوجيهه لأصحابه، وصبره على ذلك بعد توفيق الله لهم وأخذه بأيديهم إلى الحق سبحانه وتعالى، إذا علم ذلك فإن من أهم المهمات في حق المعلم في كل مكان وزمان أن يسير على نهج المعلم الأول محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن يجتهد في معرفة ذلك حتى يطبقه في نفسه، وفي طلابه حسب الإمكان، وما أشد حاجة الأمة في هذا العصر الذي كثر فيه دعاة الهدم وقل فيه دعاة البناء والإصلاح إلى المعلم الصالح الذي يتلقى علومه، وما يربي به طلابه من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وينشر بينهم أخلاق السلف الصالح من الصدق والأمانة والإخلاص في العمل وتعظيم الأوامر والنواهي والمسابقة إلى كل فضيلة والحذر من كل رذيلة.
وبما تقدم يعلم أن مهمة المعلم مع كونها من أصعب المهام فهي مع ذلك من أشرف الوظائف، وأعظمها نفعا وأجلها قدرا إذا وفق صاحبها للإخلاص وحسنت نيته، وبذل جهده، كما أن له من الأجر مثل من انتفع بعلمه.
وفي الحديث الشريف يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه » (قلت: الحديث أخرجه البخاري في صحيحه )

ولا ريب أن المعلم هو المربي الروحي للطالب، فينبغي أن يكون ذا أخلاق فاضلة، وسمت حسن حتى يتأسى به تلامذته، كما ينبغي أن يكون محافظا على المأمورات الشرعية، بعيدا عن المنهيات، حافظا لوقته، قليل المزاح، واسع البال، طلق الوجه، حسن البشر، رحب الصدر، جميل المظهر، ذا كفاية ومقدرة وسعة اطلاع، كثير العلم بالأساليب العربية ليتمكن من تأدية واجبه على أكمل وجه.
ولا شك أن من يعنى بدراسة النفس البشرية من كافة النواحي ويبحث عن الأسباب الموصلة إلى معرفة الطريقة التي يمكن بواسطتها غرس العلوم في هذة النفس بسهولة ويسر سوف يحصل على نتائج طيبة في كشف خفاياها وما انطوت عليه من مشاعر وأحاسيس ومدى تقبلها للمعلومات المراد غرسها فيها.
ونسأل الله أن يرزقنا وسائر المسلمين العلم النافع والعمل الصالح، وأن يلطف بنا جميعا ويمن علينا بالفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وقادتهم وينصر بهم الحق إنه على كل شيء قدير.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

١٢ جمادى الأولى ١٤٤٥ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر