الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }[آل عمران: 102] ،
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء 1] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب 70-71]
أما بعد: فاتقوا الله واعلموا أنه بتقواه ينال العبُد السعادةَ في الدنيا والآخرة.
عباد الله: لقد اهتم كثير من الناس في زماننا هذا بالرؤى والأحلام، وكثر السؤال عنها، وهي ظاهرة قديمة تحدث عنها القرآن الكريم في العديد من الآيات كما في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}(يوسف: 4)، وقوله تعالى{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}(الفتح: 27).
ونبينا صلى الله عليه وسلم حدَّثنا عن رؤيا المسلم في آخر الزمان فقال:" إذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيا المُؤْمِنِ " أخرجه البخاري.
ورؤيا المسلم هي جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة، والرُّؤْيا ثَلاثٌ:كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " حَديثُ النَّفْسِ، وتَخْوِيفُ الشَّيْطانِ، وبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، فمَن رَأَى شيئًا يَكْرَهُهُ فلا يَقُصَّهُ علَى أحَدٍ ولْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ"(رواه البخاري ).
والرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في النوم من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير، وغلب الحلم على ما يراه من الشر . فإذا رأى المسلم رؤيا يحبها فليحمد الله عليها، وليحدث بها من يحب، وإذا رأى ما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره بإذن الله.
عباد الله:من علامات الرؤيا الصادقة: أن يكون الرائي معروفاً بالصدق في كلامه، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً" (رواه مسلم)، وهذا في الغالب وإلا فقد يرى غير الصادق رؤيا صادقة يكون فيها إيقاظٌ لغفلته أو ما شابه ذلك. وأن يَعرف أولَها وآخرَها، فلا تكون متقطعة لا ترابط بينها.وأن تكون تبشيراً بالثواب على الطاعة، أو تحذيراً من المعصية.
ويحرم الكذب في الرؤيا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم::(إنَّ من أفْرَى الفِرَى أنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ في المنامِ ما لَمْ تَرَيا ).صحيح الجامع للألباني.
وفي هذا الحَديثِ يُحذِّرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الافْتِراءِ والكَذِبِ في أُمورٍ، ويُخبِرُ أنَّها أعظَمُ الكَذِبِ والافْتِراءاتِ، ومنها: أنْ يَدَّعيَ الإنسانُ أنَّه رَأى شَيئًا في المَنامِ، وهو لم يَرَه؛ وعَظُم ذَنبُه لأنَّه كذَبَ على اللهِ تعالَى؛ لأنَّه ادَّعى الرُّؤْيا الصَّادِقةَ، وهي مِنَ اللهِ تعالَى، وجُزءٌ مِن النُّبوَّةِ، بيْنما هو في الحَقيقةِ لم يَنَلْ شيئًا مِن ذلك.
عباد الله: إذا كانت الرؤيا من الله فإن الحلم من الشيطان ،قال تعالى{قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ }(يوسف 44) ، والواجب على المسلم أن يتحلى بعدة آداب عندما يرى حلمًا ، وهي: أن يتعوذ بالله من شر هذا الحلم، ومن الشيطان. وأن يتفل عن يساره.وألا يذكره لأحد. وأن يتحول عن جنبه.
قال صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وليتفل عن يساره ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره " رواه البخاري .
عباد الله: ينبغي ألا تقص الرؤيا إلا على أهل العلم والفضل والدين الذين يعرفون التأويل، ويحسن أن يكون الذي يتولى تأويلها أن يكون ناصحاً، لأنه إن عرف خيراً قاله، وإن جهله أو شك فيه سكت وأرشد صاحب الرؤيا إلى ما ينفعه في أمور دينه ودنياه.
وليُعلم أن الخير لا يذهب إذا قدَّره الله جلَّ وعلا،، لكن لا ينبغي أن تُقص الرؤيا إلا على شخص عالمٍ فاهمٍ ناصحٍ مدركٍ لأن غيره قد يؤِّل الرؤيا تأويلاً خاطئاً .
والناس في الرؤيا متفاوتون فهناك :الأنبياءُ: ورؤياهم وحي وصدق، والصالحون: والأغلبُ على رؤياهم الصدق، ومن عداهما: يقع في رؤياهم الصدقُ والأضغاث.
وكثرةُ الرؤيا وقلتُها لا يعني شيئاً، بل ذلك راجعٌ لأحوال الشخص وأعماله، وتفكيراته، واهتمامه بهذا الأمر، ولا فرقَ في صحة الرؤيا وصدقها بين النهار والليل، لكن هناك أمور كثيرة تحف بالرؤيا لها دلالات في تفسيرها، وهي الأسماء والمعاني وأحوال الرائي.
والكابوس عادةً يأتي بين النوم واليقظة، وهو من الشيطان، والوقاية منه بالمحافظة على الأوراد والأدعية التي هي حصن بإذن الله للشخص وأهله من الشيطان وجنوده، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُعّوذ الحسن والحسين ويقول:(إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ)(رواه البخاري).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
عباد الله: لقد افتُتِنَ كثيرٌ من الناس وخاصة في أوساط النساء ببعض المعبرين للرؤى، فراحوا يسألونهم في كل صغيرة وكبيرة تمس حياتهم الشخصية، وهم لا يدرون عن حال هذا المعبر من حيث صحة معتقده، وصدقه وكذبه، وعلمه وأمانته. وهذا فيه خطر شديد على السائل.
فلينتبه كل مسلم ومسلمة لهذا الأمر، وليعلموا أن كل شيء في هذا الكون لا يكون إلا بمراد الله وقضائه وقدره.
ولا يجوز لكل شخص أن يعبر الرؤى بمجرد النظر في كتب تفسير الرؤى، كما يقع الآن من بعض المعبرين، لأنها تختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، والأزمان، وأوصاف الرائين. ولذلك سأل رجلٌ ابنَ سيرين بأنه رأى نفسه أذَّن في النوم ؟ فقال له : تسرق ، وتُقطع يدك . وسأله آخر وقال له مثل هذا ! فقال له : تحج ! فوجد كلٌّ منهما ما فسره له به . فقيل له في ذلك ، فقال : رأيتُ هذا سُمَيَّتُهُ حسنة ، والآخر سُمَيَّتُهُ قبيحة .
هذا وصلوا وسلموا على الخليل المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعنا معهم بفضل وكرمك ، اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى.وهيء لهما البطانة الصالحة الناصحة، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات .إنك سميع قريب مجيب الدعوات.