الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
قول المصنف:" في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى :" وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (نوح آية 23) قال :" هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموهم بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى هلك أولئك ونسي العلم عُبدت "
قوله :" في الصحيح " أي صحيح البخاري.
والذي في صحيح البخاري هذا نصه : قال عطاء" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، صَارَتِ الأوْثَانُ الَّتي كَانَتْ في قَوْمِ نُوحٍ في العَرَبِ بَعْدُ ، أمَّا ودٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بالجَوْفِ، عِنْدَ سَبَإٍ، وأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلَاعِ ، أسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِن قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ إلى قَوْمِهِمْ، أنِ انْصِبُوا إلى مَجَالِسِهِمُ الَّتي كَانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَابًا وسَمُّوهَا بأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حتَّى إذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ ".
هذا حال الغلو أدَّى بأهله إلى الشرك بالله ثمَّ الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة.
قوله:"أوْحَى الشَّيْطَانُ" أي وحي وسوسة وليس وحي إلهام.
قوله:"أنِ انْصِبُوا إلى مَجَالِسِهِمُ الَّتي كَانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَابًا "، الأنصاب جمع نُصُب، وهو كل ما ينصب من حجر أوعصا أو غيرهما.
قوله:"وسَمُّوهَا بأَسْمَائِهِمْ"، أي ، وقولوا : هذا ود، وهذا سواع، وهذا يغوث، وهذا يعوق، وهذا نسر
قوله:"وتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ" ، أي ذهب العلم الذي بذهابه زيَّن لهم الشيطانُ هذا التصوير، وجاء ناسٌ لا يعلمون ولا يفهمون فعبدوها من دون الله، وهذا يدل على أن العلم إذا ذهب من الأرض وقع فيها الباطل، فالعلم هو الذي يُحارب به الجهلُ، وبهذا يعلم شدة الضرورة إلى علم الشريعة، وإلى وجود علماء الشريعة حتى ينفوا عن كتاب الله وسنة الرسول تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين ، واعتقاد المبطلين، وحتى ينهوا الناس عن البدع والمنكرات ، ويدعوهم للتوحيد، وفي هذه الأزمنة قلَّ العلم، وانتشر الشرك والباطل ، وانتشرت البدع، وقلَّ المنكرون لها من أهل العلم ؛ لقلتهم وكثرة خصومهم.
قوله :" قال ابن القيم " قال غير واحد من السلف : لمَّا ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صَوَّرُوا تماثيلهم ، ثم طال عليهم الأمدُ فعبدوهم "
(ابن القيم) هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي ، المولود 691 هـ ، الإمام الجليل الحافظ صاحب المصنفات المشهورة في التوحيد والأصول والفقه ومختلف العلوم ، وهو من أكبر تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله علما وقدرا ، وتوفي 751 هـ
قوله " ثم طال عليهم الأمدُ فعبدوهم " أي طال عليهم الزمن فنسوا ما قصده الأولون بتصوير صورهم فعبدوهم.
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
1434-3-6هـ