الدرس 123 أسباب نصر المؤمنين 1

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 23 محرم 1443هـ | عدد الزيارات: 386 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

جعل الله للنصر أسباباً وجعل للخذلان أسباباً ، فالواجب على أهل الإيمان في جهادهم وفي سائر شئونهم أن يأخذوا بأسباب النصر ويستمسكوا بها في كل مكان في المسجد وفي البيت وفي الطريق وفي لقاء الأعداء وفي جميع الأحوال ، فعلى المؤمنين أن يلتزموا بأمر الله ، وأن ينصحوا لله ولعباده ، وأن يحذروا المعاصي التي هي من أسباب الخذلان ، ومن المعاصي التفريط في أسباب النصر الأسباب الحسية التي جعلها الله أسباباً لابد منها ، كما أنه لابد من الأسباب الدينية ، فالتفريط في هذا أو هذا سبب الخذلان والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم وهو أصدق القائلين " يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " محمد 7 ، هذه الآية العظيمة خطاب لجميع المؤمنين أوضح فيها سبحانه أنهم إذا نصروا الله نصرهم سبحانه وتعالى.

ونصر الله للمؤمنين هو : اتباع شريعته ونصر دينه والقيام بحقه ، وليس هو سبحانه في حاجة إلى عباده بل هم المحتاجون إليه كما قال عز وجل " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد * إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز " فاطر 15 - 17 ، فالناس كلهم جنهم وإنسهم ملوكهم وعامتهم كلهم في حاجة إلى ربهم وكلهم فقراء إلى الله والله سبحانه هو الغني الحميد ، فإذا قام المسلمون بنصر دينه والقيام بحقه ونصر أوليائه نصرهم الله على عدوهم ويسر أمورهم وجعل لهم العاقبة الحميدة كما قال تعالى " فاصبر إن العاقبة للمتقين " هود 49 ، والصبر والتقوى يكونان : بنصر الله ، والقيام بدينه سبحانه ، والتواصي بذلك في السر والجهر ، في الشدة والرخاء ، في حال الجهاد وما قبله وما بعده وفي جميع الأحوال .
ولما حذَّر سبحانه من اتخاذ البطانة من دون المؤمنين في قوله جل وعلا " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون " آل عمران 118 ، بيَّن سبحانه في آخر الآيات أنهم إذا صبروا واتقوا لم يضرهم أعداؤهم فقال " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط " آل عمران 120 .

فنصر الله جل وعلا باتباع شريعته والصبر على ذلك ، كما قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس " احفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْه تُجاهَكَ، "(صححه شعيب الأرناؤوط في تخريج المسند) ، فمن حفظ الله بحفظِ دينِهِ والاستقامةُ عليه والتواصي بحقه والصبر عليه نصرُه الله وأيده على عدوه وحفظه من مكائده ، وقال عز وجل " وكان حقاً علينا نصر المؤمنين " الروم 47 ، والمؤمنون هم الذين استقاموا على دين الله وحافظوا على حقه وابتعدوا عن مناهيه ، ويقول سبحانه في كتابه الكريم " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " الحج 40 ، 41 ، هؤلاء هم المنصورون وهم الموعودون بالعاقبة الحميدة ، ثم أوضح سبحانه صفات الناصرين له فقال " الذين إن مكناهم في الأرض " أي : أقدرناهم ، " أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة " يعني : حافظوا على هذه وهذه كما أمر الله ، فأقاموا الصلاة كما أمر الله بأركانها وواجباتها وغير ذلك من شئونها ، وأدوا الزكاة طيبة بها نفوسهم كما شرع الله ، " وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر " وهذا يعم جميع الأوامر والنواهي فيدخل في المعروف : الصيام والحج والجهاد وبر الوالدين وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله ، ويدخل في المنكر كل ما نهى الله عنه من أنواع الشرك وسائر المعاصي ، فالمؤمنون يوحدون الله ويؤمنون به إيماناً صادقاً ، ويلتزمون بتوحيده والإخلاص له وتصديق أخباره وأخبار رسوله عليه الصلاة والسلام وبالقيام بحقه كما أمر ، ومع ذلك يحذرون ما نهى عنه ويبتعدون عما حرمه عليهم رغبة فيما عنده وطلباً لمرضاته جل وعلا وحذراً من عقابه سبحانه وتعالى .

فالنصر لدين الله يكون بطاعة الله وتعظيمه والإخلاص له والرغبة فيما عنده سبحانه وتعالى والعمل بشريعته يريد ثوابه وإقامة دينه ، فمن كان بهذه الصفة فهو من المؤمنين الذين قال الله فيهم " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " غافر 51 ، 52 ، يعني بذلك العاقبة الوخيمة وهي اللعنة وسوء الدار ، فالعاقبة الوخيمة هي النار والطرد من رحمة الله لأنهم لم ينصروا الله ولم ينصروا دينه ، فالظالمون لا تنفعهم المعاذير ولهم اللعنة ولهم سوء الدار يوم القيامة.
بخلاف من نصر دين الله واستقام عليه فلهم الرضا والكرامة والعاقبة الحميدة وذلك بالنصر في الدنيا والفوز في الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار .

فالرسل وأتباعهم وهم المؤمنون لهم النصر في الدنيا بإظهارهم على عدوهم وتمكينهم من عدوهم وجعل العاقبة الحميدة لهم ضد عدوهم ، وفي الآخرة لهم النصر بدخول الجنة والنجاة من النار والسلامة من هول اليوم العظيم ، ويقول عز وجل " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " النور 55 ، هؤلاء هم أنصار الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وهم الذين أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وهم الذين نصروا دين الله واستقاموا عليه ، وهم الأبرار ، وهم الذين إذا مُكِّنُوا في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات المذكورون في هذه الآية من سورة النور ، وهم الذين قاموا بهذين الأمرين ، آمنوا بالله ورسوله ، آمنوا بأن الله ربهم وهو معبودهم الحق خصُّوه بالعبادة وآمنوا بأسمائه وصفاته واستقاموا على دينه قولاً وعملاً وعقيدة .

فعليك يا عبد الله أن تعرف هذا المعنى جيداً وأن تعمل به حتى تكون من أنصار الله ، وحتى تحصل لك العاقبة الحميدة التي وعد الله بها أنصاره ، فالله وعد أنصاره بالنصر والعاقبة الحميدة والتمكين في الأرض وأن يبدل خوفَهم أمناً لما أخافوا أعداءه من أجله ، وصبروا على دينه ، وجاهدوا في الله وقدموا أنفسهم في سبيله سبحانه رخيصة يرجون رحمته ويخافون عقابه ، قد باعوها لله وسلموها لله عملاً بقوله سبحانه " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " التوبة 111 ، وقال سبحانه " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " العنكبوت 69 ، وعدهم بالهداية وأنهم هم المحسنون المنصورون .

والله ولي التوفيق

23 - 1 - 1443هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 120 الجزء الثالث ‌‌حكم الإسلام في إحياء الآثار - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر