الدرس 116 أحاديث لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 30 ذو الحجة 1442هـ | عدد الزيارات: 380 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

حديث "من كان اسمُه محمداً فلا تضربْه ولا تشتمْه " ، مكذوب وموضوع على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس لذلك أصل في السنة المطهرة ، وهكذا قول من قال : من سمى محمداً فإنه له ذمة من محمد ويوشك أن يدخله بذلك الجنة ، وهكذا من قال : من كان اسمه محمداً فإن بيته يكون لهم كذا وكذا ، فكل هذه الأخبار لا أساس لها من الصحة ، فالاعتبار باتباع محمد ، وليس باسمه صلى الله عليه وسلم ، فكم ممن سُمي محمداً وهو خبيث ، لأنه لم يتبع محمداً ولم ينقد لشريعته ، فالأسماء لا تطهر الناس ، وإنما تطهرهم أعمالهم الصالحة وتقواهم لله جل وعلا ، فمن تسمى بأحمد أو بمحمد أو بأبي القاسم وهو كافر أو فاسق لم ينفعه ذلك ، بل الواجب على العبد أن يتقي الله ويعمل بطاعة الله ويلتزم بشريعة الله التي بعث بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ، فهذا هو الذي ينفعه ، وهو طريق النجاة والسلامة.

حديث " تعلموا السحر ولا تعملوا به "، هذا الحديث باطل لا أصل له ، ولا يجوز تعلم السحر ولا العمل به وذلك منكر بل كفر وضلال ، وقد بيَّن الله إنكاره للسحر في كتابه الكريم في قوله تعالى " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " البقرة 102 ، فأوضح سبحانه أن السحر كفر وأنه من تعليم الشياطين ، وقد ذمَّهم الله على ذلك وهم أعداؤنا ، ثم بيَّن أن تعليم السحر كفر ، وأنه يضر ولا ينفع ، فالواجب الحذر منه لأن تعلم السحر كله كفر ، ولهذا أخبر عن الملكين أنهما لا يعلمان الناس حتى يقولا للمتعلم إنما نحن فتنة فلا تكفر ، ثم قال " وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله " فعلم أنه كفر وضلال وأن السحرة لا يضرون أحدا إلا بإذن الله ، والمراد بذلك إذنه سبحانه الكوني القدري لا الشرعي الديني ، لأنه سبحانه لم يشرعه ولم يأذن فيه شرعاً بل حرَّمه ونهى عنه ، كما أوضح سبحانه أن من اشتراه أي اعتاده وتعلمه ليس له في الآخرة من خلاق ، أي من حظ ولا نصيب ، وهذا وعيد عظيم ، ثم قال سبحانه " ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " والمعنى باعوا أنفسهم للشيطان بهذا السحر ، ثم قال سبحانه " ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون " البقرة 103 ، فدلَّ ذلك على أن تعلم السحر والعمل به ضد الإيمان والتقوى ومنافٍ لهما ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
* زيارة قبر الميت بعد أربعين يوماً وقيام النساء والأولاد بفتح القبر ونشر حبوب الذرة على الميت هذا بدعة لا أصل له في الشرع ، فرمي الحبوب والطيب والملابس كله منكر لا أصل له ، فالقبر لا يفتح إلا لحاجة كأن ينسى العمال أدواتهم كالمسحاة فيفتح لأجل ذلك أو يسقط لأحدهم شيء له أهمية فيفتح القبر لذلك ، أما أن يفتح للحبوب أو ملابسه أو نحو ذلك فلا يجوز ، وليس للنساء زيارة القبر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور ، وروي ذلك عن أبي هريرة وابن عباس وحسان بن ثابت رضي الله عنهم ، فلا يجوز لهن زيارتها ، لكنها مشروعة للرجال ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة " رواه مسلم في صحيحه ، والحكمة - والله أعلم - في نهي النساء عن ذلك هي أنهن فتنة وقليلات الصبر .
ليس لك أن تعطي رجلاً نصرانياً مصحفاً ، ولكن تقرأ عليه القرآن ، وتسمعه القرآن ، وتدعوه إلى الله وتدعو له بالهداية ، لقوله تعالى في كتابه العزيز " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه " التوبة 6 ، وقوله صلى الله عليه وسلم " لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو لئلا تنالَه أيديهم " ،(الحديث ورد بهذا اللفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نهى أنْ يُسَافَرَ بالقرآنِ إلى أرضِ العَدُوِّ مَخافةَ أنْ ينالَهُ العدوُّ"صححه أحمد شاكر في مسند الإمام أحمد ). فدلَّ ذلك على أنه لا يُعطى الكافر المصحف خشية أن يهينه أو يعبث به ، ولكن يعلم ويقرأ عليه القرآن ويوجه ويدعى له ، فإذا أسلم سلم له المصحف ، ولا مانع أن يعطى بعض كتب التفسير أو بعض كتب الحديث إذا رجي انتفاعه بذلك أو بعض تراجم معاني القرآن الكريم .
إن الله خلق الخلق لعبادته ، أي ليعبدوه وحده لا شريك له ، بأن يطيعوا أوامره وينتهوا عن نواهيه ، ويكثروا من ذكره ، قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات 56 ، وعبادته هي توحيده سبحانه بدعائه وبخوفه ورجائه والصلاة والصيام وغير ذلك وطاعة أوامره واجتناب نواهيه ، ووعدهم في الدنيا الخير الكثير والعاقبة الحميدة ووعدهم في الآخرة بالجنة والكرامة ، قال تعالى " فاصبر إن العاقبة للمتقين " هود 49 ، وقال تعالى " وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " البقرة 155 - 157 ، وقوله صلى الله عليه وسلم " ما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ. "(أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه) ، فالصابر له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة إذا صبر على تقوى الله سبحانه وطاعته وصبر على ما ابتلي به من شظف العيش والفاقة أو الفقر والمرض ، والصبر عاقبته حميدة ، قال تعالى في حق بعض المؤمنين وعدوهم " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط " آل عمران 120 .

* معلوم لكل عاقل ذي بصيرة أن خير القرون قرن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن في ذلك القرن من يحلق ذقنه من الصحابة الكرام رضي الله عنهم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وامتثالاً لأمره حيث قال " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس " خرجه مسلم في صحيحه ، وقوله عليه الصلاة والسلام " قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين " متفق على صحته ، وحذَّر من الوقوع في مخالفته صلى الله عليه وسلم ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، ولكنه التقليد الأعمى لأعداء الله والزهد في تعاليم الشريعة السمحة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "مَن دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا، ومَن دَعا إلى ضَلالَةٍ، كانَ عليه مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثامِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن آثامِهِمْ شيئًا." .(رواه مسلم عن أبي هريرة)

وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بإعفاء اللحى وإرخائها من حديث ابن عمر في الصحيحين ومن حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ، وورد في ذلك أحاديث أخرى في غير الصحيحين وكلها تدل على وجوب إعفاء اللحى وإرخائها وتوفيرها كما تدل على تحريم حلقها وتقصيرها ، لأن الأصل في الأوامر الوجوب والأصل في النهي التحريم ، ولا يجوز لأحد أن يصرف النصوص عن أصلها وظاهرها إلا بحجة صحيحة يحسن الاعتماد عليها ولا حجة لمن أخرج هذه الأحاديث عن أصلها وظاهرها وقال : إنها لا تدل على الوجوب أو لا تدل على تحريم الحلق والتقصير .
أما الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها فهو حديث باطل عند أهل العلم ، لأن في إسناده عمر بن هارون البلخي وهو من المتهمين بالكذب عند أكثر أئمة الحديث ونقاده كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) وتقريبه ، وكما ذكر ذلك الذهبي في (الميزان) .

وأسأل الله أن يمنحنا وإياكم وسائر إخواننا الفقه في دينه ، والثبات عليه ، وأن يعيذنا جميعا من مضلات الفتن إنه سميع قريب .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه

29 - 12 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر