ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 109 زيارة المسجد النبوي سُنَّة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 26 شوال 1442هـ | عدد الزيارات: 388 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الزيارة للمسجد النبوي سنة وليست واجبة وليس لها تعلق بالحج ، بل السنة أن يزار المسجد النبوي في جميع السنة ، ولا يختص ذلك بوقت الحج لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " متفق عليه ،(قلت: ورد الحديث في مسلم بعدة روايات أقربها لرواية الشيخ قوله صلى الله عليه وسلم :" لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى " وجاء في صحيح البخاري بعدة روايات أقربها " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، ومَسْجِدِي، ومَسْجِدِ الأقْصَى. ")، ولقوله صلى الله عليه وسلم " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " متفق عليه .(قلت هذه رواية البخاري للحديث ، ورواية مسلم (أفضلُ) بدلا من (خيرٌ))

وإذا زار المسجد النبوي شُرِع له أن يصلي في الروضة ركعتين ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، كما يشرع زيارة البقيع والشهداء للسلام على المدفونين هناك من الصحابة وغيرهم والدعاء لهم والترحم عليهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورهم ، وكان يُعلِّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية " ،(قلت : أخرجه مسلم بهذا اللفظ "السَّلامُ عليْكم أَهلَ الدِّيارِ منَ المؤمنينَ والمسلمينَ وإنَّا إن شاءَ اللَّهُ للاحِقونَ أسألُ اللَّهَ لنا ولَكم العافيةَ")


ويشرع أيضا لمن زار المسجد النبوي أن يزور مسجد قباء فيصلي فيه ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزوره كل سبت ويصلي فيه ركعتين وقال عليه الصلاة والسلام " من تطهر في بيته فأحسن الطهور ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه كان كعمرة " .قلت جاء الحديث في صحيح ابن ماجه بهذا اللفظ "من تطَهَّرَ في بيتِهِ , ثمَّ أتى مسجدَ قباءٍ ، فصلَّى فيهِ صلاةً ، كانَ لَهُ كأجرِ عمرةٍ."صححه الألباني

هذه هي المواضع التي تزار في المدينة المنورة ، أما المساجد السبعة ومسجد القبلتين وغيرها من المواضع التي يذكر بعض المؤلفين في المناسك زيارتها فلا أصل لذلك ولا دليل عليه والمشروع للمؤمن دائما هو الاتباع دون الابتداع
قول البعض إن حلق اللحية وتقصير الثوب قشور وليست أصولاً في الدين ، هذا الكلام خطير ومنكر عظيم ، وليس في الدين قشور بل كله لُب وصلاح وإصلاح ، وينقسم إلى أصول وفروع ، ومسألة اللحية وتقصير الثياب من الفروع لا من الأصول .
لكن لا يجوز أن يُسمى شيء من أمور الدين قشوراً ويُخشى على من قال مثل هذا الكلام متنقصاً ومستهزئاً أن يرتد بذلك عن دينه لقول الله سبحانه " قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " التوبة 65 ، 66 .
والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر بإعفاء اللحية وإرخائها وتوفيرها وقص الشوارب وإحفائها ، فالواجب طاعته وتعظيم أمره ونهيه في جميع الأمور .

وقد ذكر أبو محمد ابن حزم إجماع العلماء على أن إعفاء اللحية وقص الشارب أمر مفترض ولا شك أن السعادة والنجاة والعزة والكرامة والعاقبة الحميدة في طاعة الله ورسوله ، وأن الهلاك والخسران وسوء العاقبة في معصية الله ورسوله ، وهكذا رفع الملابس فوق الكعبين أمر مفترض لقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار" رواه البخاري في صحيحه ،(قلت: رواية البخاري عن أبي هريرة بهذا اللفظ"ما أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإزَارِ فَفِي النَّارِ.")

وقوله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل إزاره والمنان فيما أعطى والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " رواه مسلم في صحيحه ،قلت : ورد الحديث في مسلم بعدة روايات أقربها لرواية الشيخ قوله "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ..المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب")
فالواجب على الرجل المسلم أن يتقي الله وأن يرفع ملابسه سواء كانت قميصاً أو إزاراً أو سراويل أو بشتاً وألا تنزل عن الكعبين ، والأفضل أن تكون ما بين نصف الساق إلى الكعب ، وإذا كان الإسبال عن خيلاء كان الإثم أكبر ، وإذا كان عن تساهل لا عن كبر فهو منكر وصاحبه آثم في أصح قولي العلماء ، لكن إثمه دون إثم المتكبر ، ولا شك أن الإسبال وسيلة إلى الكبر وإن زعم صاحبه أنه لم يفعل ذلك تكبراً ، ولأن الوعيد في الأحاديث عام فلا يجوز التساهل بالأمر .
الأولياء هم المؤمنون وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم بإحسان وهم أهل التقوى والإيمان ، وهم المطيعون لله ولرسوله ، فكل هؤلاء هم الأولياء سواء كانوا عرباً أو عجماً بيضاً أو سوداً أغنياء أو فقراء حكاماً أو محكومين رجالاً أو نساءً لقول الله سبحانه وتعالى " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون " يونس 62 ، 63 ، فهؤلاء هم أولياء الله الذين أطاعوا الله ورسوله واتقوا غضبه فأدوا حقه وابتعدوا عما نهوا عنه .
وليس أولياء الله أهل الشعوذة ودعوى الخوارق الشيطانية والكرامات المكذوبة ، وإنما هم المؤمنون بالله ورسوله ، المطيعون لأمر الله ورسوله كما تقدم سواء حصلوا على كرامة أو لم يحصلوا عليها ،وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هم أتقى الناس وهم أفضل الناس بعد الأنبياء ، ولم يحصل لأكثرهم الخوارق التي يسمونها كرامات لما عندهم من الإيمان والتقوى والعلم بالله وبدينه ، لذا أغناهم الله بذلك عن الكرامات .

وقد قال سبحانه في حق الملائكة " لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون " الأنبياء 27 ، 28 ، فلا يجوز لأحد أن يعبد الرسل أو الملائكة أو غيرهم من الأولياء ، ولا ينذر لهم ولا يذبح لهم ولا يسألهم شفاء المرضى أو النصر على الأعداء أو غير ذلك من أنواع العبادة لقول الله تعالى " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً " الجن 18 ، وقال تعالى " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " البينة 5 .
وهكذا لا يجوز الطواف بقبور الأولياء ولا غيرهم لأن الطواف يختص بالكعبة المشرفة ، ولا يجوز الطواف بغيرها ، ومن طاف بالقبور يتقرب إلى أهلها بذلك فقد أشرك كما لو صلى لهم أو استغاث بهم أو ذبح لهم ، لقول الله عز وجل " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " الأنعام 162 ، 163 .
أما سؤال المخلوق الحي القادر الحاضر للاستعانة به فيما يقدر عليه فليس من الشرك ، بل ذلك جائز كقول الله عز وجل في قصة موسى عليه الصلاة والسلام " فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه " القصص 15 ، ولعموم قوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى " المائدة 2 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " .(قلت أخرجه مسلم عن ابي هريرة)

الدعاء عند القبور غير مشروع سواء كان القبر قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره ، وليست محلاً للإجابة ، وإنما المشروع زيارتها ، والسلام على الموتى ، والدعاء لهم ، وذكر الآخرة والموت .
السفر إلى زيارة القبور منكر عظيم وشر كبير ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" ، ثم إن التقرب لأصحاب القبور بالنذور أو الذبائح أو الصلوات أو بالدعاء والاستغاثة بهم كله شرك بالله عز وجل ، فلا يجوز لمسلم أن يدعو صاحب قبر ولو كان عظيماً كالرسل عليهم الصلاة والسلام ، ولا يجوز أن يستغاث بهم كما لا يجوز أن يستغاث بالأصنام ولا بالأشجار ولا بالكواكب .

أما لعبهم بالدفوف والطبول وتقربهم بذلك إلى الله سبحانه فهو من البدع المنكرة وكثير من الصوفية يتعبدون بذلك فكله منكر وبدعة وليس مما شرعه الله ، وإنما يشرع الدف للنساء في العرس خاصة إظهاراً للنكاح وليعلم أنه نكاح وليس بسفاح .
كذلك من البدع ووسائل الشرك البناء على القبور واتخاذها مساجد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها والقعود عليها ، كما روى الإمام مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه " ، وقال عليه الصلاة والسلام " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "(قلت: أخرجه البخاري عن عبد الله بن عباس وعائشة أم المؤمنين) ، فيجب أن تكون القبور ضاحية مكشوفة ليس عليها بناء ولا يجوز التبرك بها ولا التمسح بها .

والعبادة حق الله وحده وهو الذي يدعى ويرجى قال الله تعالى " ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون " المؤمنون 117 ، فسماهم كفرة بدعوتهم غير الله من الجن والملائكة وأصحاب القبور والكواكب أو الأصنام ، كل هؤلاء دعوتهم مع الله شرك أكبر يقول الله تعالى " ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين " يونس 106 ، يعني المشركين ، وعلى جميع من يستطيع إنكار هذا المنكر أن يساهم في ذلك ، وعلى الدولة إن كانت مسلمة أن تمنع ذلك وأن تعلم الناس ما شرع الله لهم وأوجبه عليهم من أمر الدين حتى يزول هذا الشرك وهذا المنكر .

نسأل الله الهداية للجميع والله ولي التوفيق .

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه

25 - 10 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر