الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
أوضح الله في كتابه العظيم أنه سبحانه أباح لعباده المؤمنين إذا اضطروا إلى ما حرَّم عليهم أن يفعلوه ، كما قال تعالى " وقد فصل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه " الأنعام 119 ، ولما حرَّم الميتة والدم والخنزير والمنخنقة والموقوذة وغيرها قال في آخر الآية " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم " المائدة 3 .
وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية لما تأملوا هذا ونظروا فيه ، وعرفوا الحال بينوا أن هذا أمر سائغ ، وأن الواجب استعمال ما يدفع الضرر ، ولا يجوز التأخر في ذلك ، بل يجب فورا استعمال ما يدفع الضرر عن المسلمين ، ولو بالاستعانة بطائفة من المشركين فيما يتعلق بصد العدوان وإزالة الظلم ، وهم جاءوا لذلك وما جاءوا ليستحلوا البلاد ، ولا ليأخذوها ، بل جاءوا لصد العدوان وإزالة الظلم ثم يرجعون إلى بلادهم ، وما يتعمدون قتل الأبرياء ، ولا قتل المدنيين ، وإنما يريدون قتل الظالمين المعتدين والقضاء على سبل إمدادهم وقوتهم في الحرب.
*المسلم مأمور بأخذ الحذر واتباع التعليمات التي تقي الشر قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم " النساء 71 ، فالمؤمن إذا أخذ بالأسباب النافعة والواقية بإذن الله من الشر ، لا بأس عليه ، كأن يستعمل الكمامات التي تمنع من وصول الغازات السامة إليه ، وغيرها من أسباب الوقاية عند الحاجة إلى ذلك ، وكحمل السلاح إذا صال عليه صائل ليصد هذا الصائل ، وكما يقتل الحية والعقرب في الصلاة وغيرها لدفع شرهما .
فالإنسان مأمور بالأسباب النافعة كما قال تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " الأنفال 60 ، وكما في آية صلاة الخوف من الأمر بالتهيؤ بالسلاح ، وهو قوله تعالى "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم"النساء 102.
* المجاهد إن أصلح الله نيته وهو يجاهد لدفع الظلم ونفع المسلمين فهو مجاهد في سبيل الله ، وهو شهيد إن قُتِل ، والنبي صلى الله عليه وسلم " جاءه رجل وسأله قائلا : إذا جاءني رجل يريد مالي ؟ قال : لا تعطه مالك ، قال : فإن قاتلني ؟ قال : قاتله ، قال: فإن قتلني ؟ قال : فأنت شهيد ، قال : فإن قتلته ؟ قال : هو في النار " أخرجه مسلم في صحيحه.
فإذا كان هذا في إنسان يدافع عن ماله ، فكيف فيمن يدافع عن دينه وعن إخوانه المسلمين وعن حرماته ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " من قُتل دون دينه فهو شهيد ومن قُتل دون دمه فهو شهيد ومن قُتل دون أهله فهو شهيد ومن قُتل دون ماله فهو شهيد " .قلت : الحديث رواه النسائي وصححه الألباني ، وقد جاء بهذا اللفظ "من قاتل دون مالِه، فقُتل فهو شهيدٌ، ومن قاتل دونَ دمِه، فهو شهيدٌ، ومن قاتل دونَ أهلِه، فهو شهيدٌ"
وأنت أيها المسلم المجاهد ، إن أصلح الله نيتك ، تقاتل عن دين الإسلام وعن نفوس المسلمين وأموالهم وبلادهم ، وعن عامة المسلمين وحرماتهم ، وتصد عنهم عدواً ، وتجاهد لإزالة ظلمه ودفع شره فالأمر عظيم ، والجهاد من أهم الواجبات في هذا السبيل .
أما المقاتل المسلم الذي هو ضد الظالم فهو على خير عظيم ، إن قُتل فهو شهيد ، وإن أُسر أو جُرح فهو مأجور ، وبكل حال فله أجر المجاهدين سلم أو قُتل ، إذا أصلح الله نيته .
* اليهود الذين اعتدوا على أرض فلسطين واجب على المسلمين جهادُهم حتى يخرجوهم من بلاد المسلمين ، وحتى ينتصر إخوانُنا الفلسطينيون عليهم ، ويقيموا دولتهم الإسلامية على أرضهم ، وهذا لا شكَّ في وجوبه على الدول الإسلامية حسب الطاقة .
* إذا كانت الفئة الباغية مؤمنة يجب قتالها حتى تفيء إلى أمر الله وترجع عن ظلمها ، وقتال الفئة الكافرة الباغية أولى حتى يفيئوا إلى الحق ويرجعوا عن الظلم وبما ذكرنا يعلم أن اليهود قتالهم واجب مستقل ، قال تعالى " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " التوبة 29 ، فالمسلمون عليهم أن يقاتلوا الكفرة جميعاً ، حتى يكون الدين كله لله ، إلا من أدى الجزية من أهل الجزية ، فإذا عجزوا عن ذلك فإنهم لا يلامون إذا قاتلوا من تعدَّى عليهم دون غيرهم لقول الله سبحانه " فاتقوا الله ما استطعتم " التغابن 16 .
عبد الله بن أُبي كافر وهو يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً رسول الله ، وهو من أكفر الناس وما نفعه ذلك لكفره ونفاقه فالذين يقولون لا إله إلا الله من أصحاب المعتقدات الكفرية كالبعثيين والشيوعيين وغيرهم ويصلون لمقاصد دنيوية ، فهذا ما يخلصهم من كفرهم لأنه نفاق منهم ، ومعلوم عقاب المنافقين الشديد كما جاء في كتاب الله " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً " النساء 145 ، ولكي يُعتبر من يدّعي الإسلامَ مؤمناً حقيقياً فلابد من التصريح بالتوبة مما كان يعتقده سابقاً ، ويؤكد هذا بالعمل ، لقول الله تعالى " إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا " البقرة 160 ، فالتوبة الكلامية ، والإصلاح الفعلي ، لابد معه من بيان ، وإلا فلا يكون المدعي صادقاً .
أما النفاق فلا يصلح عند الله ولا عند المؤمنين ، يقول الله تعالى " يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون * وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون * وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون " البقرة 9 - 13 .
وبالله التوفيق
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
24 - 8 - 1442هـ