الدرس 15 وقفات مع الدعاة إلى الله

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 18 ذو القعدة 1441هـ | عدد الزيارات: 528 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يُشرع هجر مرتكب الجريمة ومقاطعتُه من أقاربه وجاره إذا أعلن المنكر وأصر ولم ينفع فيه النصح ويُشرع عدم إجابة دعوته وعدم السلام عليه حتى يتوب لله من هذا المنكر .

هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لمَّا تخلف كعب بن مالك وصاحباه عن غزوة تبوك بغير عذر شرعي فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يُكلموا ويُهجروا فهجروهم حتى تابوا وتاب الله عليهم .

أما إن كان هجر الشخص قد يترتب عليه ما هو أنكر من فعله لأنه ذو شأن في الدولة أو ذو شأن في قبيلته فيُترك هجره ويعامل بالتي هي أحسن وبرفق حتى لا يترتب على هجره ما هو شر من منكره ، والدليل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يعامل رأس المنافقين عبَد الله بنَ أُبي بنِ سلول بمثل ما عامل به الثلاثة كعب بن مالك وصاحباه بل تلطف به ولم يهجره لأنه رئيس قومه ويخشى من سجنه وهجره فتنةً لجماعته في المدينة ، فلهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفق به حتى مات على نفاقه نسأل الله العافية .

الدعوة إلى الله عز وجل من أهم المهمات ومن أعظم الفرائض والناسُ في أشد الحاجة إليها سواء كان مجتمعاً مسلماً أو مجتمعاً كافرا .

فالمجتمع المسلم بحاجة إلى التنبيه على ما قد يقع فيه من أخطاء ومنكرات حتى يتدارك ما وقع من ذلك وحتى يستقيم على طاعة الله ورسولِه وينتهي عن ما نهى الله عنه ورسولُه .

والكافر يُدعى إلى الله ويُبين له أن الله خلقه لعبادته وأن الواجب عليه الدخول في الإسلام والأخذ بما جاء به نبي الهدى عليه أفضل الصلاة والسلام .

والداعي إلى الله يلزمه مراعاة أمور مهمة في الدعوة حتى تكون دعوتُه ناجحةً وعاقبتها حميدةً ، أعظمها وأهمها العلم ، والعلمُ إنما يؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة " يوسف 108 ، قال أهل العلم : معناه على علم ، فيجب على الداعي أن يعلم كيف يأمر وكيف ينهى وكيف يدعو إلى الله .

ثم أمرٌ آخر وهو أن يتحرى في دعوته ويرفُقَ فيها ، فإن كان المدعو يمكن أن يستجيب من غير حاجة إلى موعظة وإلى جدال يوضح له الحق بالأدلة الشرعية والأسلوب الحسن فإذا تقبل ذلك انتهى الموضوع وحصل المقصود .

ومما يلزم الداعيةَ الإخلاصُ لله وأن يحذر الرياءَ وأن يكون في دعوته قاصداً وجه الله والدارَ الآخرة لا يقصد حمد الناسِ ولا مراءاتِهم ولا يقصد عَرَضاً في الدنيا ، ولهذا قال الله سبحانه " ادع إلى سبيل ربك " النحل 125 ، وقال تعالى " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحا " فصلت 33

وهناك أمر آخر وهو اختيار الألفاظ المناسبة والرفق في الكلام وعدم الغلظة إلا عند الضرورة إليها كما أمر الله بذلك في قوله جل وعلا " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " النحل 125 ، وقوله تعالى " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " العنكبوت 46

فلابد من الرفق كما قال عليه الصلاة والسلام " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه " رواه مسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام " مَن حُرِمَ الرِّفْقَ، حُرِمَ الخَيْرَ، أوْ مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ."رواه مسلم عن جرير بن عبد الله رضى الله عنه .

فإن بعض الناس لما عنده من الشدة وسوء الخُلُق قد يقابِل بالشتم والسب الذي يزيد الطين بلة .

*أعظم كتاب وأشرف كتاب أنصح به من يعمل في مجال الدعوة إلى الله هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فأنصح كل داعٍ إلى الله وكل آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر ومعلم ومرشد ذكَراً كان أو أنثى أن يعتني بكتاب الله ويتدبره ويكثر من قراءته فهو أصل كل خير وهو المعلم ، وهو الهادي إلى الخير كما قال عز وجل " إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم " الإسراء 9 .

ثم أنصح بالسنة وما جاء فيها من العلم والهدى وأن يراجع الداعي إلى الله كتب الحديث وما ألفه الناس في هذا ، وأهم كتب الحديث وأصحها صحيح البخاري وصحيح مسلم ، ومن بقية كتب الحديث كالسنن الأربع ومسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك وسنن الدارمي وغيرها من كتب الحديث المعروفة .

كما أوصي بمراجعة كتب أهل العلم المفيدة مثلِ : المنتقى للمجد ابن تيمية ، ورياض الصالحين ، وبلوغ المرام ، وعمدة الحديث ، وجامع العلم وفضله لابن عبد البر ، وجامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب ، وزاد المعاد في هدي خير العباد للعلامة ابن القيم ، وأعلام الموقعين وطريق الهجرتين والطرق الحكمية ، كلها له أيضا .

* المرأة كالرجل في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن النصوص من القرآن الكريم والسنة المطهرة تدل على ذلك وكلام أهل العلم صريح في ذلك ، فعليها أن تدعو إلى الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بالآداب الشرعية التي تُطلب من الرجل وعليها مع ذلك أن لا يُثنيها عن الدعوة إلى الله الجزع وقلة الصبر لاحتقار بعض الناس لها أو سبهم لها أو سخريتهم منها بل عليها أن تتحمل وتصبر ، ثم إن عليها أن تراعى أمراً آخر وهو أن تكون مثالاً للعفة والحجاب عن الرجال الأجانب وتبتعد عن الاختلاط بل تكونُ دعوتها مع العناية بالتحفظ من كل ما ينكر عليها فإن دعت الرجال دعتهم وهي محتجبةٌ بدون خلوة بأحد منهم وإن دعت النساء دعتهن بحكمة وأن تكون نزيهة في أخلاقها وسيرتها حتى لا يعترضْن عليها ويَقُلْن لماذا ما بدأت بنفسها ؟

وعليها أن تبتعد عن اللباس الذي قد تفتن الناس به وكل أسباب الفتنة من إظهار المحاسن وخضوع في الكلام ، بل تكون عندها العناية بالدعوة إلى الله على وجه لا يضر دينها ولا يضر سمعتها .

إذا كان المدعوون أو المدعوات متأثرين بثقافات معينة أو بمجتمعات معينة يبين لهم الداعي إلى الله جل وعلا ما في المذاهب التي تأثروا بها والطرق التي انتسبوا إليها والبيئات التي عاشوا فيها من الأخطاء والبدع ونحو ذلك وهكذا يبين لهم ما في المجتمعات التي عاشوا فيها من الأشياء المخالفة للشرع ويدعوهم أن يعرضوا كلَّ ما أشكل عليهم على الميزان العادل وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فما وافقهما فهو المعتبر شرعاً ، وما خالفهما رُدَّ على قائله كائناً من كان .

وبالله التوفيق

18 - 11 - 1441هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر