الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
المسابقة لغة : مأخوذة من السَبْق بسكون الباء ، يقال : سبق محمد علياً أي : تقدم عليه وبلغ الغاية قبله ، ويسمى العِوضُ الذي يُجعل لمن تقدم على غيره : (السَبَق) : بفتح الباء .
واصطلاحا : المسابقة من الأمور التي تعارف عليها الناس قديما وحديثا ولا يكاد مجتمع يخلو من عمل مسابقات متنوعة وبأشكال مختلفة ، وهي مُغَالبة بين اثنين فأكثر لظهور الغلبة لأحدهما .
أنواع المسابقات
أولا : المسابقات الجائزة
وهي المسابقات في الأمور المباحة كسباق الخيل والإبل والسباق على الأقدام والسباحة والمصارعة المباحة وسباق الدراجات والمسابقات العلمية والثقافية والرياضية وغيرها .
وقد دل على إباحة هذا النوع من المسابقات القرآن والسنة والإجماع :
فمن القرآن قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام ( قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا ) يوسف 17 ، وشرعُ من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه .
ومن السنة
"عن عائشةَ، رضيَ اللَّهُ عنها، أنَّها كانَت معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في سفَرٍ قالت: فسابقتُهُ فسبقتُهُ على رجليَّ، فلمَّا حَملتُ اللَّحمَ سابقتُهُ فسبقَني فقالَ: هذِهِ بتلكَ السَّبقةِ"صحيح أبي داود للألباني.
وسابق النبي صلى الله عليه وسلم بين الخيل كما سابق بين الإبل ، وسابق سلمة بن الأكوع رضي الله عنه رجلا من الأنصار بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فسبقه .
وقد أجمع العلماء على جواز هذا النوع من المسابقات
دفع العوض في هذه المسابقات
لا يجوز دفع العوض أو الجوائز في المسابقات المباحة إلا فيما ورد الدليل بإباحته من ذلك ، وهو ما كان من قبيل إعداد الأمة للجهاد في سبيل الله تعالى وطريقا لقوتها ورفعتها .
والذي ورد فيه النص من ذلك ثلاثة أشياء وهي :
سباق الخيل والإبل والرمي ، ويُلحق بها ما كان من جنسها كأنواع المسابقات بالأسلحة الحديثة ونحو ذلك .
يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا سَبْقَ إلاَّ في خفٍّ أو في حافرٍ أو نصلٍ. ) صحيح أبي داود للألباني، والسبق : العوض في المسابقة ، والمراد بالنصل : السهم ، والمراد بالخف : البعير ، والمراد بالحافر : الخيل .
والحكمة من إباحة العوض في هذا النوع من المسابقات التشجيع على تعلم فنون القتال لما في ذلك من تقوية الأمة وتدريبها على أمور الجهاد في سبيل الله تعالى .
جهة دفع العوض ( الجائزة )
يجوز أن يتولى دفع الجائزة الحاكم ، أو بعض المتسابقين أو غيرهم .
ومما يجوز فيه دفع العوض : أنواع المسابقات في علوم الشريعة وذلك لأن قوام الدين بالجهاد وهو كائن بالعلم الشرعي وآلة الحرب .
ثانيا : المسابقات المحرمة
ويدخل في ذلك جميع المسابقات في الأمور المحرمة كالمسابقات في الألعاب المحرمة كالنرد وغيرها ، كما يدخل في ذلك جميع المسابقات التي يحصل بها الصد عن الواجبات أو فعل المنكرات .
وإن مما ينبغي الحذر منه في عالمنا الإسلامي اليوم أنواع من المسابقات في أمور غريبة على مجتمعنا تُصدِّر إلينا أفكار العالم المادي المنحرف كمسابقات الجَمال والأزياء ونحوها من التوافه .
وبما أن هذه المسابقات محرمة فأخذ العوض عليها حرام أيضا .
ومن الأدلة على تحريم بعض الألعاب المشتملة على الإلهاء وإضاعة الأوقات دون نفع يعود على المرء المسلم في دينه أو دنياه قوله صلى الله عليه وسلم ( من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه ) رواه مسلم
ضوابط وتوجيهات فيما يباح من الألعاب
أ- يجب تجنب الألعاب المباحة إذا كان فعلها مؤديا إلى ترك واجب كالصلاة أو بر الوالدين أو نحوهما ، أو كان مؤديا إلى فعل محرم ، كاللعن أو الشتم أو النزاع والتقاطع بين المسلمين .
ب- يجب أن تكون الألعاب المباحة منضبطة بضوابط الشريعة فلا تخالفها فمن ذلك : وجوب ستر العورة أثناء لعب الكرة أو السباحة ونحوهما .
ج- ينبغي أن يسود اللعب جوٌ من المحبة والإخاء ويحرم أن يؤول اللعب إلى التقاطع والتدابر والنزاع والخصام .
د- تجنب تأييد فريق على الآخر ، لأن ذلك مما يوغر الصدور ويؤدي إلى النزاع كما أنه يؤدي إلى عقد الولاء والبراء والحب والبغض لشيء لم يأمر الله تعالى به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل قد يكون مما نُهي عنه كحب الكافر ومعاداة المؤمن لذلك .
هـ- ينبغي أن لا يغلب طابع اللهو واللعب على حياة المسلم فينسيه ذلك أصل ما خُلق لأجله وهو طاعة الله تعالى وعبادته .
و- لا ينبغي للمسلم أن ينسى أن المسابقة الحقيقية هي في طاعة الله تعالى ومرضاته وإلى حبه ورحمته ، قال تعالى ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم ) الحديد 21 ، وقال تعالى ( فاستبقوا الخيرات ) البقرة 148 .
وبالله التوفيق
11 - 7 - 1441هـ