189 الوكالة 7

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 13 ربيع الثاني 1441هـ | عدد الزيارات: 821 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

قال المؤلف رحمه الله " والوكيل في الخصومة لا يقبض " :

يجوز أن توكل شخصا أن يخاصم عنك وإذا علمت أن الموكل محق لكن خصمه خصم جَدِل فيجوز أن تقبل الوكالة في الخصومة استنقاذا لحق أخيك ونصرة له ولمنع الظالم من الظلم .

أما إذا علمت أنه مبطل واختار هذا الوكيل لأنه وكيل جدلي يستطيع أن يقلب الباطل حقا والحق باطلا فلا يجوز أن تقبل هذه الوكالة لقوله تعالى " ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " المائدة 2 ، أما إذا ترددت فالسلامة أولى أي لا تقبل الوكالة فالإمام أحمد رحمه الله لا يعدل بالسلامة شيئا ولا سيما في أوقاتنا هذه عند تغير الزمان واختلاف الذمم .

والمحاماة عن شخص عاجز عن دفع الظلم عن نفسه مستحب .

فإذا وكَّل عثمان محمد أن يخاصم عنه خصمه وحكم القاضي للموكل فليس للوكيل أن يقبض ما حصلت فيه الخصومة لأن اللفظ لا يتناول القبض هذا قول المؤلف لأنه ربما لو قبض المال ذهب وأفسده أو ادعى التلف لكن لو قال الموكل للوكيل أنت وكيلي في الخصومة والقبض فيقبض ، ولو قال الموكل للوكيل أنت وكيلي في الخصومة لا في القبض فلا يقبض .

وإن سكت الموكل فيُنظر في ذلك إلى قرائن الأحوال فإذا كان الوكيل في الخصومة في بلد غير الموكل فيقبض وإن لم يقبض صار مفرطا فيكون عليه الضمان .

قوله " والعكس بالعكس "

الوكيل في القبض له أن يخاصم فلو قلت يا عمرو أنت وكيلي اقبض مستحقاتي من عثمان غير أن عثمان عند مقابلته لعمرو أنكر فلعمرو حق المخاصمة هذا على حد قول المؤلف لكن هذا القول فيه نظر لكون عمرو رجلا ضعيفا لا يمكنه أن يحاج ولا يعرف أن يخاصم في حين عثمان رجل قوي في الخصومة .

وعليه فإذا وكله في القبض فإنه لا يملك الخصومة إلا إذا قال الموكل إن احتجت إلى الخصومة فخاصم لأن الوكيل لا يملك الخصومة إلا بإذن خاص .

قوله " واقبض حقي من زيد لا يقبض من ورثته "

إذا وكله في قبض حقه من زيد قال يا عمرو لي عند زيد تسعة آلاف فأنت وكيلي في قبضها فلما ذهب عمرو إلى زيد وجده قد توفي فالمال ينتقل إلى الورثة فلا يقبضه منهم لأن الوكالة تتقيد بما قيدها به الموكل فلا يقبضها منهم حتى لو طلب منه الورثة استلامها إلا إذا أذن له الموكل بذلك .

قوله " إلا أن يقول الذي قبله " الضمير يعود على الموكل أي إذا قال اقبض حقي من زيد هذا لا يقبض من الورثة وإذا قال اقبض حقي الذي قِبَلَ زيد فهنا يقبض من الورثة لأنه وكله في قبض حقه دون تعيين من يقبضه منه .

قوله " ولا يضمن وكيل الإيداع إذا لم يشهده " .

مثاله : وكلت عمرو أن يودع شيئا عند محمد فقلت يا عمرو هذه تسعة آلاف اذهب بها إلى محمد وديعة عنده ليكون حافظا لها ففعل بدون شهود فلا يضمن الوكيل على قول المؤلف في حال إنكار المودع عنده لأن القول قول المودع .

والصحيح أن الوكيل يضمن في حال عدم الإشهاد لأنه مفرط إلا في حالتين ، الأولى إذا كان المودع شيئا زهيدا لم تجر العادة في الإشهاد عليه ، والثانية إذا كان المودع رجلا مبرزا في العدالة جرت العادة ألا يُشهَد عليه إذا أودع فلا يضمن الوكيل إذا لم يُشهد .

قوله " والوكيل أمين " أي مؤتمن فكل من كان المال بيده بإذن من الشارع أو المالك فهو أمين وما لا فلا ، فولي اليتيم أمين أذن له الشرع وناظر الوقف أمين أذن له الواقف والموصَى إليه أمين أذن له الموصِي ، فالوكيل أمين لأن العين حصلت بيده بإذن من الموكِّل .

وترتفع الأمانة إذا تعدى أو فرط وصارت يده غير أمينة .

مثال ذلك : أودعتك مبلغ تسعة آلاف ريال وجعلتها في الصندوق لم تتصرف فيها فأنت الآن أمين وفي حال استقراضك لها وشرائك حاجة لك ثم إعادتك المبلغ في اليوم الثاني فتزول أمانتك لأن يدك صارت غير أمينة لأنك تصرفت في المال من غير علمي وسماحي لك بذلك وهذا من التعدي فلا يجوز فعلك هذا فلو قدر أن هذا الصندوق احترق وتلفت الأموال التي فيه ومن جملتها مبلغي الذي عندك فتضمن لأنك سبق أن تصرفت في المبلغ بدون إذن مني لك بذلك أما لو أبقيت المبلغ ولم تتصرف فيه ثم احترق الصندوق بما فيه فلا تضمن لأنك أمين كما قال المؤلف " لا يضمن ما تلف بيده " أي من المال الذي ائتمن عليه .

قوله " بلا تفريط " : لم يذكر المؤلف التعدي لأنه إذا كان يضمن بالتفريط فضمانه بالتعدي من باب أولى .

والفرق بين التفريط والتعدي أن التعدي أن يفعل ما لا يجوز والتفريط أن يترك ما يجب .

فما طُلب فعله فتركه يسمى تفريطا وما طُلب الامتناع منه ففعله يسمى تعديا ، فإذا أعطيتك وديعة فأخذت منها فهذا تعدٍ وإذا أعطيتك مبلغا من المال لحفظه لديك فتركته خارج الصندوق فسُرق فهذا تفريط .

قوله " ويقبل قوله " أي قول الوكيل .

قوله " في نفيه " أي في نفي التفريط .

قوله " والهلاك مع يمينه " أي ويقبل قول الوكيل في التلف مع يمينه فلو قال الموكل للوكيل أنت مفرط فنفى الوكيل ذلك فالقول قول الوكيل لوجهين الأول أن الأصل عدم التفريط والثاني أن الموكل قد ائتمنه على ذلك فلا يصح أن يعود فيُخَونه بدون سبب أو ثبوت شرعي .

وكذلك يقبل قول الوكيل في الهلاك أي تلف المال مثل أن يقول أخذت منك السلعة الفلانية لأبيعها لك لكن تلفت فيقبل قول الوكيل ولا يلزم بالتفصيل فلا يقال له بماذا تلف ؟ وكيف تلف ؟ ومتى تلف ؟ لكن لو أنه ادعاه بسبب ظاهر وقال السيارة احترقت فعليه البينة أن الحريق حصل .

قوله " ومن ادعى وكالة زيد في قبض حقه من عمرو لم يلزمه دفعه إن صدقه " : يعني ادعى أن زيدا وكله في قبض حقه من عمرو فلما جاء خالد وهو وكيل زيد على عمرو فقال يا عمرو إن زيدا وكلني في قبض حقه منك فقال عمرو أنت يا خالد رجل صدوق وورع لكن لن أعطيك لذا قال المؤلف لم يلزمه دفعه إن صدقه ، أي لم يلزم عمرو دفع حق زيد إلى خالد الوكيل إن صدق مدعي الوكالة وهو خالد فلا يلزم عمرو لاحتمال أن زيدا ينكر التوكيل ، ولو ادعى زيد عدم قبض حقه من عمرو وأتى ببينة أو شهود أو وثيقة من المحكمة فإنه يلزم عمرو الموكل الدفع .

قوله " ولا اليمين إن كذبه " أي لا يلزم الوكيل اليمين إن كذبه من كان الحق عنده .

قوله " فإن دفعه " أي الحق .

قوله " فأنكر زيد الوكالة " وقال ما وكلت فليزم زيد اليمين ولهذا قال المؤلف " حلف وضمنه عمرو " أي حلف زيد الذي له الحق فإذا حلف فإن عمرا الذي عنده الحق يضمنه لزيد ويرجع بالحق الذي دفعه على خالد الذي ادعى الوكالة بلا بينة .

ولهذا قال " وضمنه عمرو " يعني ويرجع عمرو على مدعي الوكالة بما أقبضه إياه .

وإذا لم يحلف زيد فإنه يقضى عليه بالنكول ويقال حقك وصل إلى وكيلك خالد ولا شيء لك .

قوله " وإن كان المدفوع وديعة " أي ليس حقا ثابتا في ذمة الآخر .

قوله " أخذها " أي صاحبها الذي هو زيد فزيد قال لخالد وهو الوكيل إن لي عند عمرو وديعة اذهب وائت بها إلي فذهب إلى عمرو وصدقه فقال أعطني الوديعة التي عندك لزيد قد وكلني في قبضها فأعطاها إياه ثم إن زيدا أنكر الوكالة فإذا أنكر الوكالة فالوديعة عند خالد خذها منه .

قوله " فإن تلفت ضمَّن أيهما شاء " :

ضمَّن صاحب الحق زيد أيهما شاء ، أي عمرو وهو من كانت عنده الوديعة أو خالد وهو مدعي الوكالة لأنه أنكر الوكالة فيكون مدعي الوكالة أخذ المال بغير حق فيضمنه ويضمن المودع الذي كان محسنا وهو عمرو لأنه فرط حيث دفعها إلى مدعي الوكالة وهو خالد بدون بينة .

وبالله التوفيق

1440-9-13هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي