الدرس التاسع عشر : إحراق أوراق المصحف الشريف

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 28 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 2208 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يجوز إحراق أوراق الجرائد صيانة لما قد يكون فيها من آية قرآنية أو حديث نبوي أو نحو ذلك مما يجب احترامه ، ويجوز أيضاً إحراق أوراق المصحف صيانة لها من الإهانة ومحافظة على حرمتها ، ولك أيضاً أن تحفظها من الإهانة بدفنها في أرض طيبة .

لا يجوز استعمال آيات القرآن في المزاح على أنها آيات من القرآن ، أما إذا كانت هناك كلمات دارجة على اللسان لا يقصد بها حكاية آية من القرآن أو جملة منه فيجوز .

لا يجوز تسمية الأفلام السينمائية ببعض الآيات القرآنية ، لأن ذلك من الاستهانة بالقرآن ومن التلبيس .

المراد بالنسيان في قوله " قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱليَوۡمَ تُنسَىٰ " طه 126 ، هو ترك العمل بها .

من أراد مس المصحف من المسلمين فعليه أن يتطهر من الحدث الأصغر والأكبر ، والحدث الأصغر ما أوجب وضوءاً ، والحدث الاكبر ما أوجب غسلاً لعموم قوله تعالى " لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلمُطَهَّرُونَ " الواقعة 79 ، وأما قراءته غيباً فيجوز ممن ليس عليه حدث أكبر ، فالجنب مثلاً لا يقرأ القرآن لا غيباً ولا نظراً ، ولا يجوز للحائض مس المصحف عند جمهور العلماء ، أما قراءة الحائض والنفساء القرآن بلا مس المصحف فلا بأس به في أصح قولي العلماء لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يمنع من ذلك .

ولا يجوز للحائض ولا الجنب الجلوس في المسجد ولا اللبث فيه عند جمهور الفقهاء ، لقول عائشة رضي الله عنها : " جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد ، فقال : وجهوا هذه البيوت عن المسجد ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن ينزل فيهم رخصة ، فخرج إليهم فقال : وجهوا هذه البيوت عن المسجد ، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " رواه أبو داود ، والحديث عام في تحريم الجلوس في المسجد للحائض والجنب ومرورهما به ، لكنه خصصه قوله تعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغتَسِلُواْۚ " النساء 43 ، فإن معناها يا أيها المؤمنون لا تقربوا مواضع الصلاة أي المساجد وأنتم سكارى حتى تفيقوا من سكركم ، ولا تقربوها وأنتم جنب حتى تغتسلوا من الجنابة ، إلا إذا كان دخولكم إياها على وجه الاجتياز والمرور فلا بأس به ، والحائض حكمها حكم الجنب في ذلك ، ويدل على الاستثناء أيضاً ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال " كان أحدنا يمر بالمسجد جنباً مجتازاً " ، وما رواه ابن المنذر عن زيد بن أسلم قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون في المسجد وهم جنب " ، وللحائض أن تقرأ القرآن وأن تتعلم التلاوة والتجويد حال الحيض ، لكن دون مس للمصحف ، وللحائض أن تمس كتب تفسير القرآن وتتعرف الآيات منها ، في أصح قولي العلماء .

عندما يكون الإنسان يقرأ القرآن ويمر شخص ويسلم فإنه يرد عليه السلام ، ثم يعود للقراءة جمعاً بين الفضيلتين ، وإذا دخل الإنسان المسجد وصلى تحية المسجد وعلى يمينه أو يساره رجل يقرأ القرآن ، السنة أن يسلم عليه ، لما جاء في الأحاديث الصحيحة من شرعية السلام والمصافحة عند اللقاء .

يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن في أصح قولي العلماء لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " رواه البخاري ، ولمسيس الحاجة إلى ذلك .

قراءة القرآن جماعة ، إذا كان المقصود أنهم يقرؤون جميعاً بصوت واحد ومواقف ومقاطع واحدة فهذا غير مشروع وأقل أحواله الكرهة ، لأنه لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم ، لكن إذا كان ذلك من أجل التعليم فنرجوا أن يكون ذلك لا بأس به ، وإن كان المقصود أنهم يجتمعون على قراءة القرآن لحفظه وتعلمه ويقرأ أحدهم وهم يسمعون أو يقرأ كل منهم لنفسه غير ملتقي بصوته ولا بموافقته مع الآخرين فذلك مشروع لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده " رواه مسلم .

لا بأس من التمايل يميناً وشمالاً عند القراءة وليس هذا التمايل من العبادة حتى يكون بدعة في الدين وإنما هو من عادات بعض الناس ، والمنهي عنه الابتداع في الدين ، قال صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم .

قول : صدق الله العظيم بعد الانتهاء من قراءة القرآن بدعة لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا الخلفاء الراشدون ، ولا سائر الصحابة رضي الله عنهم ، ولا أئمة السلف رحمهم الله ، مع كثرة قراءتهم للقرآن ، وعنايتهم ومعرفتهم بشأنه ، فكان قول ذلك والتزامه عقب القراءة بدعة محدثة ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " .

لا نعلم لتقبيل الرجل القرآن أصلاً في الشرع المطهر إذ لا دليل على مشروعية تقبيله وهو أنزل لتلاوته وتدبره وتعظيمه والعمل به .

إذا كانت المرأة خالية في بيتها أو مع محارمها أو نساء فقط فلها أن تجهر بالقراءة ، وإن أمَّت نساء في بيتها خالية بهنَّ جهرت بالقراءة ، أما إن كانت تصلي وحولها رجال أجانب يسمعون صوتها فالأفضل ألا تجهر بالقراءة ، وترتيل البنات للقرآن بحضرة الرجال لا يجوز لما يُخشى في ذلك من الفتنة بهن ، وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع المفضية للحرام .

الراديو آلة لا حكم لها في نفسها ، وإنما الحكم لما يذاع بها .

يجوز ترجمة معاني القرآن بلغة غير اللغة العربية وترجمته ترجمة حرفية غير جائزة لما فيها من إحالة المعاني وتحريفها أما ترجمة الإنسان ما فهمه من معنى آية أو أكثر وتعبيره عما فهمه من أحكامه وآدابه بلغة إنجليزية أو فرنسية أو فارسية مثلاً لينشر ما فهمه من القرآن ويدعو الناس إليه فهو جائز .

يُطلق الإحكام بمعنى الإتقان ، فإحكام الكلام إتقانه ووضوح معناه فيتميز به الصدق من الكذب في الأخبار ، والرشد من الغي في الأوامر ، والقرآن كله محكم بهذا المعنى ، واضح لا التباس فيه على أحد ، قال الله تعالى " كِتَٰبٌ أُحكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ " هود 1 .

أما التشابه في الكلام يطلق على تماثله وتناسبه ، بمعنى أنه يصدق بعضه بعضاً في أوامره ، فلا يأمر بشيء في موضع وينهى عنه في موضع آخر ، ويصدق بعضه بعضاً في أخباره ، فإذا أخبر بثبوت شيء في موضع لم يخبر بنفيه في موضع آخر ، والقرآن كله متشابه بهذا المعنى فلا تناقض فيه ولا اضطراب ، قال الله تعالى " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱختِلَٰفاً كَثِيرٗا " النساء 82 ، وقال تعالى " ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحسَنَ ٱلحَدِيثِ كِتَٰباً مُّتَشَٰبِهاً مَّثَانِيَ " الزمر 23 ، والتشابه بهذا المعنى لا ينافي الإحكام بالمعنى العام ، بل يصدق كل منهما الآخر ولا يتناقضان .

أما التشابه بالمعنى الخاص هو مشابهة الشيء غيره من وجه ومخالفته له من وجه ، وفي القرآن آيات متشابهات بهذا المعنى تحتمل دلالتها على ما يوافق الآيات المحكمة وتحتمل الدلالة على ما يخالفها .

الفرق بين تأويل القرآن وتفسيره ، فتأويله قد يراد به تفسيره بكلام يشرحه ويوضح المقصود منه ، ولو برده إلى المحكم منه .

وتفسير القرآن بمجرد الرأي والهوى حرام لما روى ابن جرير وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار " .

من أساليب اللغة العربية أن الشخص يعبر عن نفسه بضمير نحن للتعظيم ، ويذكر نفسه بضمير المتكلم الدال على المفرد كقوله أنا ، وبضمير الغيبة نحو هو ، وهذه الأساليب الثلاثة جاءت في القرآن ، والله يخاطب العرب بلسانهم .

أجود كتب التفسير يختلف باختلاف طاقة القارئ ووسعه ، وعلى كل حال أجودها في نفسها كتاب تفسير ابن جرير الطبري ، وكتاب تفسير ابن كثير ونحوهما من كتب التفسير بالأثر .

معاني الآيات مثل " حم - ألم - ألمص - عسق " أنها ذكرت هذه الحروف والله أعلم في أول السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها ، وهذا هو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وارتضاه أبو الحجاج المزي رحمه الله .

السجدة عبادة ولكن ليس كالصلاة ، ويُبنى على ذلك عدم اشتراط الطهارة واستقبال القبلة ، متى تيسر استقبال القبلة حين السجود وأن يكون على طهارة فهو أولى .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

27 - 10 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء في وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 120 الجزء الثالث ‌‌حكم الإسلام في إحياء الآثار - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 119 الجزء الثالث ‌‌القول بإباحة تحديد النسل مخالف للشريعة والفطرة ومصالح الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر