الامتحانات

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 18 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 1981 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور قسم عباده إلى قسمين فمنهم شاكر ومنهم كفور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن أقتدى بهديهم إلى يوم الحشر والمصير وسلم تسليماً

أما بعد

عباد الله: اتقوا الله واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً واعلموا أن هذه الحياة الدنيا دار ممر وعبور دار عمل وكدح للعباد فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور فنحن في هذه الأيام نعيش استنفاراً عاماً في مجتمعنا لاستقبال ضيف ثقيل سيحل بنا هذا الضيف يعرفه الجميع الصغير والكبير والذكر والأنثى هو الامتحان الدنيوي فلقد احتل من القلوب سويداءها ونال من الثناء والاهتمام والاستعداد فوق ما يستحق فقد سيطر على عقول الكثير من أفراد المجتمع وقد اتفق رأي الجميع على أهميته وعلى أن اليوم من أيامه بل الساعة من ساعاته لا يمكن أن تعوض وترد إذا ضيعت لذلك فلا بد من ترك الكسل والخمول جانباً والانقطاع عن اللهو والعبث والملذات والشهوات التي لا تضر ولا تنفع لقد استخدم الجميع عقولهم ولقد اجمعت تلك العقول وآمنت إيماناً عميقاً بأهمية هذه الأيام وأن خسارتها خسارة لا تعوض بالأثمان وكل من خالف هذا الرأي يتهم من الجميع بنقصان العقل أو فقدانه ومن أجل ذلك أصبح الطالب أميراً في البيت وبين أفراد أسرته فله الحق أن يطلب ما يشاء وعلى الجميع واجب تلبية طلبه والعمل على راحته وإبعاد كل ما يزعجه أو يمكن أن يصده عن مذاكرة دروسه وزيادة في توفير الوقت وتهيئته له فقد اسقطت عنه عند بعض الناس الواجبات الأخرى حتى واجباته نحو ربه كالصلاة فقد اسقطها البعض فإذا درس حتى آخر الليل ثم نام فلا يجوز أن يزعج ويقام لصلاة الفجر فهو مسكين قد يسهر معظم الليل الله أكبر هذا الامتحان الذي لا يعلم الإنسان هل يطول به العمر حتى يؤديه أم الأجل أقرب إليه من أيام الامتحان فربما لا ينتهي من الامتحان إلا وهو قد غادر هذه الدنيا الدنية وأصبح من أهل الآخرة وربما يطول به العمر فيؤدي الامتحان وينجح ثم يفاجئه الأجل قبل أن ينال شيئاً من ثمار نجاحه وما أكثر الأمثلة على هذا في أحبابنا وإخواننا وجيراننا إذاً هذا الامتحان الذي لا يعلم الإنسان أيكمله أم لا أيستفيد من جهوده أم لا هذا الامتحان تترك من أجله الملذات والشهوات والراحة بل الجميع يغيرون أسلوب حياتهم فيتخلون عما ألفوه من راحة ومتعة ويظهر على المجتمع صفة الجد والمثابرة وتحمل المشاق والتخلي عن المتع والملذات دون إكتراث ولكن الامتحان الحقيقي الذي لا بد من أن يدخله الجميع ولا يمكن أن يتخلف عنه فرد الامتحان الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين الامتحان الذي لا بد أن يتحقق والعمل من أجله لا يمكن أن يضيع على صاحبه امتحان يوم القيامة الذي جعلت الدنيا كلها استعداد له فالدنيا كلها في الحقيقة أيام امتحان بل قاعة امتحان كبرى فيجب أن يشمر فيها المسلم وأن يجد ويجتهد فيما يقربه إلى الله وهو على يقين بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.الكهف:30. دون أن يكون هذا باعثاً له على الاغترار بعمله وتكاثره هذا الامتحان الكبير العظيم قد نسيه كثير من المسلمين أو تناسوه هذا الامتحان النجاح فيه هو النجاح الحقيقي والرسوب فيه هو الرسوب الحقيقي فيجب الاستعداد ويجب أن يكون هذا الامتحان الدنيوي عبرة وعظة للاستعداد للامتحان الحقيقي عسى أن نكون من الفائزين في ذلك اليوم العصيب

عباد الله: تذكروا ما أنتم إليه صائرون من الموت وما بعده يوم تحشرون تذكروا حالتكم عند حلول الآجال ومفارقة الأوطان والأهل والعيال تذكروا حينما تشاهدون الآخرة أمامكم وأنتم مقبلون إليها مدبرين عن الدنيا وينقسم الناس إلى قسمين فمنهم من توفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم "تتنزل عليهم الملائكة أن ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أوليائكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم "فصلت:30-32. ومنهم من توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون"الأنعام:93. تذكروا إذا حملتم على الرقاب إلى القبور فانفردتم بها عن الأهل والأولاد والأموال والقصور جليسكم الأعمال فإما خير تسرون به وإما شر تجدون به الحسرة والندامة "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم"الأنعام:94. فتنافسوا أيها المسلمون في أعمال الآخرة لتدركوا بذلك الدنيا والآخرة وإياكم أن تؤثروا الدنيا عليها فتخسروا الجميع فإن الدنيا مزرعة الآخرة "فأما من طغى*وآثر الحياة الدنيا*فإن الجحيم هي المأوى*وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى*فإن الجنة هي المأوى"النازعات:37-41.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكيم، هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه اللّهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجميعن

أما بعد

عباد الله: تكلمنا عن الامتحانات واهتمام الناس بها ولا يعني هذا أننا ندعوا إلى إهمالها أو إلى التقليل من شأنها فعن عائشة رضي اللع عنها قالت قال رسول صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه"أخرجه أبو يعلى والطبراني وصححه الألباني. فالقيام بالأعمال والواجبات على أحسن وجه وأكمله مما يوجبه الإسلام ويدعوا إليه وإنما الذي أردت أن أنبه إليه أن واقعنا الذي نعيشه اليوم الأمور العظام تضاع ولا يهتم بها والأمور الأقل أهمية تلقى من العناية والاهتمام أكثر مما هو أعظم منها بل إن الأمور العظام تضاع من أجل الأمور الأقل أهمية وفائدة

وإذا حصل هذا وأمثاله فإنما هو دليل على جهل الكثير من المسلمين بحقيقتهم ورسالتهم في الحياة وجهلهم كذلك بالغاية التي خلقوا من أجلها حتى أصبح إيمانهم بالله ورسوله وبدينهم إيماناً ميتاً ليس له أثر في حياة مجتمعاتهم أو سلوك أفرادهم ونتيجة لهذا الجهل أصبح المسلم يعيش كما يعيش غير المسلم تكالب على الدنيا وعبادة لها ونبذ للدين وتعاليمه وربما إنكار للآخرة ونتيجة لهذا انتشرت المبادئ الهدامة في بعض المجتمعات الإسلامية ووجدت من يدعوا لها ويروج لها من بعض أبناء المسلمين الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه أصبحنا في كثير من بلاد المسلمين لا نستطيع التمييز بين المسلم وغير المسلم إلا بالهوية

أما الأخلاق أما التصرفات أما المظاهر فالكل فيها متساوون فإنا لله وإن إليه راجعون

أيها المسلمون اتقوا الله في أنفسكم وأروه من أنفسكم خيرا واعلموا أن فلاحكم في الدنيا وسعادتكم في الآخرة متوقف على تمسككم بدينكم وتطبيقه في مجتمعاتكم ودعوة غيركم إليه

وتعاقب الليل والأيام وتكرر الشهور والمناسبات شاهد بل ودليل واضح على امكانية التغير من هذا الواقع المؤلم إلى واقع أحسن وأفضل وأكثر التزاما بالدين وتعاليمه فها نحن قد غيرنا كثيراً من واقعنا اليوم من أجل مصلحة دنيوية عاجلة فما بالنا نتقاعس عن التغيير الدائم للمصلحة الباقية العظيمة

أيها المسلمون: غيروا من أنفسكم ليغير الله من حالكم ومن واقعكم: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.الرعد:11.

عباد الله: إن من العجب أن يؤثر أقوام الحياة الدنيا على الآخرة والآخرة خير وأبقى يؤثرونها على الآخرة فيعملون لها ويدعون عمل الآخرة يحرصون على الدنيا وإن فوتوا ما أوجب الله عليهم ينغمسون في الشهوات والملذات وينسون شكر من أنعم بها عليهم وعلامة هؤلاء يتكاسلون عن الصلوات ويتثاقلون ذكر الله ويخونون في الأمانات ويغشون في المعاملات ويكذبون في الأقوال ولا يوفون بالعهود ولا يبرون بالوالدين ولا يصلون الأرحام ويحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المجاهدين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم فك أسر المأسورين من إخواننا المسلمين الكشميرين القابعون في سجون الهنود الوثنيين وغيرهم واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن

1434-10-17

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي