الدرس الثاني عشر: الربا

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 9 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 2295 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الربا معناه في اللغة الزيادة ، وشرعاً قسمان ربا فضل ، وربا نسأ ، فربا الفضل هو بيع مكيل مطعوم بمكيل مطعوم من جنسه مع زيادة في أحد العوضين ، وبيع موزون بموزون من جنسه ، مع زيادة أحد العوضين ، كذهب بذهب ، أو فضة بفضة ، مع زيادة أحد العوضين ، وبيع النسأ بيع مكيل مطعوم بمكيل مطعوم ، مع عدم التقابض في مجلس العقد ، سواء اتحد جنس العوضين أو اختلف ، وبيع موزون بموزون من ذهب أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الورق النقدي مع عدم القبض في مجلس العقد ، سواء اتفق الجنس أو اختلف .

وأخذ المال وأنت موظف حكومي أو أهلي بعد انقضاء حوائج المراجعين لا يجوز لأنه من أكل المال بالباطل ، ثبت في الحديث الصحيح أنه لما قدم ابن اللتبية على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد بعثه عاملاً على الصدقات ، فقال : هذا لكم ، وهذا أهدي إلي ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل ، مما ولَّاني الله ، فيأتي فيقول هذا لكم ، وهذا هدية أُهديت إلي ، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً ، والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة ، فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تبعر ، ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه ، يقول اللهم هل بلغت " متفق عليه .

وأما أخذ المال بطلب مباشر ، أو بالتلميح ونحو ذلك ، فهذا هو من طلب الرشوة ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش بينهما ، وأما أخذ المال مقابل التأخر مع المراجعين لإنهاء معاملاتهم ، فإن العمل ليس مربوطاً بك ولا بالمراجع ، بل منوط بالمسئول عنه ، الجهة الرسمية ، والجهة ذات العلاقة قد وظَّفتك أجيراً عندها بأجر معلوم .

حديث " الربا ثلاث وسبعون باباً " رواه ابن ماجه عن ابن مسعود ، ورواه الحاكم بزيادة " أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم " ذكرهما السيوطي في الجامع الصغير ، ورمز للأول بالضعف ، ولرواية الحاكم بالصحة ، ونقل المناوي في الفيض عن الحافظ العراقي أن إسنادهما صحيح ، والمراد بالربا إثم الربا ، قال الطيبي : لا بد من هذا التقدير ليطابق قوله أن ينكح ، ويدل لذلك رواية " الربا سبعون حوباً " عن ابن ماجه ، والحوب الإثم .

والأشياء التي يحرم فيها الربا هي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح ، وما شارك هذه الأصناف الستة في علة الربا ، وهي في النقدين الثمنية ، وفي بقية الأصناف الكيل مع الطعمية على الصحيح من أقوال العلماء .

ويحرم الربا حيث وُجد ، وبأي صورة كان ، على صاحب رأس المال ، ومن اقترض منه بفائدة ، سواء كان المقترض فقيراً أم غنياً ، وعلى كل منهما وزر ، بل كل منهما ملعون ، ومن أعانهما على ذلك ، من كاتب وشاهد ملعون أيضاً لعموم الآيات والأحاديث الثابتة الدالة على تحريمه ، قال الله تعالى " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ " البقرة 275 ، 276 ، وروى عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، سواءً بسواء، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى " رواه مسلم ، وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز " رواه البخاري ومسلم ، وثبت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال هم سواء " رواه مسلم .
وورق البنكنوت في الوقت الحاضر حلَّ محل الذهب والفضة في الثمنية ، فكان الحكم فيه كالحكم فيهما ، فالواجب على كل مسلم الاكتفاء بما أحلَّ الله والحذر مما حرَّم الله عز وجل ، وقد وسَّع الله على المسلمين أبواب العمل في الحياة لكسب الرزق ، فللفقير أن يعمل أجيراً أو متاجراً في مال غيره مضاربة بنسبة من الربح كالنصف ونحوه ، لا بنسبة من رأس المال ، ولا بدراهم معلومة الربح ، ومن عجز عن العمل مع فقره حلَّت له المسألة والزكاة والضمان الاجتماعي ، وليس لمسلم سواء كان غنياً أو فقيراً أن يقترض من البنك أو غيره بفائدة ، 5% أو 15% أو أكثر أو أقل لأن ذلك من الربا ، وهو من كبائر الذنوب ، وقد أغناه الله عن ذلك بما شرعه من طرق الكسب الحلال كما تقدم ، من العمل عند أرباب الأعمال أجيراً أو الانتظام في عمل حكومي مباح ، أو الاتجار في مال غيره مضاربة بجزء مشاع معلوم من الربح كما تقدم .

ومذهب جمهور العلماء أن ما لا كيل فيه ولا وزن ، كالثياب والحيوان ونحوهما يجوز بيعه بجنسه أو بغيره متساوياً أو متفاضلاً مع نسيئة ، أي تأجيل أحد العوضين أو بعضه ، وقبض العوض المقدم لئلا يكون بيع دين بدين المنهي عنه شرعاً ، لكن يشترط أن يبين جنس العوض المؤخر ، وبيان عدده وصفته التي ينضبط بها ، وتحديد مدة معلومة لتسليمه حتى لا يحصل غرر بسبب عدم ذلك .

ولا يجوز بيع الملح بالملح إلا متساوياً ويداً بيد ، أما بيع الملح بجنس ربوي آخر ، كالبر والشعير والتمر ، فيجوز فيه التفاضل ، ولا يجوز التفرق قبل القبض لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، سواءً بسواء ، يداً بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد " رواه مسلم ، أما بيع الملح بالنقود فيجوز حالاً ومؤجلاً .

يجوز لك أن تدفع سيارتك القديمة إلى الشركة مثلاً لتأخذ بدلاً منها سيارة جديدة وتدفع الفرق بين القيمتين ، وليس هذا من باب بيعتين في بيعة ، بل هو بيع سيارة بأخرى مع المفاضلة بين قيمتهما ، وليس في ذلك ربا ، لأن السيارات ليست من الأنواع الربوية .

ولا يجوز الإيداع عند البنوك التي تتعامل بالربا لأن فيه تعاونا على الإثم ، وقد نهى الله سبحانه عنه فقال " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ " المائدة 2 ، ويجب أخذ الأموال وإيداعها عند مصارف لا تتعامل بالربا ، وإذا لم يجد مصرفاً إسلامياً وخاف على أمواله الضياع فيجوز أن يودعها من غير أخذ فائدة .

ولا بأس بأخذ الرواتب التي تصرف عن طريق البنك لأنك تأخذها في مقابل عملك في غير البنك ، لكن بشرط أن لا تتركها في البنك بعد الأمر بصرفها لك من أجل الاستثمار الربوي .

ولا يجوز التعامل بالربا ولو كان المجتمع مؤسساً على الربا ، لعموم النصوص في تحريم الربا ، وعليه أن يغير المنكر حسب طاقته ، فإن لم يستطع انتقل عن ذلك المجتمع بعداً عن المنكر ، وخشية أن يصيبه ما أصابهم ، وتحرم الشهادة على عقد الربا ، ويجب عليك التوبة والاستغفار مما وقع منك من الشهادة على القرض الربوي ، والواجب ترك أي تعامل فيه ربا ، أو دخول في معاملة فيها غرر كعمليات التأمين ، واليانصيب نوع من أنواع القمار وهو محرم ، بل من كبائر الذنوب ، بالكتاب والسنة والإجماع .

مسألة : شخص ساهم في أرض بمبلغ عشرة آلاف ريال فكان الربح عشرة آلاف ريال زيادة على رأس المال لكن المسئول عن الأرض يتعذر عن تسليمه المبلغ بسبب أن المشترين لم يسددوا المبلغ كاملاً فهل يجوز له أن يبيع نصيبه بربح خمسة آلاف ريال ؟

والجواب : إذا كان الواقع ما ذُكر ، من بيع ما يخصك من الثمن بأقل منه ، فلا يجوز ذلك ، سواء للشركاء أو لغيرهم لأن ذلك بيع دراهم بدراهم متفاضلة .

ولا يجوز لك التنازل عن المبلغ الذي لك على شخص لشخص آخر على أن يدفع لك الطرف الثالث نصف المبلغ أو ثلثه لأن ذلك من الربا ، وهو بيع مبلغ معين بأقل منه نقداً .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

7 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر