الدرس الحادي عشر: كتاب البيوع 6

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 8 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 3243 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلا بإذنهم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " المسلمون على شروطهم " ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " من سبق إلى مباح فهو أحق به " ، سواء كان صاحب هذه البرامج مسلماً أو كافراً غير حربي لأن حق الكافر غير الحربي محترم كحق المسلم .

الواجب على المدين أن يقدم سداد ما وجب عليه من الديون على نوافل الصدقات والنفقات الزائدة عن الحاجة لتعجيل براءة ذمته ، وخلوصه من التبعة .

بيع السلعة بشرط أن لا ترد ولا تستبدل لا يجوز لأنه شرط غير صحيح لما فيه من الضرر والتعمية ، ولأن مقصود البائع بهذا الشرط إلزام المشتري بالبضاعة ولو كانت معيبة ، واشتراطه هذا لا يبرؤه من العيوب الموجودة في السلعة لأنها إذا كانت معيبة فله استبدالها ببضاعة غير معيبة ، أو أخذ المشتري أرش العيب ، ولأن كامل الثمن مقابل السلعة الصحيحة ، وأخذ البائع الثمن مع وجود عيب أخذ بغير حق ، ولأن الشرع أقام الشرط العرفي كاللفظي ، وذلك للسلامة من العيب حتى يسوغ له الرد بوجود العيب ، تنزيلاً لاشتراط سلامة المبيع عرفاً منزلة اشتراطها لفظاً .

إذا شرط المشتري ألا خسارة عليه ، أو متى نفق المبيع وإلا ردَّه عليه ، أو شرط البائع ذلك فقال اشترِ هذه البضاعة مني ، وإذا خسرت فأنا أدفع مقابل الخسارة ، فإن الشرط يبطل وحده ، ويصح البيع لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط " متفق عليه ، ولأن مقتضى العقد انتقال المبيع للبائع بعد دفع الثمن ، والتصرف المطلق فيه ، وأن له ربحه وعليه خسارته وحده ولدفع الضرر المتوقع إذا تهاون المشتري في ترويج السلعة فباعها بخسارة ورجع على البائع ، ولأن قول البائع إن خسرت البضاعة فأنا أدفع الخسارة فيه تغرير من ناحية إيهام المشتري بأن السلعة رائجة وأنها تساوي هذا المبلغ .

ويجوز شرط الخيار في البيع لمدة معلومة ، وللمشتري رد السلعة في هذه المدة بموجب الخيار ، ويأخذ الثمن الذي دفعه للبائع لأنه ماله ، أما اشتراط عدم رد الثمن ، وإنما يشتري به سلعة أخرى من البائع فشرط باطل ، لا يجوز العمل به لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط " .

مسالة : اشتريت سيارة فوجدت فيها خللاً بسيطاً فبعتها ، ولم أعلم المشتري بالخلل ، فهل يعتبر هذا غشاً أو لا ؟
والجواب : نعم ، يعتبر هذا غشاً ، ومعلوم أن الغش حرام لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من غشنا فليس منا " ، وعليك أن تستغفر الله وتتوب إليه ، وتبادر إلى إبلاغ المشتري وإعلامه بما كان في السيارة من الخلل إبراءً لذمتك ، فإن تنازل عن حقه فالحمد لله ، وإلا فاتفق معه إما على دفع مبلغ مقابل الخلل ، أو أخذ السيارة ورد الثمن ، وإن لم يتم التراضي فهي خصومة يفصل فيها قاضي جهتكم ، وإن لم يتيسر لك معرفته فتصدق عنه بما يقابل الخلل .

إذا اشترى بائع سلعة من المعمل مغشوشة وأراد أن يبيعها وهو يعلم أنها مغشوشة وجب عليه أن يبين للمشتري أنها مغشوشة ، وإذا لم يبين ذلك يكون آثماً لقوله صلى الله عليه وسلم : " من غشنا فليس منا " ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " ، وعلى من غشَّ وباع معيباً بسعر السليم أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى ، ويندم على فعله ، ولا يعود لمثله ، وأن يستبيح من غشه ، ويصطلح معه في رد ما يستحقه .

ما يتبقى في المطعم من الطعام واللحم الصالح للأكل ، وتمنع البلدية من بيعه فلا يجوز بيعه ولا يجوز إهداره ما دام يمكن الانتفاع به ، وذلك بأن يُعطى للمحتاجين على وجه الصدقة ، إما بإيصاله إليهم مباشرة أو عن طريق الجمعية الخيرية ، ولا يجوز أن يوضع في صناديق الخضار أو غيرها من أوعية السلع التي يراد بيعها شيء يغرر بالمشتري ، ويظنه من السلعة وهو ليس منها .

مسألة : إذا كان عندي مبلغ من المال ، وجاءني شخص وقال أريدك تعطيني ألف ريال دينة ، وقلت له أعطيك العشرة ثلاثة عشر ريالاً ، أعني بذلك أنني أكسب في كل عشرة ثلاثة ريالات ، ثم قبل ذلك ، وذهبت معه إلى السوق وشريت بضاعة قيمتها ألف ريال ، وبعتها على المستدين بألف وثلاثمائة ريال هل هي حلال أم حرام مع العلم أن عقد البيع قبل شراء البضاعة ؟
والجواب : حيث ذكر السائل أنه باع مالاً على شخص قبل ملكه له ، وبعدما باعه عليه ذهب واشتراه من السوق ، فالعقد بهذه الصورة لا يصح لأنه باع ما لا يملك ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا تبع ما ليس عندك " أخرجه الترمذي وابن ماجه وغيرهما .

وإذا باع إنسان سيارة لآخر قبل أن يتملكها ويحوزها لم يصح البيع سواء باعها عليه نقداً أم لأجل ، وسواء كان الربح نسبة من ثمن شراء البائع كالثلث ، أم قدراً معيناً ، وسواء دفع دفعة من الثمن أم لم يدفع شيئاً لأنه باعها قبل قبضها ، بل قبل تملكها ، وأما إذا اتفق معه على أن يبيعها عليه بعد أن يمتلكها ويحوزها فيجوز لأنه وعد بالشراء لا عقد شراء ، ولهما أن يتعاقدا بعد ذلك وفاء بالوعد ، ويجوز أن يبيعها على غيره ، كما يجوز للآخر أن يشتري غير هذه السيارة ، ولا يجوز للمسلم أن يبيع ما اشتراه قبل أن يقبضه ويحوزه ، فإذا تم قبضه جاز له بيعه ، ولو بأكثر مما اشتراه به نقداً ومؤجلاً .

وإذا اشتريت السيارة من المعرض مثلا باسمك ، ثم قبضتها وحزتها ثم بعتها على آخر نقداً أو إلى أجل ولو بأكثر مما اشتريتها به جاز ، وليس لك أن تكتبها باسمه على أنه اشتراها من المعرض لما في ذلك من الكذب ، ولما قد يترتب على ذلك من مشاكل أخرى .

والطريقة السليمة لبيع السيارات ديناً لمدة سنة أو أقساطاً أن تكون السيارة معلومة للطرفين ، مملوكة للبائع ، وفي حوزته عند البيع ، وأن يكون الأجل معلوماً ، وكذا الأقساط تكون معلومة قدراً وأجلاً .

الذي يعمل في تسهيل عملية الدين ، كأن يبيع سيارة على شخص يريد بيعها بالدين ، ويتركها عنده في المعرض حتى يبيعها ، وقد تباع عدة مرات ، وهي داخل المعرض ، من دائن إلى مدين ، من فعل ذلك وهو يعلم ما يريده المشترون منه فهو آثم لما في ذلك من التعاون على ما حرَّم الله من بيع السلع قبل قبضها ، وهكذا بائعها آثم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم .

مسألة : يطلب مني بعض الأشخاص إعطاءهم سيارات بطريقة التقسيط ، وفي حالة طلب الأشخاص تكون السيارات غير متوفرة لدي ، ولكن أتفق معهم على القيمة ، ومن ثم يعطوني مواصفات السيارات التي يرغبونها ، وعند ذلك أقوم بشراء السيارة وإحضارها للمشتري ، فإن طابقت على المواصفات التي طلبها فهي سيارته ، وإن اختلف شيء فلا يلزمه شراؤها لأن له الخيرة حتى ينظر ويقبل السيارة أفيدونا عن صحة هذا البيع ؟

والجواب : إذا كان الواقع ما ذكرت من أنك تتفق مع طالب بيع السيارة عليه بالتقسيط على تحديد قيمتها ويعطيك المواصفات لتحضرها له بعد ، حرم ذلك لأنه بيع ما ليس عندك ، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك " .

فائدة : تحريك السيارة داخل المعرض لا يعتبر حيازة لها .

والقبض الصحيح يتحقق بنقل السلعة من محل البائع إلى محل المشتري لأن النبي صلى الله عليه وسلم " نهي أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " ، وبيع العربون جائز وصحيح لمن يبيع سلعة يملكها إذا اتفق عليه البائع والمشتري .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

6 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر