الدرس العاشر: كتاب البيوع 5 بيع الدين

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 8 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 2496 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يجوز للإنسان أن يبيع سلعة من الطعام أو غيره إلى أجل معلوم ، ولو زاد ثمن بيعها إلى أجل عن قيمتها وقت بيعها ، وينبغي للمدين الوفاء بأداء الدين إلى صاحبه عند أجله لعموم قوله تعالى " فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ " البقرة 283 ، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله " أخرجه البخاري .

وإذا اشترى إنسان سلعة من مخزن أو دكان مثلاً وعدَّها عليه صاحبها بأعيانها ، فلا يجوز للمشتري أن يبيعها في محلها بمجرد عدِّ أعيانها ، ولا يعتبر ذلك قبضاً ، بل لابد لجواز بيع المشتري لها من حوزه إياها إلى محل آخر ، لما رواه أحمد عن حكيم بن حزام أنه قال : قلت يا رسول الله إني أشتري بيوعاً فما يحل لي منها وما يحرم ؟ قال : " إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه " ، ولما رواه أحمد وأبو داود عن زيد بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " ، ولما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا ابتعت طعاماً فلا تبعه حتى تستوفيه " .

وإذا كان اشترى السيارة مثلاً من شخص لأجل أن يردها عليه بثمن عاجل أقل مما اشترها به فذلك بيع نقد بنقد مع التفاضل ، وهو الربا الذي حرَّمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والعقد على السيارة صوري قصد به الخداع والاحتيال على الربا ، وأكل الأموال بالباطل ، وكذا لو باع المشتري السيارة على شخص عرف أنه تابع للبائع الأول في عمله أو شخص وسيط تواطآ عليه لتعود السيارة في النهاية إلى البائع الأول ، فكل هذا من الخداع والاحتيال على الربا .

وإذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة مثلاً معينة ، أو موصوفة بوصف يضبطها ، ووعده أن يشتريها منه ، فاشتراها من طُلبت منه ، وقبضها جاز لمن طلبها أن يشتريها منه ، بعد ذلك نقداً أو أقساطاً مؤجلة بربح معلوم ، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها ، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلاً قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم .
أما ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من البيعتين في بيعة ، فقد فسره جمهور العلماء بأن يقول صاحب السلعة بعتك هذه السلعة بعشرة دراهم مثلاً نقداً ، أو بخمسة عشر إلى سنة مثلاً ، أو يقول بعتك إحدى هاتين البقرتين بألف ريال مثلاً ، ويتم القبول من المشتري ، ثم يفترقان دون تعيين إحدى الحالين من نقد أو أجل في الصورة الأولى ، ودون تعيين إحدى البقرتين مثلاً في الصورة الثانية ، فهذا محرم لجهالة الحال من التعجيل أو التأجيل ، وجهالة الثمن تبعاً لذلك في المسألة الأولى ، ولجهالة السلعة التي وقع عليها العقد في المسألة الثانية ، وجعل منه جمهور العلماء أيضاً قول إنسان لآخر بعتك داري هذه بكذا على أن تبيعني دارك هذه بكذا ، أو على أن تشتغل أجيراً عندي شهراً مثلا بكذا ، أو على أن تزوجني ابنتك بكذا ، أو على أن أزوجك ابنتي بكذا ، فهذه الصور من البيوع الباطلة لكونها من صور البيعتين في بيعة ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ومن صور البيعتين في بيعة مسألة العينة المشهورة ، وننصح لك بمراجعة المغني لابن قدامة رحمه الله في هذه المسألة ، وكلام العلامة ابن القيم على حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة في كتاب تهذيب السنن و إعلام الموقعين .
وإذا كان من يبيع السيارة إلى أجل يبيعها بثمن معلوم إلى أجل أو آجال معلومة زمناً وقسطاً ، لا يزيد المؤجل من ثمنها بتجاوزه فلا شيء في ذلك لقوله سبحانه وتعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ " البقرة 282 ، ولما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى إلى أجل ، أما إن كان المؤجل يزيد بتأخر دفع القسط عن موعده المحدد فذلك لا يجوز بإجماع المسلمين لأنه ينطبق عليه ربا الجاهلية الذي نزل فيه القرآن ، وهو قول أحدهم لمن عنده له دين عند حلول ذلك الدين إما أن تقضي وإما أن تربي أي تزيد ، ومن كان يقرضك مالاً لتتجر فيه ، فتعطيه شيئاً كل شهر مقابل بقاء ماله عندك فهذا لا يجوز ، بل محرم لكونه من الربا الذي جاءت النصوص بتحريمه .

وشراؤك السيارة بالأقساط إذا كانت السيارة معلومة ، والثمن معلوم ، وكل قسط مع أجله معلوماً فهذا جائز ، أما التأمين على السيارة فمحرم ، وكذا التأمين على الحياة وعلى الأعضاء وعلى البضاعة ، وسائر أنواع التأمين التجاري لما في ذلك من الغرر والمقامرة ، وأكل الأموال بالباطل .

حكم تأخير الثمن والمثمن إذا كان البيع معيناً موجوداً كبيت وسيارة ونحو ذلك ، قد وصف بما يزيل اللبس مع انعقاد البيع حالاً جائز ما لم يكونا من الأجناس الربوية ، وإلا فيجب التقابض في مجلس العقد لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثلٍ ، سواءً بسواءٍ ، يداً بيدٍ ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يداً بيدٍ " أخرجه مسلم ، وبيع التقسيط هو بيع السلعة بثمن مؤجل ، يسدده على فترات متفرقة .

ومسألة التورق هي أن تشتري سلعة بثمن مؤجل ، ثم تبيعها بثمن حال على غير من اشتريتها منه بالثمن المؤجل من أجل أن تنتفع بثمنها ، وهذا العمل لا بأس به عند جمهور العلماء .

وحقوق العباد واجبة الأداء ، فيلزم من عليه دين لأي إنسان أن يبذل وسعه في إيصاله إليه أو إلى ورثته إن كان قد توفي ، وفي حالة عجزه عن إيصاله إلى الورثة أو إلى صاحبه لكونه هاجر إلى بلد لا يعرفها ، أو لا يعرف عنوانه بها ، أو نسي اسمه كلياً فيتصدق بالدين الذي عليه على الفقراء بالنية عن صاحبه ، فإن جاء صاحبه أخبره بالواقع ، فإن رضي به وإلا دفع حقه إليه ، وللمتصدق أجر تلك الصدقة إن شاء الله ، ولا تبرأ ذمته بدون ذلك ، ولا يجوز مطل الغني ، وهو تأخير الغني القادر على دفع الحق الواجب عليه لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مطل الغني ظلم ، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع " متفق على صحته ، ومن كان قادراً على الوفاء بدينه فإنه يحرم عليه المماطلة في تسديد ما وجب في ذمته إذا حلَّ أجله ، فعلى من عليه دين أن يبادر بوفاء ما في ذمته من حقوق الناس ، وليتق الله في ذلك قبل أن يفاجئه الأجل وهو معلق بديونه .

الأموال الحاصلة من طرق محرمة كالرشوة والربا أموال محرمة ، لا يجوز للمسلم تمولها والانتفاع بها أو المتاجرة بها ، ولا يجوز لمسلم أن يكون عوناً لأحد على ما فيه إثم ومعصية وانتهاك لحرمات الله ، فإذا كان المسلم في حال الاختيار والسعة بحيث يجد من يبيع الحلال ، ويتعفف عن بيع الحرام فعليه التعامل معه لا مع من يبيع الحلال والمحرم ، أما إذا لم يمكنه ذلك فيجوز للمسلم شراء اللحوم الحلال والأطعمة المباحة منه إذا لم يشتبه بغيره لقول الله تعالى " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " التغابن 16 .

إذا كان المدين معسراً وليس لديه ما يسدد به دينه أو بعضه فإنه يجوز له أن يسأل صاحب الدين أن يسقط عنه الدين الذي لا يقدر على وفائه أو يؤجل مدة وفائه حتى يقدر على وفائه ، وإذا سددت الدين الذي عليك وزدت عليه شيئاً بطيب نفس منك وبدون شرط سابق من الدائن ، أو أهديت له شيئاً جبراً لما حصل من التأخير ، فهذا حسن ولا بأس به ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسلف من رجل بكراً ، ورد خياراً رباعياً ، وقال : " خيار الناس أحسنهم قضاءً " أخرجه مسلم .

لا يجوز تخزين شيء الناس في حاجة إليه ، ويسمى الاحتكار لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحتكر إلا خاطئ " أخرجه مسلم ، أما ما كان الناس في غنى عنه فيجوز تخزينه حتى يحتاج إليه ، فيبذل لهم دفعاً للحرج والضرر عنهم ، وبذلك يتبين أن مدة جواز التخزين مرتبطة بغنى الناس عما يخزن طالت المدة أم قصرت ، وإذا تواطأ الباعة مثلاً من تجار ونحوهم على رفع أسعار ما لديهم أثرة منهم ، فلولي الأمر تحديد سعر عادل للمبيعات .

مسألة : هناك بعض الأصناف من الدواء ، يزداد سعره بقرار من وزارة الصحة ، وأحياناً ينقص ، فهل يجوز لي أن أبيعها بالسعر الجديد أم القديم مع العلم أن الوزارة تعاقب من يبيع بالسعر القديم الأقل ؟

والجواب : يجب التمشي على النظام الذي تضعه الدولة لسعر بيع الدواء لأن في مخالفته مضرة عليك وعلى الآخرين .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

6 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر