ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الثامن : كتاب البيوع 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 7 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 2244 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد

بيع الفيز لا يجوز لأن في بيعها كذباً ومخالفة واحتيالاً على أنظمة الدولة ، وأكلاً للمال بالباطل ، قال الله تعالى " وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ " البقرة 188 ، وعلى ذلك فإن ثمن الفيز التي بعتها والنسب التي تأخذها من العمال كسب محرم ، يجب عليك التخلص منه ، وإبراء ذمتك منه ، فما حصلت عليه من ثمن الفيز تنفقه في وجوه البر والخير من فقراء وإنشاء وبناء مرافق تنفع المسلمين .

وأما الأموال التي أخذتها من العمال أنفسهم نسبة في كل شهر ، فإنه يجب عليك ردها إليهم إن كانوا موجودين ، أو تيسر إيصالها إليهم في بلدهم على عناوينهم وإن تعذر معرفتهم أو إيصالها إليهم فإنك تتصدق بها عنهم لأن هذه النسبة اقتطعت منهم بغير حق ، وبدون عوض ، وعليك الاستمرار في التوبة من هذا العمل ، وعدم العودة إليه مستقبلاً ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، قال الله تعالى " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " الطلاق 2 ، 3 .

إذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة أو مغصوبة ، أو أن من يعرضها لا يملكها ملكاً شرعياً ، وليس وكيلاً في بيعها ، فإنه يحرم عليه أن يشتريها لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان ، وتفويت السلعة على صاحبها الحقيقي ، ولما في ذلك من ظلم الناس وإقرار المنكر ، ومشاركة صاحبها في الإثم ، قال الله تعالى " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ " المائدة 2 ، وعلى ذلك ينبغي لمن يعلم أن هذه السلعة مسروقة أو مغصوبة أن يقوم بمناصحة من سرقها برفق ولين وحكمة ليرجع عن سرقته ، فإن لم يرجع وأصرَّ على جُرمه فعليه أن يبلغ الجهات المختصة بذلك ليأخذ الفاعل الجزاء المناسب لجرمه ، ولرد الحق إلى صاحبه ، وذلك من باب التعاون على البر والتقوى ، ولأن في ذلك ردعاً للظالم عن ظلمه ، ونصرة له وللمظلوم ، ولذلك ثبت في الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، قالوا : يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً ، فكيف ننصره ظالماً ؟ قال : تأخذ فوق يديه " أخرجه البخاري في صحيحه .

لا يجوز شراء محصول الحدائق لمدة خمس سنوات لما في ذلك من الجهالة والغرر .

والبضائع ذات الكرتون المغلف الذي يباع ولا يعلم ما في داخله من أنواع السلع من ألعاب الأطفال وغيرها ، هو بيع مجهول يفتقد شرط العلم بالمبيع برؤية أو صفة لذا فلا يجوز التعامل بهذا النوع من البضائع لأنه من بيوع الغرر المنهي عنها لحديث أبي هريرة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر " أخرجه مسلم ، وإذا كانت البضائع المعروضة للبيع أجزاؤها مختلفة النوع والمنافع بحيث لا تدل رؤية بعضها على معرفة بقية المبيع فإنه لا يجوز بيعها وهي مكدسة على بعضها ، مما يحول دون معرفة أجزائها ، بل لابد من معرفة أجزاء المبيع بتفحصها حتى يعلم جميع أجزائها لأن من شروط البيع أن يكون المبيع معلوماً عند المتعاقدين برؤية جميع أجزائه أو بعضه الدال عليه إن كانت أجزاؤه متساوية ، ويستثنى من ذلك ما يدخل تبعاً للأصل أو يتسامح بمثله ، إما لحقارته أو للمشقة في تمييز بعضه ، وتعيينه كالقطن المحشو في الفرش والجبة ونحو ذلك ، وكذلك ما كان ينضبط بصفة تكفي في السلم ، فإنها تقوم مقام الرؤية في بيع ما يجوز فيه السلم بالرؤية كالمكيل والموزون والمعدود والمذروع ونحو ذلك ، وعلى ذلك فإن جهالة المبيع غرر وخداع لا يصح البيع معها ولا ينعقد ، ومن وجد في السلعة التي اشتراها مالاً أو ذهباً أو أشياء ثمينة لم يعلم بها صاحب البضاعة فلا تدخل في البيع لأن البيع لا يتناولها ، فعليه أن يردَّها إلى البائع إن كانت له ، بعد التأكد من أنه صاحبها ، وإن لم تكن للبائع ردَّها لصاحبها بعد تعريفها والإعلان عنها ، فإن لم يتمكن من معرفة صاحبها تصدَّق بها بالنية عن صاحبها ، فإن جاء صاحبها دفع له بقدر قيمتها إن طالبه بها ، وله أجر الصدقة بها إن شاء الله .

قال الله تعالى " وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا " البقرة 275 ، وقال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ " البقرة 282 ، وعليه فإذا كان السائل يبيع ما يبيعه بعد تملكه إياه تملكاً تاماً وحيازته ، فلا حرج عليه في بيعه بما يحصل التراضي والاتفاق عليه ، سواء ربح الربع أو الثلث ، كما أنه لا حرج عليه في تفاوت سعر بيعه بضائعه ، بشرط أن لا يكذب على المشتري بأنه باعه مثل ما باع على فلان ، والحال أن بيعه عليه يختلف عنه ، وأن لا يكون فيه غرر ، ولا مخالفة لما عليه سعر السوق ، إلا أنه ينبغي له التخلق بالسماحة والقناعة ، وأن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه ، ففي ذلك خير وبركة ، ولا يتمادى في الطمع والجشع ، فإن ذلك يصدر غالباً عن قساوة القلوب ولؤم الطباع وشراسة الأخلاق .

ويجوز لمن اشترى بضاعة للتجارة أو للاقتناء أن يبيعها بعد ذلك بأكثر من ثمنها حالاً أو مؤجلاً ، ولا نعلم حدَّاً ينتهى إليه في الربح ، لكن التخفيف والتيسير هو الذي ينبغي ، لما ورد فيه من الترغيب ، إلا إذا كانت السلعة معروفة في البلد بثمن معلوم فلا ينبغي للمسلم أن يبيعها على جاهل بأكثر من ذلك ، إلا إذا أعلمه بالحقيقة لأن بيعها بأكثر نوع من الغبن ، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يغشه ولا يخونه ، بل ينصح له أينما كان ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة " رواه مسلم ، وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله اليماني قال : " بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " .

إذا بيعت البضاعة بأكثر من قيمتها الحاضرة إلى أجل ، وحُددت قيمتها المؤجلة عند البيع بالزيادة فلا شيء في ذلك ، سواء كان ذلك إلى أجل واحد أو كان ذلك أقساطاً إلى آجال معلومة ، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها : " أن بريرة اشترت نفسها من سادتها بتسع أواق في كل عام أوقية " رواه البخاري ، وهذا بيع بالأقساط .

إذا اشترى رجل سلعة بمائتي ريال بثمن مؤجل ، فقال البائع اشتريها منك بمئة ريال نقداً ، فلا يجوز له أن يشتريها وهي مسألة العينة التي قال جمهور أهل العلم بتحريمها لكون التبايع بها وسيلة الربا فهي داخلة في عموم أدلة الربا ، ولا يجوز لك أن تزيد في السعر المحدد من السلطان ، ولا يحل لك أن تنقص الميزان والمكيال ، ولو أمرك والدك بذلك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ " الجمعة 9 ، معناه ترك الاشتغال بالتجارة والتوجه لسماع الخطبة وأداء صلاة الجمعة في المسجد مع الإمام ، وهذا يعني تحريم البيع والشراء بعد الأذان الثاني الذي هو عند جلوس الخطيب على المنبر حتى تنتهي الصلاة ، إلا لضرروة تدعو إلى الشراء كماء للطهارة أو ثوب يستر به عورته للصلاة ، والبيع عند باب المسجد خارجه جائز إذا كان قبل النداء الثاني ، وأما بعد النداء الثاني فإنه لا يجوز لنهي الله سبحانه عن ذلك .

ولا يجوز بيع السلاح الممنوع بيعه من قِبَل ولي الأمر لقول الله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " النساء 59 ، ومنع ولي الأمر من بيع السلاح ملاحظ فيه الحفاظ على الأمن ، وسد وسائل الفتنة ، وبناءً على ذلك ترى اللجنة تحريم بيع السلاح بدون إذن ولي الأمر ، وتحريم المكسب الناتج عن ذلك ، ولا يجوز للمسلم أن يبيع الأشياء المحرمة لما في ذلك من التعاون على الإثم ، لقول الله سبحانه وتعالى " وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ " المائدة 2 ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله إذا حرَّم شيئا حرَّم ثمنه " .

تواطؤ المشترين للسلعة في الحراج أو غيره على أن يقفوا بسعر السلعة عند حد معين ، واحتيالهم لمنع الزيادة فيها حرام لما في ذلك من الأثرة الممقوتة ، والإضرار بأرباب السلع ، وكلٌ من الأثرة وإضرار الإنسان بغيره ممنوع ، وهو خلق ذميم لا يليق بالمسلمين ، ولا ترضاه الشريعة الإسلامية ، وهو أيضاً في معنى التسعير لغير ضرورة ، وفي معنى تلقي الركبان ونحوهما ، مما فيه إضرار فرد أو جماعة بآخرين ، وتوليد الضغائن والأحقاد ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان ، وبيع حاضر لباد ، والتسعير لغير ضرورة ، وسوم الرجل على سوم أخيه ، وبيعه على بيع أخيه ، وخطبته على خطبة أخيه ، وما في معنى ذلك ، وعلى ذلك يكون للبائع المتواطئ على منع الزيادة في سلعته الخيار إن ظهر أنه مغبون في سلعته ، إن شاء طلب فسخ البيع وإن شاء أمضاه .

ما يفعله بعض الأشخاص في المزادات الحكومية ، بأن يتم الاتفاق بينهم على أن يكونوا شركاء أثناء المزاد وبعد انتهاء المزاد يتم بيع السلعة مرة أخرى فيما بينهم والمكسب يوزع بين الشركاء بالتساوي ، هذا العمل لا يجوز ، لكونه من باب التعاون على الإثم والعدوان ، وظلم صاحب السلعة ، لمصلحة المتواطئين على الشراء .

وما يفعله البعض عند الحراج من القيام بإشارات فيما بينهم ، بطلب الصمت عن المزايدة ليشتروا البضاعة بسعر قليل ، وهو ما يسمونه بينهم بـ ( النية ) ، فهذا البيع لا يجوز ، لما فيه من الإضرار بالبائع والخداع له ، مما يؤدي لأخذ سلعته بسعر أقل مما هي عليه ، فإذا ثبت ذلك ، وكان ذلك غبن للبائع ، لم تجر العادة بمثله ، فله الخيار بين إمضاء البيع وبين فسخه واسترداد سلعته ورد الثمن .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

5 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر