الدرس السادس : كتاب البيوع

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 6 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 2382 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

إن الواجب في عقد البيع ذكر الطرفين البائع والمشتري ، حتى يترتب على العقد آثاره ، وأما الاكتفاء بعقد البيع بطرف واحد عند كتابة العقد ، ثم لا يُكتب الطرف الثاني إلا بعد بيع السيارة مرة ثانية ، فيكتب مشترٍ جديد ، فهذا فيه مفسدة ، فلا يجوز العقد على هذا الوجه .

يقوم الاقتصاد الإسلامي على المتاجرة الشرعية ، باستثمار الأموال فيما أحلَّه الله تعالى ، وفق قواعد وضوابط المعاملات الشرعية ، المبنية على أصل الإباحة والحل في المعاملات ، واجتناب كل ما حرَّمه الله منها كالربا ، قال الله تعالى " وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا " البقرة 275 ، وقال تعالى " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " الجمعة 10 .

الحلف في البيع والشراء مكروه مطلقاً ، سواء كان كاذباً أو صادقاً ، فإن كان كاذباً في حلفه فهو مكروه كراهة تحريم ، وذنبه أعظم وعذابه أشد ، وهي اليمين الكاذبة ، وهي وإن كانت سبباً لرواج السلعة ، فهي تمحق بركة البيع والربح ، ويدل لذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الحلف منفقة للسلعة ، ممحقة للبركة " أخرجه البخاري ومسلم ، ولما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، قال : فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار ، قال أبو ذر خابوا وخسروا ، من هم يا رسول الله ؟ قال : المسبل ، والمنان ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " أخرجه مسلم في صحيحه .
أما إن كان الحلف في البيع والشراء صادقاً فيما حلف عليه ، فإن حلفه مكروه كراهة تنزيه لأن في ذلك ترويجاً للسلعة ، وترغيباً فيها بكثرة الحلف ، وقد قال الله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " آل عمران 77 ، ولعموم قول الله تعالى " وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ " المائدة 89 ، وقوله تعالى " وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ " البقرة 224 ، ولعموم ما رواه أبو قتادة الأنصاري السلمي ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إياكم وكثرة الحلف في البيع ، فإنه ينفق ثم يمحق " أخرجه مسلم .

ومن اشترى سلعة ثم عرضها للبيع ، وقال هي عليّ بكذا ، وهو كاذب في قوله ، بأن زاد في ثمن السلعة التي اشتراها به ، فقد ارتكب أمراً محرماً ، ووقع في الإثم ، وحري به أن تمحق بركة بيعه ، وإن حلف على ذلك فالإثم أعظم ، والعقوبة أشد ، وهو داخل في الوعيد الوارد في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه ، عن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم ، قلنا : من هم يا رسول الله فقد خابوا وخسروا ؟ ، فقال : المنان ، والمسبل إزاره ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " ، وفي رواية أخرى " بالحلف الفاجر " ، ولما أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه " أن رجلا أقام سلعة وهو في السوق ، فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعط ليوقع فيها رجلاً من المسلمين ، فنزلت الآية " إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " آل عمران 77 ، ولما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم ، رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل ، ورجل بايع رجلاً - وفي رواية - إماماً لا يبايعه إلا لدنيا ، فإن أعطاه ما يريد وفَّى له ، وإلا لم يفِ له ، ورجل ساوم رجلاً بسلعة بعد العصر ، فحلف بالله لقد أُعطي بها كذا وكذا فأخذها " أخرجه البخاري ومسلم .

ويجوز للرجل أن يبيع من ماله على بعض من أولاده إذا كان قادراً على الشراء ، ويتعامل معه كما يتعامل مع شخص أجنبي ، ولا يحابيه محاباة يكون فيها تفضيل له على بقية إخوانه .

الأصل إباحة الاكتساب والاتجار للرجال والنساء معاً في السفر والحضر لعموم قوله سبحانه " وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا " البقرة 275 ، وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الكسب أطيب قال : " عمل الرجل بيده ، وكل بيع مبرور " ، ولما هو ثابت أن النساء في صدر الإسلام كنَّ يبعن ويشترين باحتشام وتحفظ من إبداء زينتهن ، لكن إذا كان اتجار المرأة يعرضها لكشف زينتها التي نهاها الله عن كشفها كالوجه ، أو لسفرها بدون محرم ، أو لاختلاطها بالرجال الأجانب على وجه تخشى فيه فتنة فلا يجوز لها تعاطي ذلك بل الواجب منعها لتعاطيها محرماً في سبيل تحصيل مباح ، ويجوز لها أن تذهب إلى السوق لتبيع وتشتري إذا كانت في حاجة إلى ذلك وكانت ساترة لجميع بدنها بملابس لا تحدد أعضاءها ، ولم تختلط بالرجال اختلاط ريبة ، وإن لم تكن في حاجة إلى ذلك البيع والشراء فالخير لها أن تترك ذلك .

الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحلَّ الله له من المسلم أو من الكافر ، وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود ، لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر فهذا حرام لما فيه من موالاة الكفار ورضاء عنهم ومحبة لهم ، ولما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم ، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له ، وأما إن كانت هناك دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب ، فإن انتصح فالحمد لله ، وإلا عدل عنه إلى غيره ، ولو إلى كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته .

عقود المعاوضات المالية وتبادل المنافع بيننا وبين الكفار صحيحة ما دامت مستوفية لشروط العقود في شريعة الإسلام .

التعامل بالربا حرام ، سواء كان بين المسلمين أم بين المسلمين والكفار مطلقاً ، حربيين وغير حربيين .

يجوز للمسلم أن يبيع الملابس على الكفار من رجال ونساء إذا كانت هذه الملابس ساترة ، ولا تشتمل على صلبان ، ولم تكن من حرير بالنسبة للرجال لأن الأصل في البيع الحل ، إلا ما دلَّ الدليل على منعه ، سواء كان على مسلم أو على كافر .

لا يجوز البيع بغير تراضٍ ، قال الله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ " النساء 29 ، إلا إذا كان ذلك بحق ، كبيع الرهون من جهة المحكمة .

شرب الدخان حرام ، وزرعه حرام ، والاتجار به حرام لما فيه من الضرر العظيم ، وقد رُوي في الحديث " لا ضرر ولا ضرار " ، ولأنه من الخبائث ، وقد قال الله تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم " وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ " الأعراف 157 ، وقال سبحانه " يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ " المائدة 4 .

ليس في الملابس ما يحرم لبسه على النساء في كل حال سوى ما فيه تشبه بالرجال أو الكافرات ، وما فيه صور لذوات الروح ، وما عدا ذلك فيجوز لها لبسه مع زوجها ، ويحرم لبس بعضه مع غير زوجها ومحارمها كالقصير الذي يظهر منه ساقها وما يظهر منه شعرها أو رقبتها ووجهها ونحو ذلك ، وعلى هذا فما كان محرماً لبسه عليها في حال دون حال فللتاجر أن يتجر فيه ، وعليها أن تستعمله فيما يحل دون ما يحرم ، وما كان لبسه محرماً عليها في كل حال فليس للتاجر أن يتجر فيه وليس لها أن تلبسه .

اقتناء الطيور والحيوانات المحنطة سواء ما يحرم اقتناؤه حياً أو ما جاز اقتناؤه حياً فيه إضاعة للمال ، وإسراف وتبذير في نفقات التحنيط ، وقد نهى الله عن الإسراف والتبذير ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ، ولأن ذلك وسيلة إلى اتخاذ الصور من ذوات الأرواح ، وتعليقها ونصبها محرم ، فلا يجوز بيعه ولا اقتناؤه ، وعلى المحتسب أن يبين للناس أنها ممنوعة ، وأن يمنع ظاهرة تداولها في الأسواق .

لا يجوز بيع الكلاب ، ولا يحل ثمنها ، سواء كانت كلاب حراسة أو صيد أو غير ذلك لما روى أبو مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ، ومهر البغي ، وحلوان الكاهن " أخرجه البخاري ومسلم .

لا يجوز بيع القطط والقردة والكلاب وغيرها من كل ذي ناب من السباع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وزجر عنه ، ولما في ذلك من إضاعة المال ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

من شروط صحة البيع كون العين المعقود عليها مباحة النفع من غير حاجة ، والثعابين لا نفع فيها ، بل فيها مضرة ، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها ، وهكذا السحالي ، وهي السحابل ، لا نفع فيها فلا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا يجوز بيع المفترسات من الذئاب والأسود والثعالب وغيرها من كل ذي ناب من السباع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، ولما في ذلك من إضاعة المال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

4 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر