ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الخامس : الدعوة والحسبة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 4 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 2162 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن على الصحيح من أقوال أهل العلم لقوله صلى الله عليه وسلم " إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلاً امرأة بتعليمه إياها ما معه من القرآن وكان ذلك صداقها .

يجب على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وينصح لكل مسلم بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، قال الله تعالى " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ " آل عمران 110 ، وقال صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم ، وقال جرير بن عبد الله رضي الله عنه " بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " رواه البخاري ومسلم ، والنصح لله هو الإخلاص لله في القول والعمل وطاعته ، والنصح لكتابه الصدق في الإيمان به ، والعمل بما فيه من أحكام الشريعة ، والنصح للرسول الإيمان به وطاعته ، والنصح لأئمة المسلمين أن لا يغشهم ، وأن يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر إن كان أهلاً لذلك ، وأن يعينهم على الخير ويطيعهم في المعروف ، والنصح لعموم المسلمين أن يحب لهم ما يحب لنفسه ، ولا يخدعهم بقول أو عمل ، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، وأن يتعاون معهم على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان .

ولكن الدعوة إلى سبيل الله على مراتب متفاوتة ، تعليم الجاهل وإرشاده بالحكمة وإلقاء الموعظة التي ترقق القلوب لتلين القلوب القاسية ، والجدال بالتي هي أحسن لمن احتاج إلى ذلك ، فعلى مَنْ هو أهل للدعوة إلى الله أن يضع الأمور مواضعها ، وأن يدعو كل إنسان بما يناسبه ، وينزل كلاًّ منزلته ، لقوله تعالى " خُذِ ٱلعَفوَ وَأۡمُرۡ بِٱلعُرۡفِ وَأَعرِضۡ عَنِ ٱلجَٰهِلِينَ " الأعراف 199 ، كما إن الدعاة إلى الخير ومن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر درجات فمنهم من يقوى على الإنكار باليد ، ومنهم من يقوى على الإنكار باللسان فقط ، ومنهم مَنْ لا يقوى إلا على الإنكار بالقلب ، ومنهم من يقوى على الجميع ، كما قال صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " ، فعلى الداعية إلى الله أن يتعرف على قدره ومدى قدرته في الأمر والنهي ، وينزل نفسه منزلتها ويدعو بقدر ما تسمح له ظروفه ، علماً وجاهاً وولاية ، ولا يتجاوز طاقته وإلا كان فتنة .

ومن الحديث السابق يتبين أن مراتب تغيير المنكر ثلاث درجات : التغيير باليد للقادر عليه ، كالحكام ، والرجل مع ولده وزوجته ، فإن لم يتمكن المكلف من التغيير باليد فبلسانه ، كالعلماء ومن في حكمهم ، وإذا لم يتمكن من التغيير باللسان فينتقل إلى التغيير بالقلب ، والتغيير بالقلب يكون بكراهة فعل المنكر وكراهة المنكر نفسه ، والتغيير بالقلب من عمل القلب ، وعمل القلب إذا كان خالصاً صواباً يثاب عليه الشخص ، ومن تمام الإنكار بالقلب مغادرة المكان الذي فيه المنكر .

قول الله تعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهتَدَيتُمۡۚ " المائدة 105 ، ليس في الآية ما يدل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان فعل ذلك ممكناً ، فالآية بمنطوقها تأمر العبد بأن يصلح نفسه ، ويفعل الخير بجهده ، ومن إصلاح النفس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا قام بما وجب عليه فلا يضره من ضلَّ بعده إذا عمل بما أمره الله به ، روى الإمام أحمد بسند صحيح عن قيس قال : قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ " المائدة 105 ، وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه " ، ومعلوم أن العبد لا يكون مهتدياً الهداية الكاملة حتى يُؤدي ما أوجب الله عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

مَنْ يتخلف عن صلاة الجماعة ، ولم تؤثر فيه النصيحة فإنه يجب أن يُبلغ عنه الإمام أهل الحسبة للأخذ على يده ، ولا يترك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هَمَّ أن يحرق بيوت المتخلفين عن الصلاة عليهم بالنار عقوبة لهم وردعاً لأمثالهم ولما أوجب الله على المسلمين من التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر في قوله سبحانه " وَٱلمُؤۡمِنُونَ وَٱلمُؤۡمِنَٰتُ بَعضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلمَعرُوفِ وَيَنهَوۡنَ عَنِ ٱلمُنكَرِ " التوبة 71 ، ويستمر النصح لمرتكب المنكر حتى يظن أنه لا يجدي الاكتفاء به ، فينتقل معه إلى عقوبته عليه ، وذلك بالرفع إلى ولي الأمر، أو من يقوم مقامه في تأديب المنحرفين والعصاة .

ومن ترك الصلاة متعمداً جاحداً لوجوبها فهو كافر باتفاق العلماء وإن تركها تهاوناً وكسلاً فهو كافر على الصحيح من أقوال أهل العلم وبناءً على ذلك لا يجوز مجالسة هؤلاء بل يجب هجرهم ومقاطعتهم وذلك بعد البيان لهم أن تركها كفر إذا كان مثلهم يجهل ذلك ، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " أخرجه مسلم في صحيحه وهذا يعم الجاحد لوجوبها والتارك لها كسلاً .

التحذير من عمل الفساق ومرتكبي الكبائر واجب فإذا خشي المسلم على إخوانه من عمل أولئك وجب نصحهم ، وكشف أحوال الفساق حتى لا يقع أحد في شراكهم ويجب أيضاً مناصحة الفساق ومرتكبي الكبائر لعل الله يهديهم ، قال صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة ، قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم من حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه

قول الله تعالى " إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا ٱلذِّكرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ " الحجر 9 ، فالقرآن ضُبط من حين نزوله ونُقل نقلاً متواتراً يُفيد القطع واليقين فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له كُتَّاب يكتبون له الوحي وغيره وكان إذا نزلت عليه سورة أو آيات أو آية أو بعض آية أملى ذلك على كاتب منهم فكتبه على ما تيسر له من العسب والحجارة الرقيقة والعظام ونحوها ، واستمر ذلك حتى أكمل الله دينه ، وأتم على الأمة الإسلامية نعمته ، ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ما نزل عليه منه ، قراءة تَثَبُّت وتَفَهُّم ودراسة في الصلاة وغيرها ، وكان ينزل عليه جبريل عليهما الصلاة والسلام ، فيدارسه القرآن في شهر رمضان ، واستمر ذلك حتى توفاه الله ، هذا مع عصمته في البلاغ والتشريع ، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤن ما نزل من القرآن ، ويتدارسونه بينهم ، فلا يكادون ينتهون مما تعاهدوه بالتلاوة والدراسة من السور أو الآيات ، إلا وقد حفظوه وفهموه ، وعملوا به ، فجمعوا بذلك الحفظ والعلم والعمل ، يعرف ذلك من قرأ دواوين السنة والسيرة ، وعلم ما فيها من الأحاديث والآثار ، وكان عنده إلمام بحياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وحياة أصحابه رضي الله عنهم ، وعرف مدى عنايتهم بحفظ الدين عامة ، وحفظ القرآن خاصة .

وقد اشتهر بحفظ القرآن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وأبو زيد الأنصاري رضي الله عنهم ، ولمَّا كان يوم اليمامة وكثر القتل فيمن كان في جيش المسلمين من القراء لزيادة حرصهم على القتال ، وحث بعضهم بعضاً عليه بكلمة يا أهل القرآن إثارة لشعورهم ، وغيرتهم على الإسلام ، حتى يتسابقوا إلى القتال نصرة لدين الله ، لمَّا كان ذلك اتفق الصحابة رضي الله عنهم على جمع القرآن مما كُتب فيه ، ومن صدور الحفاظ الثقات ، فتمَّ ذلك على أكمل وجه وأحكمه ، وكانت الصحف التي جُمع فيها عند أبي بكر خليفة رسول اللهصلى الله عليه وسلم ، إلى أن توفي ، ثم عند عمر أيام خلافته إلى أن توفي رضي الله عنه ، ثم كانت عند بنته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وقد عُلم أن القرآن نزل على سبعة أحرف أي لغات ، وكان كل جماعة من الصحابة يقرؤون بحرف منها فلما تولى عثمان رضي الله عنه الخلافة أُشير عليه أن يجمع القرآن على حرف واحد من الأحرف السبعة خشية الاختلاف من تعدد الأحرف ، فأمر رضي الله عنه بذلك ، وتمت كتابة القرآن على حرف واحد بأيدي القراء الثقات ، وقُوبل بالصحف التي كانت عند حفصة رضي الله عنها ، وثبت اتفاقهما ، ونسخ منها مصاحف أرسلها إلى عواصم الإمارات الإسلامية ، بعد أن قُرئت على الصحابة بين يديه ، فأقروها رضي الله عنهم ، واحتفظ بالأصل عنده بالمدينة المنورة ، وصار المعتبر عند الصحابة رضي الله عنهم هذه المصاحف ، وثبت ثبوتاً يُوجب اليقين ، يفيد القطع بأن ما جُمع هو ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستمر العمل عليها إلى يومنا هذا .

ظهرت جماعة الأحباش في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري ، جماعة يتزعمها عبد الله الحبشي الذي نزح من الحبشة إلى الشام بضلالته ، وتنقل بين دياره حتى استقر به المقام في لبنان ، وأخذ يدعو الناس على طريقته ، ويكثر أتباعه وينشر أفكاره التي هي أخلاط من اعتقادات الجهمية والمعتزلة والقبورية والصوفية ، ويتعصب لها ويناظر من أجلها ، ويطبع الكتب والصحف الداعية إليها ، والناظر فيما كتبته ونشرته هذه الطائفة يتبين له بجلاء أنهم خارجون في اعتقادهم عن جماعة المسلمين أهل السنة والجماعة فمن اعتقاداتهم الباطلة على سبيل المثال لا الحصر :

أولاً : أنهم في مسألة الإيمان على مذهب أهل الإرجاء المذموم ، انظر كتاب الدليل القويم على الصراط المستقيم عبد الله الحبشي .

ثانياً : يُجَوِّزُون الاستغاثة بالأموات ودعائهم من دون الله تعالى ، وهذا شرك أكبر .

ثالثاً : أن القرآن عندهم ليس كلام الله حقيقة .

رابعاً : يرون وجوب تأويل النصوص الواردة في القرآن والسنة .

خامساً : نفي علو الله .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر