ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الثالث : طلب العلم

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 4 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 2369 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يجب على المسلم أن يتعلم من أمور دينه ما يمكنه من تأدية أمور دينه ولا يجوز أن يشغله شيء عنها كما أن تعلم الطب فرض كفاية وتعلم دين الإسلام فرض عين فيما يحتاج إليه المسلم وفرض العين مقدم على فرض الكفاية فواجب عليك أن تتعلم من أمور دينك ما لابد لك منه .

حفظ القرآن الكريم فرض كفاية ولا يجب على كل فرد من الأمة ، وحفظه من أفضل القربات وفيه فضل عظيم إذا عمل المسلم بما فيه وأقام حدوده وأحكامه .

العلم الشرعي على قسمين : منه ما هو فرض على كل مسلم ومسلمة وهو ما يصحح به الإنسان عقيدته وعبادته وما لا يسعه جهله كمعرفة التوحيد وضده الشرك ، ومعرفة أصول الإيمان وأركان الإسلام ، ومعرفة أحكام الصلاة وكيفية الوضوء والطهارة من الجنابة ونحو ذلك ، وعلى هذا المعنى فُسِّر الحديث المشهور : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " .

والقسم الآخر فرض كفاية ، وهو معرفة سائر أبواب العلم والدين ، وتفصيلات المسائل وأدلتها ، فإذا قام به البعض سقط الإثم عن باقي الأمة .

ولا نعلم ما يمنع شرعاً من قراءة القرآن الكريم من الطلاب قراءة جماعية لتعليم كيفية الأداء وأحكام الترتيل والتلاوة .

والذي يتولى الإفتاء والإرشاد هو من لديه علم بالكتاب والسنة وكلام أهل العلم ، ولا مانع أن يتكلم باللغة التي يعرفها المخاطب ، ولو كانت بغير العربية .

وإذا أراد شخص أن يسأل فإنه يسأل أوثق من يمكنه الحصول عليه من أهل العلم ، فإذا أفتاه فإنه يعمل بالفتوى ، إلا إذا كان طالب علم ، وعلم أن هذه الفتوى تخالف نصّاً من كتاب أو سنة أو إجماع فإنه لا يعمل بها ، وعليه أن يلتمس الحق بدليله .

ويجب على العالم أن يعمل بما ترجَّح لديه بالدليل الصحيح ، ويجب على العامي أن يسأل من يثق بعلمه وعمله ويعمل بفتواه ، لقوله تعالى " فَسْألُوٓاْ أَهلَ ٱلذِّكرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعلَمُونَ " الأنبياء 7 .

إذا كان طالب العلم أهلاً للترجيح ، وعنده مقدرة على اختيار ما يراه بدليله جاز له ذلك ، وإذا لم يكن أهلاً لذلك سأل من يثق بعلمه .

يجب على المسلم أن يعمل بما دلَّ عليه الدليل ، من الكتاب والسنة ، سواء وافق المذهب الذي ينتسب إليه أو لم يوافقه لقول الله عز وجل " فَإِن تَنَٰزَعتُمۡ فِي شَيءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱليَوۡمِ ٱلأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيرٞ وَأَحسَنُ تَأۡوِيلًا " النساء 59 ، ولا يجوز له أن ينتقل من مذهب إلى مذهب لمجرد هواه للآية المذكورة ، ولقوله سبحانه " وَمَا ٱختَلَفتُمۡ فِيهِ مِن شَيءٖ فَحُكمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ " الشورى 9 ، وترك طلب العلم خشية التقصير في العمل خداع من الشيطان ليضل بني آدم ، والواجب على المسلم طلب العلم النافع والعمل الصالح ، قال صلى الله عليه وسلم : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " ، وما عُرف التخذيل عن طلب العلم بهذه الحجة الداحضة إلا من قبل الصوفية الضلال ، فالواجب عدم الالتفات لهذا التخذيل ، والإقبال على طلب العلم النافع .

ويجب أخذ العلم عن طريق العلماء العاملين ، لا عن مجرد الكتب والأشرطة ، لأن العلماء يوضحون الغامض ، ويشرحون المُشْكِل ، ويوجهون إلى الفهم الصحيح ، والكتب والأشرطة العلمية مجرد وسائل يستعان بها على طلب العلم ، إذا كانت كتباً وأشرطة موثوقة ، صادرة عن علماء ، لكن لا يقتصر عليها .

والعلماء ليسوا معصومين من الخطأ كما في الحديث " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " ، ولا ينقص ذلك من قدرهم ما دام قصدهم التوصل إلى الحق ، ولا تجوز الوقيعة في أعراضهم من أجل ذلك ، وبيان الحق والتنبيه على الخطأ واجب ، مع احترام العلماء ومعرفة قدرهم إلا ما كان مبتدعاً أو مخالفاً في العقيدة ، فإنه يُحذَّر منه إن كان حيًّا ، ومن كتبه التي فيها أخطاء لئلا يتأثر بذلك الجهال ، لا سيما إذا كان داعية ضلال ، لأن هذا من بيان الحق والنصيحة للخلق ، وليس الهدف منه النيل من الأشخاص ، والعلماء الكبار مثل السيوطي وغيره يُنبَّه على أخطائهم ، ويستفاد من علمهم ، ولهم فضائل تغطي على ما عندهم من أخطاء ، لكن الخطأ لا يُقبل منهم ولا من غيرهم .

المرأة قبل زواجها تحت ولاية أبيها ، فلا يجوز لها الخروج من البيت إلا بإذنه ، سواء كان للمسجد أو لغيره لأن طاعة الأب واجبة في غير معصية الله .

لا بأس أن يدرس لأخذ الشهادة ، وعليه أن يجاهد نفسه في إصلاح النية حتى تكون الدراسة لله وحده ، وأن يكون أخذ الشهادة ليستعين بها على طاعة الله ورسوله ، وخدمة المسلمين ، ويجوز لمعلم القرآن أن يقبل الهدية ممن يتعلم منه القرآن ومن غيره ، سواء كانت نية المهدي بذلك وجه الله ومحبة للمعلم في الله أم بقصد إكرامه لتعليمه إياه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " ، وما جاء في حديث الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، من أن النبي صلى الله عليه وسلم زوجَّها رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم بما معه من القرآن فقال " زوجتكها بما معك من القرآن " أخرجه البخاري ، وفي رواية لمسلم : " فعلِّمْها من القرآن " .

كتاب صفوة التفاسير للشيخ محمد بن علي الصابوني لا يصلح مرجعاًً لما فيه من المآخذ التي بينَّها من نقده من العلماء ، ومن الكتب المهمة في التفسير تفسير ابن جرير الطبري ، وتفسير البغوي ، وابن كثير ، وفي الحديث فتح الباري لابن حجر العسقلاني شرح البخاري ، وشرح النووي لصحيح مسلم ، وفي الفقه المجموع للنووي على كتاب المهذب للشيرازي ، وكتاب المغني لابن قدامة ، وكتاب الأم للشافعي ، وفي اللغة كتاب لسان العرب والقاموس المحيط للفيروز آبادي ، وغريب الحديث لابن الأثير .

قراءة الكتب الدينية الإيرانية ننصحك بتركها لما فيها غالباً من البدع والشرك ، والسب لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وننصحك بقراءة القرآن كثيراً مع التدبر والعمل ، ونوصيك أيضاً بقراءة التفاسير المعتمدة ، كتفسير الإمام ابن جرير الطبري ، والإمام القرطبي ، والحافظ ابن كثير ، وكتب الحديث مثل صحيح الإمام البخاري ، والإمام مسلم ، وكتب السنن الأربع وهي الترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود ، وموطأ الإمام مالك ، والمسانيد كمسند الإمام أحمد ، وكتب التوحيد مثل فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، من أهل السنة والجماعة ، ونحذرك من كتب أهل البدع كالشيعة وغيرهم .

إذا كان هناك حاجة دينية أو دنيوية إلى تعلم اللغة الإنجليزية ، أو غيرها من اللغات الأجنبية ، فلا مانع من تعلمها ، أما إذا لم يكن حاجة فإنه يُكره تعلمها ، وتعلم غير اللغة العربية للدعوة إلى الإسلام ، ولحاجة الداعية إلى ذلك عند تعلمها مما يجلب له مصلحة ، أو يدفع عنه مفسدة جائز ، وقد يكون واجباً حسب اختلاف مقتضيات الأحوال والأزمنة والأمكنة والأشخاص والنيات .

إذا كان من يريد دراسة القانون الوضعي لديه قوة فكرية وعلمية ، يميز بها بين الحق والباطل ، وكان لديه حصانة إسلامية ، يأمن معها من الانحراف عن الحق ، ومن الافتتان بالباطل ، وقصد بتلك الدراسة المقارنة بين أحكام الإسلام وأحكام القوانين الوضعية ، وبيان ميزة أحكام الإسلام عليها ، وبيان شمولها لكل ما يحتاجه الناس في صلاح دينهم ودنياهم ، وكفايتها بذلك إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل ، والرد على من استهوته القوانين الوضعية فزعم صلاحها وشمولها وكفايتها ، إن كان كذلك فدراسته إياها جائزة ، وإلا فلا تجوز دراستها ، وعليه أن يستغني بدراسة الأحكام الإسلامية في كتاب الله تعالى والثابتة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما درج عليه أئمة علماء الإسلام ، وطريقة سلف الأمة في دراستها والاستنباط منها .

ولا يجوز أن يعمل المسلم قاضياً إلا في المحاكم الشرعية ، التي تُطبق شرع الله في جميع أحكامها .

إذا كان في الاشتغال بالمحاماة أو النيابة والتحقيق في القضايا إحقاق للحق وإبطال للباطل شرعاً ورد الحقوق إلى أربابها ونصر للمظلوم ، فهو مشروع لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى وأخذ الأجر عليها جائز ، وإلا فلا يجوز لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان وقد قال الله تعالى " وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلبِرِّ وَٱلتَّقوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثمِ وَٱلعُدۡوَٰنِۚ " المائدة 2 .

لا يجوز لك أن تأخذ العلم إلا عن أهله الثقات المأمونين ، وخاصة العلوم الدينية والعربية ، وذلك متوفر بحمد الله في الدول الإسلامية ، فلا يجوز لك السفر إلى الدول الكافرة للدراسة بها ، إلا فيما لا يتيسر لك دراسته على المسلمين في البلاد الإسلامية من العلوم الدنيوية ، كالطب والهندسة ونحوهما ، ولم يتيسر استقدام من يُضطر إليه من المتخصصين الأمناء في العلوم الكونية إلى الدول الإسلامية ، للقيام بتدريسها للطلاب المسلمين ، وكانت أُمَّتُك مضطرة إلى هذه العلوم ، لتكتفي بأبنائها بعد التخرج في القيام بما تحتاج إليه عن استقدام كفار يقومون به ، وكنت في نفسك مُحَصَّناً في دينك بالثقافة الإسلامية ، لا يُخشى عليك من الفتن أيام دراستك في بلاد الكفار ، وإقامتك مدة الدراسة بين أظهرهم ، فيجوز لك حينئذ أن تسافر للدراسة في بلاد الكفار .

خير للمسلم أن يسكن مع المسلمين ، فإن الاختلاط بالكفار يُخشى منه الفتنة ، وتبلد النفس في النواحي الدينية ، والفتور أو الكسل عن أداء الواجب الإسلامي ونوافل الخير ، فتحري المسلم العزلة عنهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً أحفظ لدينه وأسلم لأخلاقه ، فإن اضطر أن يسكن مع عائلات فليكن مع عائلات إسلامية ، وليحذر من الخلوة بنساء أجنبيات منه ، ولا يجوز أن يسكن مع عائلات كافرة فيها رجال ونساء أو كلها نساء .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر