الدرس الثالث والثلاثون: من شروط الصلاة ستر العورة 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 28 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 3940 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله كفى والصلاة على المصطفى وبعد

تحدثنا في الدروس السابقة عن شروط الصلاة وما زلنا بها وآخر ما تحدثنا فيه ستر العورة ولم نكمله

وقبل الاسترسال في الموضوع لا بد أن نلخص ما ذكرناه عن ستر العورة ليرتبط بدرس اليوم

المسألة الأولى: ما الدليل من القرآن على أن من شرط صحة الصلاة ستر العورة ؟

الجواب: قال تعالى "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " آية 31 من سورة الأعراف

وهذه الآية رد على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطواف بالبيت عراة كما روي عن ابن عباس قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء، الرجال في النهار والنساء بالليل وكانت المرأة تقول

اليوم يبدو بعضه أو كله***وما بدا منه فلا أحله

أي أنها تضع يدها على فرجها

ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة يستحب التجمل عند الصلاة ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد والطيب لأنه من الزينة والسواك لأنه من تمام ذلك ومن أفضل اللباس البياض كما قال الإمام أحمد عن ابن عباس مرفوعاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلبسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم . انظر تفسير ابن كثير

المسألة الثانية: هل الإسبال يؤثر على صحة الصلاة ؟

الجواب: لا يؤثر غير أنه يأثم

المسألة الثالثة: هل فخذ الرجل عورة أم لا ؟

الجواب: عن الإمام أحمد رحمه الله أن عورة الرجل الفرجان فقط، ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد حسر عن فخذه وهو عليه السلام أشد الناس حياء. أخرجه البخاري عن أنس

ويقول ابن القيم في تهذيب السنن وطريق الجمع بين هذه الأحاديث ما ذكر غير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم أن العورة عورتان مخففة ومغلظة

فالمغلظة السوأتان والمخففة الفخذان

ويقول ابن حزم في كتابه المحلى 2/242 من الرجل الذكر وحلقة الدبر، أما الفخذ فليس بعورة ثم ساق الرواية عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ النبي صلى الله عليه وسلم ثم حسر الإزار عن فخذه حتى انظر إلى بياض فخذ الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر باقي الحديث . انظر صحيح البخاري 1/166

قال علي فصح أن الفخذ ليست عورة ولو كان عورة لما كشفها الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم المطهر المعصوم

والناس في حال النبوة والرسالة ولا أراها أنس بن مالك ولا غيره وهو تعالى قد عصمه من كشف العورة في حال الصبا وقبل النبوة

وجاء في حاشية الروض لابن قاسم ص 495

ولحديث جرهد الأسلمي "غط فخذك فإن الفخذ عورة" رواه مالك وأحمد والترمذي وحسنه وفيه أحاديث أخر قال الطحاوي قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار متواترة فيها أن الفخذ عورة وهو قول الجمهور

وقيل سماه عورة لتأكد استحباب ستره لما جاء عنه من حديث أنس وغيره في انحسار إزاره صلى الله عليه وسلم عن فخذه والأمر بستره أحوط

وجاء في بداية المجتهد ونهاية المقتصد للقرطبي ص222 حد العورة من الرجل ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد من السرة إلى الركبة والرواية الثانية لأحمد القبل والدبر

وقال قوم هما السؤتان فقط

وقال بعضهم العورة الدبر والفرج والفخذ وسبب الخلاف أثران متعارضان كلاهما ثابت أحدهما حديث جرهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفخذ عورة ، والثاني حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم حسر عن فخذه وهو جالس مع أصحابه

قال البخاري وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط

وقال النووي في المجموع ج3 ص170 وحديث أنس محمول على أنه انكشف الإزار وانحسر بنفسه لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم تعمد كشفها

وجاء في البخاري انظر المختصر للألباني ص107 باب ما يذكر في الفخذ

ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم: الفخذ عورة. وقال أنس حسر النبي صلى الله عليه وسلم عن فخذه ، قال البخاري وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحو ط حتى يخرج من اختلافهم

وقال أبو موسى غطى النبي صلى الله عليه وسلم ركبتيه حين دخل عثمان

وقال زيد بن ثابت أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي

وخلاصة القول والذي يترجح عندي والله أعلم أن السرة والركبة ليستا عورة وأن القبل والدبر عورة مغلظة يجب سترهما وأن الفخذ ليس بعورة ويتأكد استحباب ستره احتياطاً ويجب في حال خوف الفتنة وأداء الصلاة

المسألة الرابعة: ما حد عورة الرجل والمرأة في الصلاة وكذلك الأمه ؟

أولاً يرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن حد عورة الأمه كحد عورة الحرة ويرى ذلك أيضاً ابن حزم وقبل أن أسرد نص ما قاله اذكر رواية ذكرها ابن حزم مدللاً على أن الفخذ ليس بعورة قال حدثنا عبد الله بن يوسف......... حدثنا أيوب السختياني عن أبي العالية البراء قال إن عبد الله بن الصامت ضرب فخذي وقال إني سألت أبا ذر فضرب فخذي كما ضربت فخذك وقال إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك وقال صل الصلاة لوقتها فإن أدركتك الصلاة معهم فصل " في الأًصل فإن أدركت معهم "وتصحيحه من مسلم" ولا تقل إني قد صليت فلا أًصلي

قال ابن حزم فلو كانت الفخذ عورة لما مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي ذر أصلاً بيده المقدسة ولو كانت الفخذ عند أبي ذر عورة لما ضرب عليها يده وكذلك عبد الله بن الصامت وأبي العالية

وما يستحل مسلم أن يضرب بيده على ذكر إنسان على الثياب ولا على حلقة دبر الإنسان على الثياب ولا على بدن امرأة أجنبية على الثياب البته

وقال فإن ذكروا الأخبار الواهية في أن الفخذ عورة فهي كلها ساقطة وقال هذا الذي قلناه هو قول جمهور السلف

واختتم قوله بذكر رواية من طريق البخاري قال حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب وهو الجمحي ........ إلى أن قال فذكر يوم اليمامة فقال أتى أنس إلى ثابت بن قيس بن الشماس وقد حسر عن فخذيه وهو يتحنط يعني من الحنوط للموت قال البخاري ورواه حماد بن ثابت عن أنس

قال ابن حزم وهو قول ابن أبي ذئب وسفيان الثوري وأبي سليمان وبه نأخذ

نعود إلى رأي ابن حزم في الأمة في الصلاة قال وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله تعالى واحد والخلقة والطبيعة واحدة كل ذلك في الحرائر والإماء سواء حتى يأتي نص في الفرق بينهما في شيء فيوقف عنده وإذا تنازع السلف رضي الله عنهم وجب الرد إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه من القرآن والسنة وليس في القرآن ولا في السنة فرق في الصلاة بين حرة ولا أمه

وقد صح الإجماع والنص على وجوب الصلاة على الأمة كوجوبها على الحرة في جميع أحكامها . انظر المحلى لابن حزم

إذاً ابن حزم يرى أن الأمه كالحرة الطبيعة واحدة والخلقة واحدة والرق وصف عارض خارج عن حقيقتها وماهيتها ولا دليل على التفريق

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إن الإماء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كن لا يحتجبن كالحرائر لأن الفتنة بهن أقل فهن يشبهن القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً قال تعالى فيهن "ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة " سورة التوبة

ويقول أما الإماء التركيات الحسان فهذا لا يمكن أبداً أن يكن كالإماء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ويجب عليها أن تستر كل بدنها عن النظر في باب النظر وعلل ذلك بتعليل حقيقي مقبول فقال إن المقصود بالحجاب هو ستر ما يخاف منه الفتنة بخلاف الصلاة ولهذا يجب على الإنسان أن يستتر في الصلاة ولو كان خالياً في مكان لا يطلع عليه إلا الله

قال والعلة في النظر خوف الفتنة ولا فرق في هذا بين النساء الحرائر والنساء الإماء

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -27

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 120 الجزء الثالث ‌‌حكم الإسلام في إحياء الآثار - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر