الدرس الحادي والثلاثون: شروط الصلاة 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 28 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2034 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى وبعد

تحدثنا في الدرس السابق عن ستة شروط من شروط الصلاة وقبل أن نتحدث عن الشروط الباقية طرح علينا في الدرس السابق بعض المسائل ووعدنا بالإجابة عليها في درس اليوم

المسألة الأولى: ما صحة الحديث الذي رواه أبو داود بإسناده عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالاً أخذ في الإقامة فلما أن قال: قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم أقامها الله وأدامها ؟

الجواب: هذا الحديث ساقه ابن قدامه في كتابه المغني ص 427 فصل ويستحب أن يقول في الإقامة مثل ما يقول ويقول عند كلمة الإقامة أقامها وأدامها غير أن الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني ضعفه في كتابه ضعيف سنن أبي داود ص 51

المسألة الثانية: حكم أذان المؤذن وهو جنب إذا كانت المنارة داخل المسجد ؟

الجواب: قال الفقهاء رحمهم الله إنه يكره أذان الجنب دون أذان المحدث حدثاً أصغر هذا إذا لم تكن المنارة في المسجد فإن كانت في المسجد فإنه لا يجوز إلا بوضوء وقال شيخ الإسلام في الاختيارات ص 37 وأكثر الروايات عن أحمد المنع من أذان الجنب

هذا وقد بسطت الحديث في هذه المسألة في الدرسين السابقين

المسألة الثالثة: ما صحة الزيادة في الدعاء بعد الأذان وهي: إنك لا تخلف الميعاد ؟

الجواب: اختلف فيها المحدثون هل هي ثابتة أو ليست ثابتة ومن العلماء من قال إن سندها صحيح وأنها تقال وقال إنها لا تنافي غيرها ومن ذهب إلى تصحيحها الشيخ عبد العزيز بن باز وقال إن سندها صحيح حيث أخرجها البيهقي بسند صحيح انظر نصها في السنن الكبرى للبيهقي ج1 ص410

وبعد هذا نعود إلى درس اليوم لإكمال شروط الصلاة تحدثنا في الدرس السابق عن بعض شروط الصلاة ومما تحدثنا عنه من الشروط دخول الوقت وفصلنا ذلك لكل وقت من أوقات الصلاة

ونبدأ بذكر بعض المسائل المتعلقة بدخول الوقت إكمالاً للشرط السابق

مسألة: بأي شيء تدرك الصلاة ؟

الجواب: تدرك بإدراك ركعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " أخرجه البخاري

ولو أدرك ركعة قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغيب الشمس فقد أدرك العصر

وهذا رد على من قال تدرك الصلاة بتكبيرة الإحرام في وقتها وممن قال بذلك الإمام أحمد. انظر المبدع

مسألة: هل يصلي قبل غلبة ظنه بدخول وقتها

الجواب: لا بل يصلي إذا غلب على ظنه دخول الوقت

والدليل: أن بعض الصحابة أفطروا بغلبة الظن كما في حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس . أخرجه البخاري

وهنا أفطروا بغلبة الظن قطعاً لا باليقين فإذا جاز العمل بغلبة الظن في خروج الوقت وهو هنا وقت الصوم جاز العمل بغلبة الظن في دخول الوقت

ولا يصلي مع الشك وذلك لأن الأصل العدم فلا نعدل عن الأصل إلا بمسوغ شرعي

وإذا أخبرك من تثق به عن دخول الوقت جاز أن تصلي على خبره سواء كان إخباره عن يقين أو غلبة ظن وبعض من المؤذنين يكون أذانهم أحياناً على غلبة الظن كأيام الغيوم ممن لا يقرؤن التقاويم ولو أخبرتك امرأة بدخول الوقت عملت بقولها لأن هذا خبر ديني وليس بشهادة

ولم ينقل أن المرأة إذا حاضت في أثناء الوقت ألزمت بقضاء الصلاة التي حاضت في أثناء وقتها والأصل براءة الذمة ومن قال بذلك مالك ورواية عن أبي حنيفة وبناء عليه إذا زال التكليف أو وجد المانع في وقت واسع فإن هذه الصلاة لا يلزم قضاؤها

وأجابوا عن الحديث بأن قوله "من أدرك ركعة من الصلاة" فالإدراك يكون في الغالب في الأخير لقوله صلى الله عليه وسلم "ما أدركتم فصلوا " أي ما أدركتم من آخر صلاة الإمام

فالإدراك غالباً يكون في الأخير

فإذا أدرك من وقتها بقدر فعلها يكون قد أدركها أما إذا زال التكليف أو وجد المانع في وقت يجوز له التأخير فإنه ليس بآثم ولا معتدي فلا يلزم بالقضاء ولا يعتد بقول إذا طهرت بعد العصر تقضي العصر والظهر لعدم الدليل ومن يستند لقول عبد الرحمن بن عوف وابن عباس فهو ضعيف لذا نقول الظهر لا تقضى

ويجب فوراً قضاء الفوائت مرتباً

والواجب ما أمر به على وجه الإلزام والوجوب بمعنى الإلزام

ودليل وجوب القضاء قول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " أخرجه البخاري

واللام في قوله "فليصلها" للأمر والأمر للوجوب

ولا فرق بين أن يدعها عمداً بلا عذر أو يدعها لعذر وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم أن قضاء الفوائت واجب سواء تركها لعذر أم لغير عذر أي حتى المتعمد الذي تعمد إخراج الصلاة عن وقتها يقال له إنك آثم وعليك القضاء وهذا مذهب الأئمة الأربعة وجمهور أهل العلم

ويقضي الصلاة الفائتة التي فاتته على صفتها لأن القضاء يحكي الأداء فعلى هذا إذا قضى صلاة ليل في النهار جهر فيها بالقراءة

وإذا قضى صلاة نهار في ليل أسر فيها بالقراءة والدليل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " أخرجه البخاري

وكما أن الأمر عائد على ذات الصلاة فهو عائد إلى صفة الصلاة أيضاً ومن صفاتها الجهر بالقراءة في الليل والإسرار بالقراءة في النهار

ثانيا: حديث أبي قتادة في نومه عن صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم قال " فصلاها كما كان يصليها كل يوم" أخرجه البخاري

ثالثاً: أن القضاء يحكي الأداء أما أحمد فيقول ويجب القضاء فوراً قال تعالى "ويأتوكم من فورهم هذا" سورة آل عمران

أما الدليل على ذلك

أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " اللام للأمر والأصل في الأمر الوجوب والفورية

ثانياً: أن هذا دين واجب عليه والواجب المبادرة به لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له إذا أخر

ثالثاً: أن الإنسان إذا عود نفسه التهاون والتكاسل في الطاعات اعتادت هذا وصار ذلك خلقاً لها إذاً فلا بد من المبادرة

ويبدأ بها بالترتيب والرسول صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الصلاتين فيبدأ بالأولى كما فعل في عرفة ومزدلفة . أخرجه مسلم

سؤال: هل يسقط الترتيب بالنسيان والجهل ؟

الجواب: نعم

الأول النسيان فلو كان عليه خمس فرائض تبتدئ من الظهر فنسي فبدأ بالفجر مع أنها هي الأخيرة نقول قضاؤه صحيح لأنه نسي

والدليل عموم قوله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا

ثانياً: خشية خروج وقت اختيار الحاضرة

مثال ذلك رجل ذكر فائته وقد بقي على طلوع الشمس ما لا يتسع لصلاة الفائتة والفجر فنقول قدم الحاضرة وهي الفجر والدليل على ذلك

أولاً: أن الله أمر أن تصلي الحاضرة في وقتها فإذا صليت غيرها أخرجتها عن الوقت

ثانياً: أنك إذا قدمت الفائتة لم تستفد شيئاً بل تضررت لأنك إذا قدمت الفائتة صارت كلتا الصلاتين قضاء وإذا بدأت بالحاضرة صارت الحاضرة أداء والثانية قضاء وهذا أولى بلا شك

مسألة: هل يسقط الترتيب لغير ذلك ؟

الجواب: نعم يسقط بما لا يمكن قضاؤه على وجه الإنفراد كصلاة الجمعة وهو رواية عن الإمام أحمد صوبها المرداوي في الإنصاف ج 1ص 444

فإنه لو ذكر أن عليه فائتة بعد أن أقيمت صلاة الجمعة ولا يتمكن من قضائها وإدراك الجمعة فإنه يبدأ بالجمعة لأن فوات جماعة الجمعة كفوات الوقت لأنها لو فاتت الجماعة عليك فاتتك الجمعة ولا يمكن أن تصليها جمعة بعد فوات الجماعة فيها

مسألة: هل يسقط بالجهل ؟

لو جاءنا رجل يسأل ويقول علي فوائت فبدأت بصلاة المغرب ثم بالعصر ثم بالظهر جهلاً، على قولين في المسألة

الأولى: يعيد الصلاة مرتبة حيث لا تصح من غير ترتيب

القول الثاني: يسقط بالجهل لأن الجهل أخو النسيان كما في كتاب الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال تعالى "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " وقال صلى الله عليه وسلم "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أخرجه ابن ماجه عن أبي ذر وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وقال ابن رجب في شرح الأربعين هذا إسناده صحيح في ظاهر الأمر وصححه أحمد شاكر في تعليقه على الأحكام لابن حزم رحمه الله ولم أقف على قول للألباني فيه

فإذا كان جاهلاً فإنه لا يضره ونقول صلاتك صحيحة وهذا القول هو الصواب وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام . انظر الإنصاف والروض المربع مع حاشية ابن قاسم 1/490

وذهب بعض العلماء إلى أن الترتيب يسقط بخوف فوت الجماعة لا سيما على القول بأن الجماعة شرط لصحة الصلاة فيجب أن تقدم الصلاة الحاضرة مع الجماعة ثم يصلي الفائتة في حالة أنه لا يصح أن يصلي خلف من يصلي صلاة أخرى

مثال: الإمام يصلي الجمعة فلا يصح أن تصلي خلفه بنية الفجر

أما إذا كان في حالة الجواز فنقول صلى معهم في الجماعة وانو بها الصلاة التي عليك الفائتة

مثال ذلك: لو كان عليك الظهر وجئت وهم يصلون العصر فإنا نقول لك على القول الراجح ادخل معهم بنية الظهر واختلاف النية لا يضر

وخلاصة القول أنه يعذر في عدم الترتيب للفوائت في خمس أشياء

أولاً: النسيان

ثانياً: خوف خروج الوقت المختار أو غير المختار

ثالثاً ورابعاً: خوف فوات الجمعة أو الجماعة

خامساً: الجهل

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -27

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر