الدرس التاسع عشر: باب التيمم

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 18 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2838 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى وبعد

درس اليوم هو الدرس التاسع عشر من كتاب الطهارة باب التيمم

التيمم لغة القصد ومنه قوله تعالى: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون

تيمموا أي تقصدوا

وشرعاً التعبد لله تعالى بقصد الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين به وهو من خصائص هذه الأمة لما رواه جابر أنه قال: أعطيت خمساً لم يعطهن نبي من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل " أخرجه البخاري

وكانوا في السابق إذا لم يجدوا ماء بقوا حتى يجدوا الماء فيتطهرون به وفي هذا مشقة عليهم وحرمان للإنسان من الصلة بربه وإذا انقطعت الصلة بالله حدث للقلب قسوة وغفلة

وسبب نزول التيمم ضياع عقد عائشة رضي الله عنها التي كانت تتجمل به للنبي صلى الله عليه وسلم وكان عارية فلما ضاع بقي الناس يطلبونه فأصبحوا ولا ماء معهم

فأنزل الله آية التيمم فلما نزلت بعثوا البعير فوجدوا العقد تحته فقال أسيد ابن حضير رضي الله عنه "ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر " أخرجه البخاري

والتيمم ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع

أما من الكتاب فقد قال تعالى" وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج

الدليل من السنة: عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم فقال يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك " رواه البخاري

وعن عمار بن ياسر قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه . متفق عليه

الحكمة من مشروعيته

هي أن الله سبحانه قد رفع عن المسلمين الحرج والمشقة فيما كلفهم به من العبادات

والتيمم بدل طهارة الماء فهو ليس أصل لأن الله يقول "فلم تجدوا ماء فتيمموا" فهو بدل عن أصل وهو الماء

وهو رافع للحدث لقوله تعالى "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم " ولقوله صلى الله عليه وسلم " وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " والطهور بالفتح ما يتطهر به إضافة إلى أنه بدل والقاعدة الشرعية أن البدل له حكم المبدل فكما أن طهارة الماء ترفع الحدث فكذلك طهارة التيمم

فإذا تيمم لنافلة جاز أن يصلي به فريضة وإذا تيمم لفريضة جاز أن يصلي به نافلة ولا يبطل بخروج الوقت

قاعدة: للبدل حكم المبدل لكن إذا وجد المبدل وهو الماء بطلت طهارة التيمم وعليه أن يغتسل إن كان التيمم عن غسل وأن يتوضأ إن كان عن وضوء والدليل على ذلك ما يلي

حديث عمران بن الحصين الطويل وقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أًصابته جنابة ولا ماء عليك بالصعيد فإنه يكفيك ولما جاء الماء قال النبي صلى الله عليه وسلم خذ هذا وأفرغه عليك

فدل على أن التيمم يبطل بوجود الماء ولقوله صلى الله عليه وسلم " الصعيد الطاهر وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليتق الله ويمسه بشرته . أخرجه أحمد

الشروط: ويشترط للتيمم عدم الماء أو الضرر باستعماله وعدم الماء أي غير واجد للماء لا في بيته ولا في رحله إن كان مسافراً ولا ما قرب منه وإذا كان واجداً لثمنه قادراً عليه فيجب عليه أن يشتريه والدليل على ذلك قوله تعالى "فلم تجدوا ماء " فالله اشترط للتيمم عدم الماء والماء هنا موجود ولا ضرر عليه في شرائه لقدرته عليه وإذا وجد الماء وليس معه ثمنه أو معه ثمن ليس كاملاً فيعتبر عادماً للماء فيتيمم

وإذا تضرر بدنه في استعمال الماء صار مريضاً فيدخل في عموم قوله تعالى "وإن كنتم مرضا أو على سفر " الآية 2 من سورة المائدة

كما لو كان في أعضاء وضوئه قروح أو في بدنه كله عند الغسل قروح وخاف ضرر بدنه فله أن يتيمم

وكذا لو خاف البرد فإنه يسخن الماء فإن لم يجد ما يسخن به تيمم لأنه خشي على بدنه من الضرر وقد قال تعالى "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" واستدل عمرو بن العاص رضي الله عنه بهذه الآية على جواز التيمم عند البرد إذا كان عليه غسل . أخرجه البخاري معلقاً في كتاب التيمم

وإذا خشي ضرر بدنه بطلب الماء لبعده بعض الشيء أو لشدة برودة الجو فيتيمم والدليل على هذا قوله تعالى " ولا تقتلوا أنفسكم " وقوله " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وقوله " وما جعل عليكم في الدين من حرج " وخوف الضرر حرج وقوله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " وإذا خاف باستعمال الماء ضرر رفيقه تيمم

مثال ذلك: أن يكون معه ماء قليل ورفقة فإن استعمل الماء عطش الرفقة وتضرروا فنقول له تيمم ودع الماء للرفقة

فائدة: الرفيق يشمل المسلم والكافر بشرط أن يكون الكافر معصوماً والمعصوم هو الذمي والمعاهد والمسـتأمن

وكذا من خاف باستعمال الماء ضرر امرأته أو من له ولاية عليها من النساء تيمم

وكذا من كان معه حيوان وإذا استعمل الماء تضرر الحيوان أو هلك تيمم

الخلاصة: فما ذكرته أنه يجوز التيمم إذا تعذر استعمال الماء إما لفقده أو للتضرر باستعماله

ومن وجد ماء يكفي بعض طهره تيمم بعد استعماله

والدليل على ذلك قوله تعالى "فاتقوا الله ما استطعتم " وقوله صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" أخرجه البخاري

ومن جرح تيمم له وغسل الباقي ومن أصابه بول على بدنه ولا ماء عنده يزيلها به تيمم عن الوضوء وليس عن النجاسة ويسقط عنه وجوب إزالة النجاسة لعدم الماء وكذا لو حبس في مكان نجس كالمرحاض فيتوضأ ويصلي على حسب حاله ولا يتيمم للنجاسة

وإن حبس في مصر ولم يجد ماء ولا تراباً صلى على حسب حاله ولا إعادة عليه ولا يؤخر صلاته حتى يقدر على إحدى الطهارتين أو التراب

والدليل قوله تعالى "فاتقوا الله ما استطعتم " وقوله صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وقوله صلى الله عليه وسلم " أيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل

ولا يخص التيمم بالتراب بل بكل ما تصاعد على وجه الأرض

والدليل قوله تعالى " فتيمموا صعيداً طيبا " والله سبحانه يعلم أن الناس يطرقون في أسفارهم أراضي رملية وحجرية وترابية فلم يخصص شيئاً دون شيء وهذا اختيار شيخ الإسلام وابن القيم والسعدي فالمذهب يشترط أن يكون التيمم بالتراب غير أن هؤلاء يقولون يصح بكل أجزاء الأرض والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك مر برمال كثيرة ولم ينقل أنه كان يحمل التراب معه أو يصلي بلا تيمم والذي يترجح عندي أن التيمم يكون بالتراب أو الرمل

ومن شرط الصعيد أن يكون طهوراً فالتراب النجس الذي أصابه بول ولم يطهر من ذلك البول لا يصح التيمم به

لقوله تعالى " فتيمموا صعيداً طيبا" والطيب ضد الخبيث ولا نعلم خبيثاً يوصف به الصعيد أن يكون نجساً

فالصعيد الذي يتيمم به يشمل كل ما على الأرض من تراب ورمل

لأن الله يقول "فتيمموا صعيداً طيبا" وأنه كان صلى الله عليه وسلم يسافر في الأرض الرملية والتي أصابها مطر ولم ينقل عنه ترك التيمم ولو غصب أرضاً فإنه يصح التيمم منه

لكن قال الفقهاء رحمهم الله يكره الوضوء من ماء بئر في أرض مغصوبة

وفروض التيمم مسح وجهه ويديه إلى كوعيه والترتيب والموالاة والنية

والدليل على ذلك قوله تعالى " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه "

والكوع هو العظم الذي يلي الإبهام وأنشدوا

وعظم يلي الإبهام كوع***وما يلي لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط

والرسغ هو الواقع بين الكوع والكرسوع، والكرسوع هو امتداد الخنصر، والكوع امتداد الإبهام

والدليل على أن المسح إلى الكوعين قوله تعالى "وأيديكم منه" واليد إذا أطلقت فالمراد بها الكف بدليل قوله تعالى " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " والقطع إنما يكون من الكف

ولحديث عمار بن ياسر وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا وضرب بيديه الأرض ومسح الكفين فقط . أخرجه البخاري ولم يمسح الذراع

مبطلات التيمم

يبطل التيمم بمبطلات الوضوء أي نواقض الوضوء

مثال ذلك: إذا تيمم عن حدث أصغر ثم بال أو تغوط بطل تيممه لأن البدل له حكم المبدل

وكذا التيمم عن الأكبر يبطل بموجبات الغسل وهذا ظاهر جداً كما يبطل بوجود الماء ولو في الصلاة لا بعدها

يبطل التيمم بوجود الماء ولو في الصلاة لقوله تعالى "فلم تجدوا ماء فتيمموا " ولقوله صلى الله عليه وسلم " فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته " أخرجه أحمد

إضافة أن التيمم بدل عن طهارة الماء عند فقده فإذا وجد الماء زالت البدلية فيزول حكمها فحينئذ يجب عليه الخروج من الصلاة ويتوضأ ويسـتأنف الصلاة

أما إذا وجد الماء بعد الصلاة فلا يلزمه الإعادة

والدليل على هذا ما رواه أبو داود في قصة الرجلين اللذين تيمماً ثم صليا ثم وجدا الماء في الوقت فأما أحدهما فلم يعد الصلاة وأما الأخر فتوضأ وأعاد فقدما على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه الخبر فقال للذي لم يعد أصبت السنة وقال للذي أعاد لك الأجر مرتين . أخرجه أبو داود

ولا يتعين تأخير الصلاة رجاء حضور الماء لعوم قوله صلى الله عليه وسلم " أيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل " إضافة إلى أن علمه بذلك ليس مؤكداً فقد يتخلف لأمر من الأمور

صفة التيمم: أن تضرب الأرض سواء كانت تراباً أم رملاً واحدة بلا تفريج للأصابع وتمسح وجهك بكفيك ثم تمسح الكفين بعضهما ببعض

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -17

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر