الدرس الثامن عشر: مسائل في الغسل

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 18 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 3094 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن غسل الجنابة هل هو فرض أم لا ؟ وهل يجوز لأحد الصلاة جنبا ولا يعيد ؟

فأجاب: الطهارة من الجنابة فرض ليس لأحد أن يصلي جنبا ولا محدثا حتى يتطهر ومن صلى بغير طهارة شرعية مستحلا لذلك فهو كافر ولو لم يستحل ذلك فقد اختلف في كفره وهو مستحق للعقوبة الغليظة

وقال وإن تعذر الغسل والتيمم صلى بلا غسل ولا تيمم في أظهر أقوال العلماء ولا إعادة عليه والله أعلم

وسئل عن رجل يلاعب امرأته ثم بعد ساعة يبول فيخرج شبه المني بألم وعصر فهل يجب عليه الغسل ؟

فأجاب: المني الذي يوجب الغسل هو الذي يخرج بشهوة وهو أبيض غليظ تشبه رائحته رائحة الطلع فأما المني الذي يخرج بلا شهوة إما لمرض أو غيره فهذا فاسد لا يوجب الغسل عند أكثر العلماء كمالك وأبي حنيفة وأحمد كما أن دم الاستحاضة لا يوجب الغسل والخارج عقيب البول تارة مع ألم أو بلا ألم هو من هذا الباب لا غسل فيه عند جمهور العلماء والله أعلم

وسئل عن رجل اغتسل ولم يتوضأ فهل يجزيه ذلك أم لا ؟

فأجاب: الأفضل أن يتوضأ ثم يغسل سائر بدنه ولا يعيد الوضوء . كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل
ولو اقتصر على الاغتسال من غير وضوء أجزأه ذلك في المشهور من مذهب الأئمة الأربعة

لكن عند أبي حنيفة وأحمد عليه المضمضة والاستنشاق وعند مالك والشافعي ليس عليه ذلك

وهل ينوي رفع الحدثين فيه نزاع بين العلماء والله أعلم

سُئِلَ‏ أيما أفضل للجنب أن ينام على وضوء‏ أو يكره له النوم على غير وضوء‏؟‏ وهل يجوز له النوم في المسجد إذا توضأ من غير عذر أم لا ‏؟

فأجاب: الجنب يستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يعاود الوطء، لكن يكره له النوم إذا لم يتوضأ، فإنه قد ثبت في الصحيح‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل هل يرقد أحدنا وهو جنب‏ فقال ‏نعم، إذا توضأ للصلاة‏ ويستحب الوضوء عند النوم لكل أحد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل‏ ‏إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم قل‏ اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت

وليس للجنب أن يلبث في المسجد لكن إذا توضأ جاز له اللبث فيه عن أحمد وغيره

وسئل مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز غفر الله له

هل غسل الجمعة واجب أم مستحب ؟

الجواب: الغسل يوم الجمعة سنة مؤكدة؛ لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: قوله صلى الله عليه وسلم غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستاك ويتطيب، وقوله صلى الله عليه وسلم" من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام" رواه مسلم في صحيحه

وفي لفظ له: من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصا فقد لغا" مع أحاديث كثيرة في الباب
وقوله صلى الله عليه وسلم" واجب على كل محتلم" معناه عند أكثر أهل العلم متأكد، كما تقول العرب "العدة دين، وحقك علي واجب"، ويدل على هذا المعنى اكتفاؤه صلى الله عليه وسلم بالوضوء في بعض الأحاديث وهكذا الطيب، والاستياك، ولبس الحسن من الثياب، والتبكير إلى الجمعة، كله من السنن المرغب فيها، وليس شيء منها واجباً

سئل: هل خروج المذي يوجب الغسل ؟

الجواب: خروج المذي لا يوجب الغسل، ولكن يوجب الوضوء بعد غسل الذكر والأنثيين إذا أراد أن يصلي أو يطوف أو يمس المصحف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنه قال: "فيه الوضوء"، وأمر من أصابه المذي أن يغسل ذكره وأنثييه
وإنما الذي يوجب الغسل هو المني، إذا خرج دفقاً بلذة، أو رأى أثره بعد اليقظة من نومه ليلاً أو نهاراً

سئل: حين يتبول شخص ويخرج من ذكره مني ما حكم هذا الخارج وهل يوجب الغسل ؟

الجواب: إذا كان المني خرج من دون شهوة فليس فيه غسل ويكفي الاستنجاء لأنه تابع للبول

سئل: أنا امرأة متزوجة ومريضة بحساسية في الصدر، وعندي نزلة طوال العام، فكيف أصلي هل أغتسل وبدون غسل الرأس ومسحه فقط علماً بأنني أصاب بالنزلة عند غسل الرأس مرات في الأسبوع، وكثيراً ما أترك الصلاة؛ لعدم قدرتي على غسل الرأس ومسحه فقط الخ ؟

الجواب: إذا كان يضرك غسل الرأس من الجنابة والحيض كفاك مسحه؛ لقول الله تعالي: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ

وقول النبي صلى الله عليه وسلم:ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم

سئل: هل الجنب يقرأ كتاب الله غيباً، وإذا لم يجز ذلك فهل يستمع له ؟ جزاكم الله خيراً

الجواب: الجنب لا يجوز له قراءة القرآن، لا من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة

أما الاستماع لقراءة القرآن فلا حرج في ذلك للجنب بل يستحب له ذلك لما فيه من الفائدة العظيمة من دون مس المصحف ولا قراءة منه للقرآن والله الموفق

سئل: إنني أقوم بقراءة بعض تفاسير القرآن ولست على طهارة كالدورة الشهرية مثلا فهل في ذلك حرج علي وهل يلحقني إثم على ذلك ؟

الجواب: لا حرج على الحائض والنفساء في قراءة كتب التفاسير، ولا في قراءة القرآن من دون مس المصحف في أصح قولي العلماء، أما الجنب فليس له قراءة القرآن مطلقاً حتى يغتسل، وله أن يقرأ في كتب التفسير والحديث وغيرهما من دون أن يقرأ ما في ضمنها من الآيات؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يحجزه شيء عن قراءة القرآن إلا الجنابة، وفي لفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في ضمن حديث رواه الإمام أحمد بإسناد جيد، عن علي رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: فأما الجنب فلا ولا آية

وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله

إذا اغتسل الإنسان ولم يتمضمض ولم يستنشق فهل يصح غسله ؟

فأجاب بقوله: لا يصح الغسل بدون المضمضة والاستنشاق، لأن قوله تعالى "وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا" يشمل البدن كله، وداخل الفم وداخل الأنف من البدن الذي يجب تطهيره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق في الوضوء، لدخولهما في قوله تعالى"واغْسِلُوا وُجُوهَكُم" فإذا كانا داخلين في غسل الوجه والوجه مما يجب تطهيره وغسله في الطهارة الكبرى كان واجباً على من اغتسل من الجنابة أن يتمضمض ويستنشق

وسئل هل يجزئ الغسل غير المشروع عن الوضوء ؟

فأجاب قائلاً: الغسل غير المشروع لا يجزئ عن الوضوء لأنه ليس بعباده

وسئل هل الاستحمام يكفي عن الوضوء ؟

فأجاب قائلاً: الاستحمام إن كان عن جنابةٍ فإنه يكفي عن الوضوء لقوله تعالى "وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا"، فإذا كان على الإنسان جنابة وانغمس في بركة أو في نهر أو ما أشبه ذلك، ونوى بذلك رفع الجنابة وتمضمض واستنشق، فإنه يرتفع الحدث عنه الأصغر والأكبر، لأن الله تعالى لم يوجب عند الجنابة سوى أن نطهر، أي أن نعم جميع البدن بالماء غسلاً، وإن كان الأفضل أن المغتسل من الجنابة يتوضأ أولاً، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل فرجه بعد أن يغسل كفيه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه، فإذا ظن أنه أروى بشرته، أفاض عليه ثلاث مرات، ثم يغسل باقي جسده

وسئل: عن المرأة إذا كانت عليها جنابة واغتسلت هل تغسل شعرها حتى يدخل الماء إلى البشرة ؟

فأجاب قائلاً: الغسل من الجنابة أو غيرها من موجبات الغسل فيه إيصال الماء إلى منبت الشعر، سواء كان ذلك من الرجال أو من النساء، لقوله تعالى "وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُو"، ولا يجوز لها أن تغسل ظاهر الشعر فقط، بل لابد أن يصل الماء إلى أصول الشعر إلى جلدة الرأس
ولكن إذا كان مجدلا فإنه لا يجب عليها نقضه بل يجب عليها أن يصل الماء إلى كل الشعرات بأن تضع الجديلة تحت مصب الماء ثم تعصره حتى يدخل الماء إلى جميع الشعر

وسئل هل يحرم على الجنب والحائض لمس الكتب والمجلات التي تشمل على آيات قرآنية ؟

فأجاب بقوله: لا يحرم على الجنب ولا على الحائض ولا على غير المتوضئ لمس شيء من الكتب أو المجلات التي فيها شيء من الآيات لأن ذلك ليس بمصحف

وسئل عن حكم السائل الذي يخرج بعد الغسل من الجنابة ؟

فأجاب بقوله: هذا السائل الذي يخرج بعد الغسل إذا لم يكن هناك شهوة جديدة أوجبت خروجه فإنه بقية ما كان من الجنابة الأولى فلا يجب الغسل منها وإنما عليه أن يغسله ويغسل ما أصابه ويعيد الوضوء فقط

وسئل عن الفرق بين المني والمذي والودي ؟

فأجاب بقوله: أن المني غليظ له رائحة ويخرج دفقاً عند اشتداد الشهوة

وأما المذي فهو ماء رقيق وليس له رائحة المني، ويخرج بدون دفق ولا يخرج أيضاً عند اشتداد الشهوة بل عند فتورها. فإذا فترت تبين للإنسان
أما الودي فإنه عصارة تخرج بعد البول نقط بيضاء في آخر البول
هذا بالنسبة لماهية هذه الأشياء الثلاثة
أما بالنسبة لأحكامها

فإن الودي له أحكام البول من كل وجه
والمذي يختلف عن البول بعض الشيء في التطهر منه، لأن نجاسته أخف فيكفي فيه النضح، وهو أن يعم المحل الذي أصابه بالماء بدون عصر وبدون فرك، وكذلك يجب فيه غسل الذكر كله والأنثيين وإن لم يصبهما
أما المني فإنه طاهر لا يلزم غسل ما أصابه إلا على سبيل إزالة الأثر وهو موجب للغسل، وأما المذي والودي والبول فكلها توجب الوضوء

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -17

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر