الدرس الثاني عشر: مسائل في فروض الوضوء وصفته

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 15 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 3072 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

تحدثنا في الدرس الماضي عن سنن الوضوء وفروضه وصفته وننتقل بعد ذلك إلى الفتاوى

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسح الرأس في الوضوء من العلماء من أوجب جميع الرأس ومنهم من أوجب ربع الرأس ومنهم من قال بعض شعره يجزئ

فما ينبغي أن يكون الصحيح من ذلك بينوا لنا ذلك ؟

فأجاب: الحمد لله، اتفق الأئمة كلهم على أن السنة مسح جميع الرأس كما ثبت في الأحاديث الصحيحة والحسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الذين نقلوا وضوءه لم ينقل عنه أحد منهم أنه اقتصر على مسح بعض رأسه وما يذكره بعض الفقهاء كالقدوري في أول مختصره وغيره أنه توضأ ومسح على ناصيته إنما هو بعض الحديث الذي في الصحيح من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم: توضأ عام تبوك ومسح على ناصيته

ولهذا ذهب طائفة من العلماء إلى جواز مسح بعض الرأس وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وقول في مذهب مالك وأحمد وذهب آخرون إلى وجوب مسح جميعه وهو المشهور من مذهب مالك وأحمد وهذا هو القول الصحيح فإن القرآن ليس فيه ما يدل على جواز مسح بعض الرأس

س: هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على عنقه في الوضوء أو أحد من الصحابة رضي الله عنهم ؟

فأجاب: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على عنقه في الوضوء بل ولا روي عنه ذلك في حديث صحيح بل الأحاديث الصحيحة التي فيها صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح على عنقه ولهذا لم يستحب ذلك جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهم

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية

الموالاة في الوضوء فيها ثلاثة أقوال

أحدها: الوجوب مطلقاً كما يذكره أصحاب الإمام أحمد وهو القول القديم للشافعي

الثاني: عدم الوجوب مطلقاً كما هو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد والقول الجديد للشافعي

والثالث: الوجوب إلا إذا تركها لعذر مثل عدم تمام الماء كما هو المشهور في مذهب مالك وهو قول في مذهب أحمد

قلت هذا القول الثالث هو الأظهر والأشبه بأصول الشريعة

وسئل عمن يغسل أطرافه فوق الخمس مرات وإذا أتى المسجد يبسط سجادته تحت قدميه إلى آخر السؤال ؟

فأجاب: ما ذكره من الوسوسة في الطهارة مثل غسل العضو أكثر من ثلاث مرات والامتناع من الصلاة على حصر المسجد ونحو ذلك هو أيضاً بدعة وضلالة باتفاق المسلمين وليس ذلك مستحباً ولا طاعة ولا قربة

ومن فعل ذلك على أنه عبادة وطاعة فإنه ينهي عن ذلك فإن امتنع عزر على ذلك فقد كان عمر رضي الله عنه يعزر الناس على الصلاة بعد العصر مع أن جماعة فعلوه لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعله وداوم عليه لكن لما كان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الفجر حتى تطلع الشمس كان عمر يضرب من فعل هذه الصلاة فضرب هؤلاء المبتدعين في الطهارة والصلاة لكونها بدعة مذمومة باتفاق المسلمين أولى وأحرى. والله أعلم

س: أيهما أفضل المداومة على الوضوء أم ترك المداومة ؟

فأجاب: أما الوضوء عند كل حدث ففيه حديث بلال المعروف عن بريدة بن حصيب قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال يا بلال بم سبقتني إلى الجنة ؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعة خشخشتك أمامي ! دخلت البارحة الجنة فسمعة خشخشتك أمامي فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب فقلت لمن هذا القصر ؟

فقالوا لرجل عربي فقلت أنا عربي ! لمن هذا القصر قالوا رجل من قريش قلت أنا من قريش لمن هذا القصر قالوا لعمر بن الخطاب

فقال بلال يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله على ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما

قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وهذا يقتضى استحباب الوضوء عند كل حدث ولا يعارض ذلك الحديث الذي في الصحيح عن ابن عباس قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء من الغائط

فأتى بطعام فقيل له ألا تتوضأ قال لم أصل فأتوضأ

فإن هذا ينفي وجوب لوضوء وينفي أن يكون مأموراً بالوضوء لأجل مجرد الأكل ولم نعلم أحد أوجب الوضوء للأكل وهل يكره أو يستحب على قولين هما روايتان عن أحمد

وسئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنكم تأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء" وهذه صفة المصلين فبم يعرف غيرهم من المكلفين التاركين والصبيان ؟

فأجاب: الحمد لله رب العالمين هذا الحديث دليل على أنه إنما يعرف من كان أغر محجل وهم الذين يتوضؤن للصلاة وأما الأطفال فهم تبع للرجال

وأما من لم يتوضأ قط ولم يصل فإنه دليل على أنه لا يعرف يوم القيامة

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن حكم التلفظ بالنية في الصلاة والوضوء والطواف والسعي ؟

فأجاب: حكم ذلك أنه بدعة لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه فوجب تركه والنية محلها القلب

فلا حاجة مطلقاً إلى التلفظ بالنية والله ولي التوفيق

وذكر الشيخ للمريض عدة حالات في طهارته

أولاً: إن كان مرضه يسيراً لا يخاف من استعمال الماء معه تلفاً ولا مرضاً مخوفاً ولا إبطاء برئه ولا زيادة ألم ولا شيئاً فاحشا وذلك كصداع ووجع ضرس ونحوهما أو ما كان ممن يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه فهذا لا يجوز عليه التيمم لأن إباحته لنفي الضرر ولا ضرر عليه ولأنه واجد للماء فوجب عليه استعماله

ثانياً: إن كان به مرض يخاف معه تلف النفس أو تلف عضو أو حدوث مرض يخاف معه تلف النفس أو تلف عضو أو فوات منفعة فهذا يجوز له التيمم لقوله تعالى "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما

ثالثا: وإن كان به مرض لا يقدر معه على الحركة ولا يجد من يناوله الماء جاز له التيمم

رابعاً: من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء فأجيب جاز له التيمم للأدلة السابقة وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي

خامساً: مريض في محل لم يجد ماء ولا تراباً ولا من يحضر له الموجود منها صلى على حسب حاله وليس له تأجيل الصلاة لقوله تعالى "فاتقوا الله ما استطعتم

سادساً: المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ويغسل ما يصيب بدنه ويجعل للصلاة ثوباً طاهراً إن لم يشق عليه ذلك وإلا عفي عنه لقوله تعالى "وما جعل عليكم في الدين من حرج " ويحتاط لنفسه احتياطاً يمنع انتشار البول في ثوبه أو وجسمه أو مكان صلاته

وسئل الشيخ محمد بن عثيمين عن التسمية في الوضوء هل هي واجبة ؟

فأجاب: التسمية في الوضوء ليست بواجبة ولكنها سنة

وسئل عن صفة الوضوء ؟

فأجاب: صفة الوضوء الشرعي على وجهين

صفة واجبة لا يصح الوضوء إلا بها وهي المذكورة في قوله تعالى "يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين" وهي غسل الوجه مرة واحدة ومنه المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين إلى المرفقين من أطراف المصابع إلى المرافق مرة واحدة ويجب أن يلاحظ المتوضئ كفيه عند غسل ذراعيه فيغسلهما مع الذراعين فإن بعض الناس يغفل عن ذلك ولا يغسل إلا ذراعيه وهو خطأ ثم يمسح الرأس مرة واحدة ومنه أي من الرأس الأذنان وغسل الرجلين إلى الكعبين مرة واحدة هذه هي الصفة الواجبة التي لا بد منها

أما الوجه الثاني من صفة الوضوء فهي الصفة المستحبة ونسوقها الآن بمعونة الله وهي أن يسمي الإنسان عند وضوئه ويغسل كفيه ثلاث مرات ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات بثلاث غرفات ثم يغسل وجهه ثلاثاً ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً يبدأ باليمنى ثم اليسرى ثم يمسح رأسه مرة واحدة يبل يديه ثم يمرها من مقدم رأسه إلى مؤخره ثم يعود إلى مقدمه ثم يمسح أذنيه فيدخل سباحتيه في صماخيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً يبدأ باليمنى ثم اليسرى ثم يقول بعد ذلك أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فإنه إن فعل ذلك فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء هكذا صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قاله عمر رضي الله عنه

وسئل هل يلزم المتوضئ أن يأخذ ماءً جديداً لأذنيه ؟

فأجاب الشيخ بقوله: لا يلزم أخذ ماء جديد للأذنين بل ولا يستحب على القول الصحيح لأن جميع الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه كان يأخذ ماءً جديداً لأذنيه فالأفضل أن يمسح أذنيه ببقية البلل الذي بقي بعد مسح رأسه

وسئل إذا اشتغل الإنسان بإزالة بوية من يديه عند الوضوء فهل تنقطع الموالاة ويلزمه إعادة الوضوء أم لا ؟

فأجاب: لا تنقطع الموالاة بذلك ولا يضره لأن هذا الأمر يتعلق بطهارته ومثل ذلك ما لو نفد الماء وجعل يستخرجه من البئر ونشفت أعضاءه أو انتقل من صنبور إلى صنبور لتحصيل الماء فإن هذا لا يضر لأنه أمر يتعلق بطهارته

أما إذا فاتت الموالاة بأمر لا يتعلق بطهارته مثل أن يجد على ثوبه دماً في أثناء وضوئه فاشتغل بإزالة ذلك الدم حتى نشفت الأعضاء وفاتت الموالاة فحينئذ يجب عليه أن يعيد الوضوء لأن هذا لا يتعلق بطهارته

وسئل إذا توضأ الإنسان لرفع الحدث ولم ينو صلاة فهل يجوز أن يصلي بذلك الوضوء ؟

فأجاب: إذا توضأ الإنسان بغير نية الصلاة وإنما توضأ لرفع الحدث فقط فله أن يصلي ما شاء من فروض ونوافل حتى تنتقض طهارته

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -14

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر