الدرس الحادي عشر: باب فروض الوضوء وصفته

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 15 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2606 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

تحدثنا في الدرس الماضي عن السواك وسنن الوضوء أو سنن الفطرة وقلنا أن السواك سنة من سنن المرسلين وأول من إستاك إبراهيم عليه السلام وقد ورد في بيانه أكثر من 100 حديث منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " وقوله صلى الله عليه وسلم " لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " وسقنا أقوال ابن القيم من كتاب زاد المعاد في فوائد السواك وقلنا أن السواك سنة كل وقت للصائم قبل الزوال وبعد الزوال ومن كره السواك بعد الزوال بحجة قول الرسول صلى الله عليه وسلم " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " فإن من الناس من تخرج منه رائحة قبل الزوال ومنهم من لا تخرج منه رائحة وذكرنا أن السواك يكون باليد اليمنى واليسرى وهو رأي مالك بحسب الحال وابن تيمية باليسرى ونقول الأمر موسع

ثم تحدثنا عن سنن الوضوء وقلنا أن التسمية سنة بدليل أن الله قال " يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم " ولم يقل أيديكم وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم الأعرابي الوضوء ولم يذكر التسمية وقلنا أن البدء بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه أفضل والاستنشاق ومج الماء بعد المضمضة أكمل ويكون ثلاث مرات بثلاث غرفات وقلنا أن المبالغة في المضمضة والاستنشاق سنة إلا أن يكون صائماً فعندئذ يكون مكروهاً والتيامن سنة وهو البدء باليمنى من اليدين والرجلين قبل اليسرى وقلنا أن غسل العضو مرة واحدة واجب والثانية والثالثة أكمل

ثم تحدثنا عن سنن الفطرة وبدأنا بالحديث عن الكحل وقلنا أنه سنة إذا كان بالإثمد لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وتتأكد مشروعيته للمرأة ولمن كان بعينه عيب ثم تحدثنا عن الختان وقلنا أنه واجب في حق الرجل إذا لم يخف على نفسه من الضرر وذلك عند البلوغ وسنة في حق المرأة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم للخاتنة " أشمي ولا تنهكي فإنه أبهى للوجه وأحظى للمرأة عند زوجها " ثم عرجنا على القزع وهو حلق جزء من الرأس وترك الآخر وقلنا أنه مكروه ومحرم إذا كان للتشبه بالكفار ثم تحدثنا عن الخضاب وقلنا أنه سنة بغير السواد وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخضب بالكتم والأصفر والحناء ثم ذكرنا أنه لا يجوز أن يترك الشارب بدون قص أو الإبط بدون نتف أو العانة بدون حلق والإظفر بدون قص أكثر من أربعين ليلة كما ذكر ذلك أنس أنه صلى الله عليه وسلم وقت لنا ذلك والمشروع في الشارب قصة لا حلقه

ثم ختمنا حديثنا بالفتاوى وذكرنا أن تخليل اللحية الكثيفة سنة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يداوم على تخليل لحيته الكثيفة وذكرنا حديثاً رواه الترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته وصححه الترمذي وقال البخاري عنه إنه أصح شيء في هذا ثم ذكرنا فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز بأن طيب الكولونيا لا يجوز استعماله غير أنه لا يؤثر على صحة الوضوء ولا يؤثر على طهارة الثوب إذا أصابه شيء من ذلك كما ذكرنا أنه لا يجوز أخذ شعر الحاجبين ولا التخفيف منها

وأخيراً رأي الشيخ محمد بن عثيمين عن حكم إطالة شعر الرأس للرجل فقال إن هذه من عادات الناس كما ذكر أنه يجوز للمرأة أن تصبغ شعر رأسها بغير السواد ما لم يكن في ذلك تشبه برؤوس الكافرات والعاهرات فإن ذلك حرام وذكر أن دفن الأظافر والشعر بعد قصة أولى وأحسن

كما ذكر أنه يجوز للمرأة أن تأخذ من شعر رأسها من قدام ومن خلف على وجه لا تصل إلى حد التشبيه برأس الرجل وأنا أكره ذلك وأخيراً لا يجوز للمرأة أن تستعمل الباروكة "الشعر المستعار" إلا إذا كان لستر عيب لأن إزالة العيوب جائزة

ودرس اليوم هو الدرس الحادي عشر من دروس الفقه الإٍسلامي كتاب الطهارة باب فروض الوضوء وصفته

الفروض جمع فرض

والفرض في اللغة يدل على معان أصلها الحز والقطع فالحز قطع بدون إبانة والقطع حز مع إبانة

وفي الشرع عند أكثر العلماء مرادف للواجب أي بمعناه وهو ما أمر به على سبيل الإلزام أي بالفعل وحكمه أن فاعله مثاب وتاركه مستحق للعقاب

والمراد بفروض الوضوء هنا أركان الوضوء

وبهذا نعرف أن العلماء رحمهم الله قد ينوعون العبادات ويجعلون الفروض أركاناً والأركان فروضاً

والوضوء في اللغة مشتق من الوضاءة وهي النظافة والحسن وشرعاً التعبد لله عز وجل بغسل الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة

والصفة هي الكيفية التي يكون عليها

وللوضوء صفتان صفة واجبة وصفة مستحبة ودليل مشروعيته من الكتاب قول الله تعالى "يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأمسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين" ومن السنة روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " رواه الشيخان

والدليل الثالث الإجماع: انعقد إجماع المسلمين على مشروعية الوضوء من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا فصار معلوماً من الدين بالضرورة

وأما عن فضله فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط " رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي

وقبل الحديث عن فروض الوضوء لا بد لنا من وقفة مع الشروط

فالشروط هي الإسلام والعقل والتمييز والنية

فلا يصح الوضوء من كافر ولا من مجنون ولا من صغير لا يميز ولا من من لم ينو الوضوء مثل من نوى تبرداً أو غسل أعضاءه ليزيل عنها نجاسة أو وسخاً

ويشترط للوضوء أيضاً أن يكون الماء طهوراً كما سبق في أول درس فإن كان نجساً لم يجزئه وكذلك يشترط للوضوء أن يسبقه استنجاء أو استجمار كما سبق تفصيله في درس سابق

ويشترط للوضوء أيضاً إزالة ما يمنع وصول الماء إلى الجلد فلا بد للمتوضئ أن يزيل ما على أعضاء الوضوء من طين أو عجين أو شمع أو وسخ متراكم أو أصباغ سميكة ليجري الماء على جلد العضو مباشرة من غير حائل

سؤال: ما حكم الوضوء ؟

الجواب: قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الصلاة وحكم ترك الوضوء والغسل من الجنابة واستقبال القبلة وستر العورة حكم تارك الصلاة

سؤال: هل الوضوء من خصائص هذه الأمة ؟

الجواب: قال ابن حجر في فتح الباري ج1،ص207 واستدل الحليمي بهذا الحديث أي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة وفيه نظر لأنه ثبت عند المصنف أي البخاري في قصة سارة رضي الله عنها مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي، وفي قصة جريج الراهب أيضاً أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء وقد صرح بذلك في رواية لمسلم عن أبي هريرة مرفوعاً "سيما ليست لأحد غيركم" وسيما أي علامة

وفروض الوضوء ستة

أولاً: غسل الوجه والفم والأنف منه

والغسل يخرج المسح فلا بد من الغسل فلو بللت يدك بالماء ثم مسحت بها وجهك لم يكن ذلك غسلاً

والغسل أن يجري الماء على العضو

والوجه هو ما تحصل به المواجهة وحده طولاً من منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية وعرضاً من الأذن إلى الأذن وقولنا من منحنى اللحية هو بمعنى قول بعضهم من منابت شعر الرأس المعتاد لأنه يصل إلى حد الجبهة وهو المنحنى وهذا هو الذي تحصل به المواجهة

والدليل قوله تعالى "يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" والفم والأنف منه لوجودهما فيه وداخلان في حده وعلى هذا فالمضمضة والاستنشاق من فروض الوضوء لكنهما غير مستقلين فهما يشبهان قوله صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه

ثانياً: غسل اليدين إلى المرفقين

والمرفق هو المفصل الذي بين العضد والذراع وسمي بذلك من الإرتفاق لأن الإنسان يرتفق عليه أي يتكئ والدليل على دخول المرفقين قوله تعالى "وأيديكم إلى المرافق" وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم لها بفعله حيث كان يغسل حتى يشرع في العضد

ثالثاً: مسح الرأس ومنه الأذنان

الفرق بين المسح والغسل: أن المسح لا يحتاج إلى جريان بل يكفي أن يغمس يده في الماء ثم يمسح بها رأسه مبلولة بالماء وإنما أوجب الله في الرأس المسح دون الغسل لأن الغسل يشق على الإنسان ولا سيما إذا كثر الشعر وكان في أيام الشتاء إذ لو غسل لنزل الماء على الجسم ولأن الشعر يبقى مبتلاً مدة طويلة وهذا يلحق الناس به العسر والمشقة والله إنما يريد بعباده اليسر

ومسح الرأس أفضل من الغسل وإذا غسله فلا بد من إمرار اليد عليه ولو مسح بناصيته فقط دون بقية الرأس فإنه لا يجزئه لقوله تعالى "وامسحوا برؤسكم" ولم يقل ببعض رؤوسكم والباء في اللغة العربية لا تأتي للتبعيض أبداً

قال ابن برهان من زعم أن الباء تأتي في اللغة العربية للتبعيض فقد أخطأ

وما ورد عن المغيرة بن شعبة مسح على ناصيته والعمامة والخفين فإجزاء المسح على الناصية هنا لأنه مسح على العمامة فلا يدل على جواز المسح على الناصية فقط

فمسح الرأس كله فرض بالإجماع في الجملة وهو ظاهر الكتاب والسنة وقول جمهور السلف وعفي عن يسيره للمشقة

والذين نقلوا وضوءه صلى الله عليه وسلم لم يقل أحد منهم إنه اقتصر على مسح بعضه

والباء في قوله "وامسحوا برؤوسكم" للإلصاق أي إلصاق الفعل بالمفعول فكانه قال ألصقوا المسح برؤوسكم يعني المسح بالماء بخلاف لو قال امسحوا رؤوسكم فإنه لا يدل على الإلصاق

والأذنان من الرأس والدليل مواظبته صلى الله عليه وسلم على مسح الأذنين

رابعاً: غسل الرجلين إلى الكعبين

والكعبان هما العظمان الناتئان اللذان بأسفل الساق من جنب القدم وهذا هو الحق الذي عليه أهل السنة

خامساً: الترتيب والدليل قوله تعالى "يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " فالله ذكرها مرتبة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "ابدأ بما بدأ الله به " والدليل من السنة أن جميع الواصفين لوضوئه ما ذكروا إلا أنه كان يرتبها على حسب ما ذكر الله

سادساً: الموالاة وهي أن يكون الشيء موالياً للشيء أي عقبه بدون تأخير إلا أن يكون التأخير لمصلحة الوضوء

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -14

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر