الدرس الثامن: باب السواك

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 15 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2983 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

تحدثنا في الدرس الماضي عن الاستنجاء فعرفناه وبين الفرق بينه وبين الاستجمار وأوضحنا آداب الاستنجاء ثم عرجنا على الفتاوى وذكرنا رأي العلماء في حكم البول واقفاً وهو الجواز بضوابط ذكرناها وذكرنا رأي العلماء في حكم استقبال القبلة واستدبارها أثناء قضاء الحاجة وأوضحنا أن ذلك حرام في الفضاء ويجوز في البنيان وهو رأي الجمهور ويترجح عندنا بالدليل وأخيراً كان الحديث عن الدم بالتفصيل ومما أوضحناه أن دم الإنسان نجس وأن ما لم يخرج من السبيلين فإنه لا ينقض الوضوء ولا يؤثر على صحة الصلاة وسقنا الأدلة التي تدعم رأينا في ذلك

ودرس اليوم هو الدرس الثامن من دروس الفقه الإسلامي من كتاب الطهارة باب السواك وسنن الوضوء والبعض يقول سنن الفطرة نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب فيما نقول ونفعل اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا به إنك أنت العليم الحكيم اللهم ذكرنا ما نسينا وعلمنا ما جهلنا وانفعنا بما علمتنا اللهم فقهنا في ديننا آمين

باب السواك وسنن الوضوء

لما كان السواك من سنن الوضوء قرن بقية السنن بالسواك والسواك فعال من ساك يسوك أو من تسوك يتسوك

فهو يطلق على الآلة التي هي العود فيقال هذا سواك من أراك كما يقال مسواك ويطلق على الفعل ويقال السواك سنة أي التسوك الذي هو الفعل

والسواك مشروع وورد أنه من سنن المرسلين وأول من استاك إبراهيم عليه السلام

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مطهرة للفم ومرضاة للرب فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" رواه أحمد وغيره وقد ورد في بيانه والحث عليه أكثر من مئة حديث مما يدل على أنه سنة مؤكدة حث الشارع عليه ورغب فيه وله فوائد عظيمة من أعظمها وأجمعها ما أشار إليه في هذا الحديث أنه مطهرة للفم مرضاة للرب

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد وفي السواك عدة منافع يطيب الفم ويشد اللثة ويقطع البلغم ويجلو البصر ويذهب بالحفر ويصفي المعدة ويصفي الصوت ويعين على هضم الطعام ويسهل مجاري الكلام وينشط للقراءة والذكر والصلاة ويطرد النوم ويرضي الرب ويعجب الملائكة ويكثر الحسنات

والتسوك يدخل فيه كل أجناس العيدان سواء كانت من جريد النخل أو من عراجينها أو من أغصان العنب أو من غير ذلك فهو جنس شامل لجميع الأعواد فلا يقتصر على أعواد الأراك

ويكون هذا العود الذي يستاك به لينا لأن الأعواد القاسية تضر اللثة إن أصابتها

فإن لم يتيسر له مسواك جعل خرقة على إصبعه وتسوك بها فالإنقاء بالخرقة أبلغ من الإنقاء بمجرد الإصبع

والدليل على سنية السواك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" والسواك في كل وقت أي بالليل والنهار والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة والسواك مطهرة للفم مرضاة للرب" فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقيد في وقت دون وقت وفي هذا فائدتان

الفائدة الأولى: دنيوية كونه مطهرة للفم

الفائدة الثانية: أخروية كونه مرضاة للرب

وكل هذا يحصل بفعل بسيط فيحصل على أجر عظيم

والاستياك مسنون للصائم ولغيره سواء كان قبل الزوال أو بعده وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومالك وأبي حنيفة وهذا رد على من يكرهون التسوك بعد الزوال للصائم بحجة قول الرسول صلى الله عليه وسلم " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " فربط الحكم بالزوال منتقض لأنه قد تحصل هذه الرائحة قبل الزوال لأن سببها خلو المعدة من الطعام وإذا لم يتسحر الإنسان آخر الليل فإن معدته ستخلو مبكرة

إضافة إلى أن من الناس من لا توجد عنده هذه الرائحة الكريهة إما لصفاء معدته أو لأن معدته لا تهضم بسرعة فتكون هذه العلة منتقضة

قاعدة: يتأكد السواك قرب كل صلاة وانتباه من نوم وتغير فم ودليل السواك عند الصلاة قول الرسول صلى الله عليه وسلم "لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" فكلمة عند في الحديث تقتضي القرب فكلما قرب من الصلاة فهو أفضل

وليس من شروط التسوك أن يكون الفم وسخا فعند الصلاة يشمل الفرض والنفل وصلاة الجنازة لعموم الحديث ودليل مشروعية السواك عند الانتباه من النوم قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك

قال العلماء معنى يشوص يغسله ويدلكه بالسواك والإنتباه من النوم يشمل نوم الليل والنهار لأن العلة واحدة وهي تغير الفم بالنوم

والدليل على مشروعية السواك عند تغير الفم قوله صلى الله عليه وسلم السواك مطهرة للفم

ويستاك بما تقتضيه الحال فإذا اقتضت الحال أن يستاك طولاً استاك طولاً وإذا اقتضت أن يستاك عرضاً استاك عرضاً لعدم ثبوت سنة بينة في ذلك

ويبتدئ بجانب فمه الأيمن بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وشأنه كله

سؤال: هل يستاك باليد اليمنى أو اليسرى

قال بعض المالكية إن تسوك لتطهير الفم كما لو استيقظ من نومه أو لإزالة الأكل الباقي فيكون باليسار لأنه لإزالة الأذى وإن تسوك لتحصيل السنة فباليمنى لأنه لمجرد القربة كما لو توضأ قريباً واستاك عند الوضوء ثم حضر إلى الصلاة فإنه يستاك لتحصيل السنة

الأمر واسع لعدم ثبوت نص واضح

ويدهن شعره غبا أي لا يستعمله دائماً ويكتحل وتراً أي ثلاثة في كل عين

وينبغي أن يكتحل بالإثمد في كل ليلة وهو نوع من الكحل مفيد جداً للعين . انظر زاد المعاد ودليل الاكتحال وتراً حديث ابن عباس قال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه " رواه الترمذي في الشمائل . انظر السلسبيل في معرفة الدليل للشيخ صالح البليهد

ويقال إن زرقاء اليمامة تنظر مسيرة ثلاثة أيام بعينها المجردة فلما قتلت نظروا إلى عينها فوجدوا أن عروق عينها تكاد تكون محشوة بالإثمد

وتتأكد مشروعية الكحل لعين الرجل إذا كان بها عيب

أما المرأة فنعم

والتسمية في الوضوء سنة وذهب إلى هذا ابن قدامه وقال الإمام أحمد رحمه الله لا يثبت في هذا الباب شيء

لذا فلا يكون حجة ولأن كثيراً من الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا فيه التسمية ومثل هذا لو كان من الأمور الواجبة التي لا يصح الوضوء بدونها لذكرت

فمذهب أحمد بن حنبل أنها سنة وهذا قول الثوري ومالك والشافعي وأبي عبيدة وابن المنذر وأصحاب الرأي . انظر المغني لابن قدامه وفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم

والتسمية تكون واجبة عند الأكل، بدعة عند الأذان وعند الصلاة

وعند قراءة القرآن تقرأ في أول السورة لا في وسطها

قاعدة: يجب الختان على من لم يخف على نفسه

وهو إزالة الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تبرز الحشفة ومن الحكمة في الختان تطهير الذكر من النجاسة المحتقنة في القلفة وغير ذلك من الفوائد

وقال محققوا الروض المربع الطيار والغصن والمشيقح قال شيخ الإٍسلام في الفتاوى إذا لم يخف عليه ضرر الختان فعليه أن يختتن فإن ذلك مشروع مؤكد باتفاق الأئمة وهو واجب عند الشافعي وأحمد في المشهور عنه وقد اختتن إبراهيم الخليل عليه السلام بعد ثمانين من عمره ويرجع في الضرر إلى الأطباء الثقات وإذا كان يضره في الصيف أخره إلى زمان الخريف فهو واجب في حق الرجال سنة في حق النساء

ووجه التفريق بينهما أنه في حق الرجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شروط الصلاة وهي الطهارة لأنه إذا بقيت هذه الجلدة فإن البول إذا خرج من ثقب الحشفة بقي وتجمع وصار سبباً في الاحتراق والالتهاب كلما تحرك أو عصر هذه الجلدة خرج البول وتنجس بذلك

وأما في حق المرأة فغاية فائدته أنه يقلل من غلمتها أي شهوتها وهذا طلب كمال وليس من باب إزالة الأذى ومعلوم أن ختان المرأة قطع لحمة زائدة فوق محل الإيلاج قال الفقهاء رحمهم الله إنها تشبه عرف الديك

ولا بد من وجود طبيب حاذق يعرف كيف يختن فإن لم يوجد فإنه يختن نفسه إذا كان يحسن

وإبراهيم عليه السلام ختن نفسه. انظر المصباح المنير وإذا خاف على نفسه الهلاك أو المرض فإنه لا يجب ووقت وجوبه عند البلوغ حينما تجب عليه الطهارة والصلاة . انظر شرح العمدة لابن بسام

ويجوز للخاتن أن ينظر إلى عورة المختون ولو بلغ عشر سنين وذلك للحاجة

والدليل على وجوبه في حق الرجال

أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم خمس من الفطرة وذكر منها الختان

ثانياً: أن الختان ميزة بين المسلمين والنصارى حتى كان المسلمون يعرفون قتلاهم في المعارك بالختان فالمسلمون والعرب قبل الإسلام واليهود يختتنون والنصارى لا يختتنون وإذا كان ميزة فهو واجب

ثالثاً: أنه قطع شيء من البدن وهذا لا يجوز والحرام لا يستباح إلا بالواجب

رابعاً: أنه يقوم به ولي اليتيم وهو اعتداء عليه واعتداء على ما له لأنه سيعطي الخاتن أجرة من ماله فلو لا أنه واجب لم يجز الاعتداء على ماله وبدنه

وأما بالنسبة للمرأة أنه سنة لتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم للخاتنة بقوله إحفي ولا تنهكي

ويكره القزع، والقزع حلق بعض الرأس وترك بعض وهو أنواع

أولاً: ان يحلق غير مرتب وهذا واضح أنه مكروه لأنه مشوه

ثانياً: أن يحلق وسطه ويترك جانبيه

ثالثاً: أن يحلق جوانبه ويترك وسطه. قال ابن القيم رحمه الله كما يفعله السفل

والقزع مكروه إلا إذا كان متشبها بالكفار فهو محرم لأن التشبه بالكفار محرم قال النبي صلى الله عليه وسلم "من تشبه بقوم فهو منهم" ودليل كراهة القزع ما روى ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع وهو حلق بعض الرأس وترك البعض مأخوذ من قزع السحاب وهو المتفرق منه

ولما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه رأى صبياً قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال احلقوه كله أو ذروه كله" رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح

وفي خصال الفطرة روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خمس من الفطرة الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار" رواه الجماعة

وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم وهي العقد التي في ظهور الأصابع ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء، يعني الاستنجاء قال مصعب ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة " رواه أحمد والترمذي والنسائي

أما قص الشارب فقال زيد بن أرقم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم يأخذ من شاربه فليس منا

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " جزوا الشوارب وارخوا اللحى خالفوا المجوس " رواه أحمد ومسلم

قال البخاري وكان ابن عمر يحفي شاربه حتى ينظر إلى موضع الحلق

وخضاب الشيب بالحمرة والصفرة فسنة مستحبة لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم" قال عثمان بن عبد الله بن موهب دخلنا على أم سلمه فأخرجت إلينا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو مخضوب " رواه أحمد والبخاري وابن ماجة بالحناء والكتم وللبخاري عن ابن موهب أن أم سلمه أرته شعر النبي صلى الله عليه وسلم أحمر . رواه البخاري

وعن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم" رواه الخمسة وقال الترمذي حسن صحيح

وعن نافع عن ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران وكان ابن عمر يفعل ذلك "رواه أبو داود والنسائي

ولما روى جابر بن عبد الله قال "جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن رأسه ثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به إلى بعض نسائه فليغيره بشيء وجنبوه السواد "رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي

وأما الاستحداء فهو استعمال الحديد في إزالة شعر العانة ولو قصه جاز والحلق أفضل والأفضل في الأبط أن ينتفه ولو حلقه أو قصه جاز

ويستحب دفن ما أزال من شعره وظفره وهذا من فعل ابن عمر ولما روت ميل بنت مشرح الأشعري أنها رأت أباها مشرحاً يقلم أظفاره ثم يجمعها ويدفنها ويخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك . رواه البخاري والخلال وابن بطه

ويؤخذ في ختان الرجل جلدة الحشفة وإن أخذ أكثرها جاز لأن الله سبحانه أمرنا باتباع ملة إبراهيم عليه السلام

والختان من ملته لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم " متفق عليه

وأما المرأة فيستحب ألا يجتذ خافضها

وحكي عن ابن عمر أنه قال لختانة أبقى منه شيئاً إذا خفضت

وقالت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لختانة " إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي فأنه أسرع للزوج وأحظى لها عند زوجها" رواه حرب في مسائله

قولها "أشمي ولا تنهكي " أي لا تبالغي في استقصاء الختان . انظر شرح العمدة تحقيق د.سعود العطيشان

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -14

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة