الدرس السادس: الاستنجاء

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 11 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2699 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى وبعد

تحدثنا في الدرس الماضي عن الآنية تعريفها، أنواعها، ثم ذكرنا آراء العلماء في استعمال آنية الذهب والفضة للأكل والشرب وفي غيرها ثم عرجنا على الجلود وبينا ما يطهر بالدبغ وما لا يطهر ثم اختتمنا حديثنا بذكر فتاوى من نثق بعلمهم وصلاحهم حول الموضوع وذلك كالمعتاد

ودرس اليوم هو الدرس السادس من كتاب الطهارة

باب الاستنجاء

الاستنجاء: استفعال في النجو وهو في اللغة القطع يقال نجوت الشجرة أي قطعتها وهو إزالة الخارج من السبيلين بماء أو حجر وفي ذلك قطع لهذا النجس

وفي الاصطلاح: إزالة خارج من سبيل بماء أو حجر

فآداب التخلي الاستنجاء والاستطابة والاستجمار

فالاستجمار والاستطابة يكونان بالماء والحجر، والاستجمار لا يكون إلا بالحجارة

والاستطابة سميت بذلك لأنها تطيب نفسه بإزالة الخبث والاستنقاء طلب النقاوة

قال ابن القيم في زاد المعاد عند سياق هديه صلى الله عليه وسلم عند قضاء الحاجة وكان يستنجى بالماء تارة ويستجمر بالأحجار تارة

ويمنع أهل الذمة من دخول بيت الخلاء إن حصل منهم تضييق أو فساد ماء أو تنجيس

حكم الاستنتجاء: قال الجمهور غير الحنفية وهو الصواب يجب الاستنجاء أو الاستجمار من كل خارج معتاد من السبيلين كالبول أو المذي أو الغائط

والاستجمار بالماء هو الأصل في إزالة النجاسة لقوله عليه السلام " إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه " انظر نيل الأوطار

وقوله عليه السلام " ولا يستتنجى أحدكم بدون ثلاثة أحجار " رواه مسلم

وفي لفظ لمسلم "لقد نهانا أن نستنجي بدون ثلاثة أحجار" وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب

وليس على من نام أو خرجت منه ريح استنجاء باتفاق العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم "من استنجى من ريح فليس منا" وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" إذا قمتم من النوم ولم يأمر بغيره فدل على أنه لا يجب ولأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة هنا

والاستبراء: طلب البراءة من الخارج حتى يتيقن من زوال الأثر و طلب براءة المخرج من أثر الرشح من البول ودليل طلب الاستبراء حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم " مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة

ويستحب عند دخول الخلاء قول "بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث ولنا وقفة عند الفرق بين الاستحباب والسنة

فالشيء الذي لم يثبت بدليل لا يقال فيه يسن لأنك إذا قلت يسن فقد أثبت سنة بدون دليل بل إذا ثبت بتعليل ونظر واجتهاد يقال فيه يستحب لأن الاستحباب ليس كالسنة بالنسبة لإضافته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعبر عن الشيء الذي ثبت بالسنة بيسن وما لا يثبت بيستحب

قوله " بسم الله" عند دخول الخلاء أي قبل الدخول سنة لما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخلوا الكنيف أن يقولوا بسم الله " أخرجه الترمذي وصححه الألباني

قوله "أعوذ بالله من الخبث والخبائث " وهذا سنة لحديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: أعوذ بالله من الخبث والخبائث

الخبث: الشر

والخبائث: النفوس الشريرة

وفائدة البسملة أنها ستر

وفائدة هذه الاستعاذة: الإلتجاء إلى الله عز وجل من الخبث والخبائث لأن هذا المكان خبيث، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مؤى الشياطين فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول "أعوذ بالله من الخبث والخبائث" حتى لا يصيبه الخبث وهو الشر ولا الخبائث وهي النفوس الشريرة وهذا القول يقوله قبل الدخول وإن كان في البر استعاذ عند الجلوس

والخلاء: أصله المكان الخالي

وقوله أعوذ بالله: أي أعتصم والتجئ بالله عز وجل من الخبث والخبائث

ويسن بعد الخروج من الخلاء قول "غفرانك" لحديث أنس كان رسول الله صلى الله عليه و سلم " إذا خرج من الخلاء قال غفرانك " رواه الترمذي وحسنه

وغفرانك: غفران مصدر غفر يغفر غفراً وغفرانا كشكر يشكر شكراً وشكران

إذا غفرانك: مصدر منصوب بفعل محذوف تقديره أسألك غفرانك

والمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه فالمعنى اغفر لي أي استر ذنوبي وتجاوز عني حتى أسلم من عقوبتها ومن الفضيحة بها

ومناسبة قول غفرانك هنا: أن الإنسان لما تخفف من أذية الجسم تذكر أذية الإثم فدعا الله أن يخفف عنه أذية الإثم كما من عليه بتخفيف أذية الجسم وهذا معنى مناسب من باب تذكر الشيء بالشيء

ويسن أن يقدم رجله اليسرى عند دخول الخلاء ويقدم اليمنى إذا خرج وهذه مسألة قياسية فاليمنى تقدم عند دخول المسجد كما جاءت السنة بذلك واليسرى عند الخروج منه وهذا عكس المسجد كذلك الفعل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر لابس النعل أن يبدأ باليمنى عند اللبس وباليسرى عند الخلع وهذا في الصحيحين

قالوا فدل هذا على تكريم اليمنى لأنه يبدأ بها باللبس الذي فيه الوقاية ويبدأ باليسرى بالخلع الذي فيه إزالة الوقاية ولا شك أن الوقاية تكريم

فإذا كانت اليمنى تقدم في باب التكريم واليسرى تقدم في عكسه فإنه ينبغي أن تقدم عند دخول الخلاء اليسرى وعند الخروج اليمنى لأنه خروج إلى أكمل وأفضل

والسنة إذا كان في فضاء أي ليس فيه جدران أو أشجار ساترة أو جبال فإنه يبعد في الفضاء حتى يستتر أثناء قضاء حاجته لحديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين قال " فانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته " أخرجه البخاري في صحيحه

أيضاً من المرؤة والأدب ما هو ظاهر

واستتار بدنه كله أفضل وأما استتاره بالنسبة للعورة فهو أمر واجب

قال ابن القيم في الهدي وكان إذا ذهب في سفرة للحاجة انطلق حتى يتوارى عن أصحابه وربما كان يبعد نحو الميلين

ويستحب له أن يطلب لمكان بوله لا غائطه مكاناً رخواً لأنه أسلم من رشاش البول

والأفضل ألا يدخل بشيء فيه ذكر الله تعالى لمكان قضاء الحاجة إلا لحاجة كالأوراق النقدية التي فيها اسم الله فلو وضعها عند باب الخلاء صارت عرضة للنسيان

وينبغي للإنسان في المصحف خاصة أن يحاول عدم الدخول به ويكره رفع ثوبه قبل دنوه من الأرض إذا لم يكن أحدا ينظره وإلا حرم كشف عورته قبل دنوه من الأرض

ولا ينبغي أن يتكلم حال قضاء الحاجة إلا لحاجة كما قال الفقهاء رحمهم الله كأن يرشد أحداً أو كلمه أحد لا بد أن يرد عليه أو كان له حاجة في شخص وخاف أن ينصرف أو طلب ماء فلا بأس

بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به رجل وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام وبعد أن انتهى من بوله رد عليه السلام واعتذر منه

ويكره البول في شق ونحوه وتزول الكراهة بالحاجة كأن لم يجد إلا هذا المكان المتشقق

والعلة في الكراهة

خشية أن يكون في هذا الحجر شيء ساكن فتفسد عليه مسكنه أو يخرج وأنت على بولك فيؤذيك وربما تقوم بسرعة فلا تسلم من رشاش البول

وقد ذكر المؤرخون أن سعد بن عبادة رضي الله عنه سيد الخزرج بال في جحر بالشام وما أن فرغ من بوله حتى استلقى ميتاً فسمعوا هاتفاً يهتف في المدينة يقول

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة**ورميناه بسهمين فلم تخطئ فؤاده

وللعلم أن الهاتف هم الجن

ويكره مس فرجه بيمينه حال قضاء الحاجة

والفرج يطلق على القبل والدبر لحديث أبي قتادة " لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول " والأحوط أن يتجنب مسه مطلقاً ولكن الجزم بالكراهة إنما هو حال البول للحديث وفي غير حال البول محل احتمال فإذا لم يكن هناك داعٍ ففي اليد اليسرى غنى عن اليد اليمنى وتعليل الكراهة أنه من باب إكرام اليمين

كما يكره الاستنجاء والاستجمار باليمين لحديث أبي قتادة رضي الله عنه " ولا يتمسح من الخلاء بيمينه " والفرق بينهما أن الاستنجاء بالماء والاستجمار بالحجر ونحوه فيكره لنهي النبي صلى الله عليه وسلم وأما التعليل فهو إكرام اليمين

أما إذا احتاج إلى الاستنجاء أو الاستجمار بيمينه كما لو كانت اليسرى مشلولة فإن الكراهة تزول

ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في غير بنيان لحديث أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا " قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله

والأصل في النهي التحريم وذلك في الفضاء

والتعليل احترام القبلة في الاستقبال والاستدبار

ويكره لٌبثه فوق حاجته لأن في ذلك كشفاً للعورة بلا حاجة

ثانياً: أن الخشوش والمراحيض مأوى الشياطين والنفوس الخبيثة فلا ينبغي أن يبقى في هذا المكان الخبيث

وقال بعض العلماء: إنه مضر من الناحية الطبية حيث إنه يكون سبباً في أن تنصهر الكبد حتى يخرج منها الدم ويتولد منه الباسور

ويحرم البول والغائط في الطريق لما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اتقوا اللاعنين قالوا وما اللاعنان يا رسول الله قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم

وفي سنن أبي داود رحمه الله تعالى: اتقوا الملاعن الثلاثة البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل . أخرجه أبو داود

والعلة أن البول في الطريق أذية للمارة وإيذاء المؤمنين محرم قال تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا

فالبول أو الغائط في الظل النافع حرام إلا في مكان لا يجلس فيه كما يحرم البول تحت الشجرة المثمرة

قاعدة: يشترط للاستجمار بأحجار ونحوها أن يكون طاهراً منقياً غير عظم وروث وطعام ومحترم ومتصل بحيوان

فالاستجمار بنحو الأحجار مثل الطين اليابس المتجمد والتراب والخرق والورق وما أشب ذلك كالخشب

بشرط ألا يكون نجساً بعينه ولا طرأت عليه النجاسة

والدليل حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "ألقى الروثة وقال هذا ركس ، والركس النجس

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجي بعظم أو روث وقال إنهما لا يطهران

والمقصود بالاستجمار أن يحصل به الانقاء بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجي بأقل من ثلاثة أحجار ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي يعذب في قبره " إنه لا يستنزه من البول " أو لا يستتر أو لا يستبرئ من البول " ثلاث روايات والذي لا ينقي إما لا ينقي لملامسته كأن يكون أملس جداً أو لرطوبته كحجر رطب أو مدر رطب أو كان المحل قد نشف لأن الحجر قد يكون صالحاً للإنقاء لكن المحل غير صالح للإنقاء والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بالعظم أو الروث والتعليل إن كان العظم عظم مذكاة فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العظم يكون طعاماً للجن لأنه صلى الله عليه وسلم قال لهم" لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه أوفر ما يكون لحماً " والروث نستدل له بما استدللنا به للعظم ونعلله بما عللنا به للعظم وكل طعام لبني آدم أو بهائمهم فإنه حرام أن يستجمر به لأنهما طعام الجن ودوابهم والأنس أفضل فيكون النهي عن الاستجمار بطعامهم من باب أولى

كما أن فيه محذور آخر وهو الكفر بالنعمة لأن الله تعالى خلقها للأكل ولم يخلقها لأجل أن تمتهن هذا الامتهان

ولا يجوز الاستجمار بشيء محترم والمحترم ماله حرمة مثل كتب العلوم الشرعية والدليل قوله تعالى "ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه" وقوله تعالى "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " والتقوى واجبة

ويشترط ثلاث مسحات منقية فأكثر والدليل على ذلك حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه وهو في صحيح مسلم قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار والغالب أنه لا إنقاء بأقل من ثلاثة أحجار ولأن الثلاثة كمية رتب عليها الشارع كثيراً من الأحكام

ويسن قطعه على وتر أي قطع الاستجمار والمراد عدده فإذا نقي بأربع زاد خامسة وإذا نقي بست زاد سابعة والدليل ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من استجمر فليوتر" واللام للأمر

فالأمر بالثلاث للوجوب وما زاد على الثلاث فالأمر للاستحباب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم "من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا للاستحباب ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الريح

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -9

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة