الدرس الخامس: مسائل في الآنية 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 9 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 3155 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد الأمين وبعد

سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن حكم لبس الرجل السلاسل

فأجاب بقوله: اتخاذ السلاسل للتجمل بها محرم، لأن ذلك من شيم النساء، وهو تشبه بالمرأة وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، ويزداد تحريماً وإثماً إذا كان من الذهب فإنه حرام على الرجل من الوجهين جميعاً، من جهة أنه ذهب، ومن جهة أنه تشبه بالمرأة، ويزداد قبحاً إذا كان فيه صورة حيوان أو ملك، وأعظم من ذلك وأخبث إذا كان فيه صليب، فإن هذا حرام حتى على المرأة أن تلبس حُليّاً فيه صورةٌ سواءً كانت الصورة صورة إنسان أو حيوان طائر أو غير طائر أو كان فيه صورة صليب وهذا أعني لبس ما فيه صورة حرامٌ على الرجال والنساء فلا يجوز لأي منهما أن يلبس ما فيه صورة حيوان أو صورة صليب. والله أعلم

وسئل عن الحكمة في تحريم لبس الذهب على الرجال ؟

فأجاب بقوله

اعلم أيها السائل، وليعلم كل من يطلع على هذا الجواب أن العلة في الأحكام الشرعية لكل مؤمن، هي قول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ" فأي واحد يسألنا عن إيجاب شيء، أو تحريم شيء دل على حُكمه الكتاب والسنة فإننا نقول: العلة في ذلك قول الله تعالى، أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه العلة كافية لكل مؤمن، ولهذا لما سُئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة قالت: "كان يصيبنا ذلك فنُؤمر بقضاء الصوم ولا نُؤمر بقضاء الصلاة"، لأن النص من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم علة موجبة لكل مؤمن

ولكن لا بأس أن يتطلب الإنسان العلة، وأن يلتمس الحكمة في أحكام الله تعالى، لأن ذلك يزيده طمأنينة، ولأنه يتبين به سمو الشريعة الإسلامية، حيث تقرن الأحكام بعللها، ولأنه يتمكن به من القياس إذا كانت علة هذا الحكم المنصوص عليه ثابتة في أمر آخر لم ينص عليه، فالعلم بالحكمة الشرعية له هذه الفوائد الثلاث

ونقول بعد ذلك في الجواب على السؤال: إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم لبس الذهب على الذكور دون الإناث، ووجه ذلك أن الذهب من أغلى ما يتجمل به الإنسان ويتزين به فهو زينة وحلية، والرجل ليس مقصوداً لهذا الأمر، أي ليس إنساناً يتكمّل بغيره أو يكمل بغيره، بل الرجل كامل بنفسه لما فيه من الرجولة، ولأنه ليس بحاجة إلى أن يتزين لشخص آخر تتعلق به رغبته، بخلاف المرأة، فإن المرأة ناقصة تحتاج إلى تكميل بجمالها، ولأنها محتاجة إلى التجمل بأغلى أنواع الحلي، حتى يكون ذلك مدعاة للعشرة بينها وبين زوجها؛ فلهذا أبيح للمرأة أن تتحلى بالذهب دون الرجل، قال الله تعالى في وصف المرأة:" أَوَمَن يُنَشَّأُ فِى الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ

وسئل عن حكم لبس الرجل الذهب

فأجب بقوله لبس الذهب حرام على الرجال سواء كان خاتماً أو أزراراً أو سلسلة يضعها في عنقة أو غير ذلك، لأن مقتضى الرجولة أن يكون الرجل كاملاً برجولته لا بما يُنَشَّأ به من الحلي ولباس الحرير ونحو ذلك مما لا يليق إلا بالنساء، قال الله تعالى: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين" . فالمرأة هي التي تحتاج إلى لبس الذهب والحرير ونحوهما لأنها في حاجة إلى التجمل لزوجها، أما الرجل فهو في غنى عن ذلك برجولته

والدليل على تحريم الذهب على الرجال
أولاً: ما ثبت عن في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده". فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك انتفع به فقال: لا والله لا آخذه وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثانياً: عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريراً ولا ذهبا" رواه الإمام أحمد ورواته ثقات
ثالثاً: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات من أمتي وهو يتحلى بالذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة". رواه الطبراني ورواه الإمام أحمد ورواته ثقات
رابعاً: عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رجلاً قدم من نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إنك جئتني وفي يدك جمرة من نار . رواه النسائي
خامساً: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبع: "نهى عن خاتم الذهب" . الحديث رواه البخاري
سادساً: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس خاتماً من ذهب فنبذه، فقال: "لا ألبسه أبداً" فنبذوا خواتيمهم . رواه البخاري
سابعاً: ما نقله في فتح الباري شرح صحيح البخاري، قال: وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً وذهباً فقال: "هذان حرامان على ذكور أمتي، حِلٌّ لإناثهم
فهذه الأحاديث صريحة وظاهرة في تحريم خاتم الذهب على الذكور لمجرد اللبس، فإن اقترن بذلك اعتقاد فاسد كان أشد وأقبح مثل الذين يلبسون ما يُسمى بـالدبلة ويكتبون عليه اسم الزوجة، وتلبس الزوجة مثله مكتوباً عليه اسم الزوج، يزعمون أنه سبب للارتباط بين الزوجين، وهذه بلا شك عقيدة فاسدة وخيال لا حقيقة له، فأي ارتباط وأي صلة بين هذه الدبلة وبين بقاء الزوجية وحصول المودة بين الزوجين؟

وكم من شخص تبادل الدبلة بينه وبين زوجته، فانفصمت عرى الصلاة بينهما

وكم من شخص لا يعرف الدبلة وكان بينه وبين زوجته أقوى الصلاة والروابط
فعلى المرء أن يُحكِّم عقله وألا يكون منجرفاً تحت وطأة التقليد الأعمى الضار في دينه وعقله وتصرفه، فإن ظن أن أصل هذه الدبلة مأخوذ من الكفار فيكون فيه قبح ثالث، وهو قبح التشبه بالكافرين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "من تشبه بقوم فهو منهم

وسئل عن حكم لبس الساعة المطلية بالذهب الأبيض

فأجاب بقوله

الساعة المطلية بالذهب للنساء لا بأس بها، وأما للرجال فحرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم الذهب على ذكور أمته وأما قول السائل الذهب الأبيض فلا نعلم أن هناك ذهباً أبيض، الذهب كله أحمر، لكن إن كان قصده بالذهب الأبيض الفضة فإن الفضة ليست من الذهب ويجوز منها ما لا يجوز من الذهب كالخاتم ونحوه

وسئل حكم تركيب الأسنان الذهبية

فأجاب بقوله ‏

الأسنان الذهبية لا يجوز تركيبها للرجال إلا للضرورة لأن الرجل يحرم عليه لبس الذهب والتحلي به

وأما للمرأة فإذا جرت عادة النساء أن تتحلى بأسنان الذهب فلا حرج عليها في ذلك ولها أن تكسوا أسنانها ذهباً إذا كان هذا مما جرت العادة بالتجمل به ، ولم يكن إسرافاً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أحل الذهب والحرير لإناث أمتي‏
وإذا ماتت المرأة في هذه الحال أو مات الرجل وعليه سن ذهب قد لبسه للضرورة فإنه يخلع إلا إذا خُشي المثلة ، أي خشي أن تتمزق اللثة فإنه يبقى ، وذلك أن الذهب يعتبر من المال ، والمال يرثه الورثة من بعد الميت

فإبقاؤه على الميت ودفنه إضاعة للمال ‏.‏
‏وسُئل عن حكم طلاء الأسنان بالذهب لإزالة التسوس‏؟‏ وعن حكم ملء الفراغ بأسنان الذهب‏؟‏
فأجاب بقوله ‏:‏إذا لم يمكن إزالة التسوس إلا بكسائها بالذهب فلا بأس بذلك وإن كان يمكن بدون الذهب فلا يجوز ‏.‏
وأما ملأ الفراغ بأسنان الذهب فلا يجوز إلا بشرطين‏
الشرط الأول ‏:‏ أن لا يمكن ملؤها بشيء غير الذهب‏
الشرط الثاني ‏:‏ أن يكون في الفراغ تشويه للفم

وسئل هل التختم للرجال سنة ؟

فجاب بقوله

التختم ليس بسنة مطلوبة بحيث يطلب من كل إنسان أن يتختم ولكنه إذا احتاج إليه فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن الملوك الذين يريد أن يكتب إليهم لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً إتخذ الخاتم من أجل أن تختم به الكتب التي يرسلها إليهم

فمن كان محتاجاً إلى ذلك كالأمير والقاضي ونحوهما كان إتخاذه إتباعاً للرسول الله صلى الله عليه وسلم

ومن لم يكن محتاجاً إلى ذلك لم يكن لبسه في حقه سنة بل هو من الشيء المباح

فإن لم يكن في لبسه محذور فلا بأس به وإن كان في لبسه محذور كان له حكم ذلك المحذور

وليعلم أنه لا يحل للذكور التختم بالذهب لأنه ثبت النهي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وفي الختام أسأل الله تعالى أن يكون ما قدمناه حجة لنا لا علينا يوم القيامة

وأن يلهمنا الصواب فيما نقول ونسمع

وأن يفقهنا في أمور ديننا

وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاه إنه جواد كريم

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -8

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة