ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الثالث: الآنية

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 9 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2446 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وبعد

تحدثنا في الدرس الماضي عن الطهارة تعريفها وأنواعها وشروطها ثم تحدثنا عن أقسام المياه فأفضنا الحديث في ذلك بضرب الأمثلة ودرس اليوم هو الدرس الثالث من دروس الفقه الإٍسلامي باب الآنية

الباب: هو ما يدخل منه إلى الشيء

والآنية جمع إناء وهو الوعاء والوعاء هو الذي يحفظ فيه الماء وغيره سواء كان من الحديد أو الخشب أو الجلود أو غير ذلك وقد جعلنا حديثنا اليوم عن الإناء بعد حديثنا في الدرس السابق عن الماء لأن الماء جوهر سيال لا يمكن حفظه إلا في الإناء

والأصل في الآنية الحل لأنها داخلة في عموم قوله تعالى "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً" ومنه الآنية لأنها من الأرض لكن إذا كان فيها شيء يوجب تحريهما كما لو اتخذت على صورة حيوان مثلاً فمنها تحرم لا لأنها آنية ولكن لأنها صارت على صورة محرمة

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم "وما سكت عنه فهو عفو" وقوله أيضاً "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها " فيكون الأصل فيها التحريم لأن العبادة طريق موصل إلى الله عز وجل فإذا لم نعلم أن الله وضعه طريقاً إليه حرم علينا أن نتخذه طريقاً ودلت الآيات والأحاديث أن العبادات موقوفة على الشرع

قال تعالى"أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله " فدل على أن ما يدين العبد به ربه لا بد أن يكون الله أذن له وقال صلى الله عليه وسلم " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " ولا فرق بين أن تكون الأواني صغيرة أو كبيرة فالصغير والكبير مباح قال تعالى عن نبيه سليمان صلى الله عليه وسلم " يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات" سورة سبا آية 13

الجفنة تشبه الصحفة وقوله " وقدور راسيات " لا تٌحمل لأنها كبيرة راسية لكثرة ما يطبخ فيها فتبقى على ما كانت عليه ولكن إذا خرج ذلك إلى حد الإسراف صار محرماً لغيره وهو الإسراف " إنه لا يحب المسرفين

قاعدة: كل إناء ولو ثميناً يباح اتخاذه واستعماله إلا آنية ذهب وفضة لشرب وأكل وغيرهما

فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " متفق عليه

الصحفة هي ما تشبع الخمسة

قوله عليه السلام فإنها لهم في الدنيا: إخبار مما هم عليه لا إخبار بجعلها لهم والحديث دليل على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وصحافها سواء كان الإناء خالصاً ذهباً أو مخلوطاً بالفضة قال النووي انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيهما واختلف في العلة فقيل للخيلاء وقيل بل لكونه ذهباً وفضة

والآنية إذا كانت متخذة من جلد أو عظم آدمي فلا يجوز وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كسر عظم الميت ككسره حياً " إسناده صحيح

ولو جعل إنسان لوضوئه آنية من ذهب فالطهارة صحيحة والاستعمال محرم

ومثل ذلك الوضوء من آنية مغصوبة . انظر سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني والممتع لابن عثيمين

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " متفق عليه ، والجرجرة صوت وقوع الماء في الجوف

هذا الحديث يدل على تحريم استعمال آنية الذهب والفضة للشرب وغير الشرب من باب أولى في التحريم، وكما أسلفنا القول أن العلة التي من أجلها ورد النهي قيل هي التشبيه بأهل الجنة وقيل التشبه بالأعاجم وقيل السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء

والإناء المضبب بالذهب لا يجوز الشرب فيه

والضبة هي حديدة تجمع بين طرفي المنكسر

أما الضبة اليسيرة من فضة فتجوز للحاجة والدليل على ذلك ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة

ويباح لبس الخاتم من فضة إذا كان لحاجة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم نص على ذلك ابن عثيمين رحمه الله

ويجوز تلبيس الأسنان ذهباً للضرورة وذلك لشدها كما يجوز وضع أنف من ذهب للضرورة بدليل لما اتخذ أحد الصحابة أنفاً من فضة لما قطع أنفه في أحد المعارك انتن وهو عرفجة بن أسعد فأمره صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب لأنه لا ينتن

ويباح التحلي بالذهب للنساء لحاجتهن للتزين للزوج فالمرأة مطلوبة في حين الرجل طالب لا مطلوب فهو ليس بحاجة إلى ذلك

قاعدة: وتباح آنية الكفار وثيابهم على جهل حالها ولو لم تحل ذبائحهم فهذا يشمل الكافر الأًصلي والمرتد

فلو وجدنا شخصاً في بيت وحده لا يصلي فهو كافر ولنا أن نأكل بآنيته وأن نلبس ثوبه

واليهود والنصارى داخلون في هذا الحكم لأنهم من باب أولى لأن ذبائحهم حلال لنا والدليل قوله تعالى " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم " والمراد بطعامهم ذبائحهم كما فسر ذلك ابن عباس رضي الله عنهما وليس المراد خبزهم وشعيرهم وما أشبه ذلك لأن ذلك حلال لنا منهم ومن غيرهم

ولا تحل ذبائح المجوس والدهريين والوثنيين أما آنيتهم فتحل لعموم قوله تعالى "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً" ثم إن أهل الكتاب إذا أباح الله لنا طعامهم فمن المعلوم أنهم يأتون به إلينا أحياناً مطبوخاً بأوانيهم

فالنبي صلى الله عليه وسلم دعاه غلام يهودي على خبز وشعير وإهالة سنخة وكذا الشاة المسمومة التي أعطيت للرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر . انظر صحيح البخاري في كتاب الطب التي سمتها فاطمة بنت الحارث اليهودية فقتلها صلى الله عليه وسلم

وتوضأ عمر رضي الله عنه من جرة نصرانية

وثياب الكفار ولو وليت عوراتهم كالسراويل إن جهل حالها ولم تعلم نجاستها طاهرة لأن الأصل الطهارة

لكن من عرف بعدم التوقي من النجاسة كالنصارى فالأولى التنزه عنه وقرر ابن القيم أن من اشترى ثوباً لا يعلم حاله جاز له أن يصلي فيه اعتماداً على غلبة الظن وإن كان نجساً في نفس الأمر

وتباح الصلاة في ثياب الصبيان والمربيات وفي ثوب المرأة التي تحيض فيه إذا لم تتحقق النجاسة وهو قول النووي لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع . متفق عليه

فما علم بنجاسته غسل وإلا فالأصل الطهارة

قاعدة: كل حيوان مات وهو يؤكل فإن جلده يطهر بالدبغ . نص على ذلك ابن تيمية

دليل هذه القاعدة حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دبغ الإهاب فقد طهر" أخرجه مسلم

وقال النووي في شرح مسلم يجوز الدباغ بكل شيء ينشف فضلات الجلد ويطيبه ويمنع من ورود الفساد عليه كالشش والقرظ وقشور الرمان وغير ذلك من الأدوية الطاهرة ولا يحصل بالشمس إلا عند الحنفية ولا بالتراب والرماد والملح على الأصح

فرأي أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن القيم في تهذيب السنن أن جلد الميتة يطهر بالدباغ كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما وحديث عائشة وحديث سودة وهذا هو الصحيح الراجح

أما جلود السباع كالذئب ونحوه فلا يباح دبغه ولا استعماله قبل الدبغ ولا بعده

وقال شيخ الإٍسلام ابن تيمية إن جلود السباع لا تطهر بالدبغ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع أما جلود ما يؤكل لحمه من غير تذكية فهو طاهر من غير دبغ كالسمك والحوت لقوله صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته

وشعر الميتة وريشها وصوفها وقرنها وظفرها طاهر . نص على ذلك ابن تيمية وهو مذهب أبي حنيفة وقول في مذهب مالك وأحمد وهو الصواب

لأن الأصل فيها الطهارة ولا دليل على النجاسة وأيضاً هذه الأعيان من الطيبات ليست من الخبائث فتدخل في آية التحليل ولم تدخل في آية ما حرم الله من الخبائث فإن الله حرم الميتة

وهذه الأعيان لا تدخل فيما حرم الله لا لفظاً ولا معنى فإن الله يقول " حرمت عليكم الميتة " ولا يدخل فيها الشعور وما أشبهها وليس فيها دم مسفوح وهو الدم الذي يخرج أثناء الذبح فلا وجه لتنجيسها أي فيصح بيعها وهو قول جمهور السلف

وعلى هذا فيمكن أن نجمل القول فيما قيل عن الجلود في الآتي

أولاً: ما يؤكل لحمه وذكي ذكاة شرعية فيجوز استعمال جلده من غير دبغ

ثانياً: ما يؤكل لحمه ولم يذكى فيجوز استعماله بعد الدبغ

ثالثاً: ما لا يحتاج إلى تذكية فلا يحتاج إلى دبغ كالسمك والحيتان والجراد

رابعاً: ما لا يجوز أكله لا يطهر جلده بالدبغ كالسباع

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -8

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي