ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الثاني:مسائل في الطهارة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 9 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2479 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد الأمين وبعد

مسائل

الماء إذا تغير بالنجاسات فإنه ينجس بالاتفاق أما ما لم يتغير فإنه لا ينجس وهو قول أهل المدينة ورواية المدنيين عن مالك وكثير من أهل الحديث وإحدى الروايات عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه ونصرها ابن عقيل في المفردات وابن البناء وغيرهما

قال ابن تيمية هذا هو الصواب واستدل بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له "أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال الماء طهور لا ينجسه شيء

قال أحمد حديث بئر بضاعة صحيح وهو في المسند أيضاً عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الماء طهور لا ينجسه شيء" وهذا اللفظ عام في القليل والكثير وهو عام في جميع النجاسات

أما إذا تغير بالنجاسة فإنما حرم استعماله لأن جرم النجاسة باق ففي استعماله إستعمالها

ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم وعن الاغتسال فيه لا يدل على أنه ينجس بمجرد البول إذ ليس في اللفظ ما يدل على ذلك بل قد يكون نهيه سدا للذريعة لأن البول ذريعة لتنجيسه فإنه إذا بال هذا ثم بال هذا تغير الماء بالبول فكان نهيه سدا للذريعة أو يقال إنه مكروه بمجرد الطبع لا لأجل أنه ينجسه قال ذلك ابن تيمية

والماء إذا تغير بمكثه ومقره فهو باق على طهوريته باتفاق العلماء

وسئل ابن تيمية رحمه الله تعالى عن بئر وقع فيه كلب أو خنزير أو جمل أو بقرة أو شاة ثم مات فيها وذهب شعره وجلده ولحمه وهو فوق القلتين فكيف يصنع به ؟

فأجاب: الحمد لله ، أي بئر وقع فيه شيء مما ذكر أو غيره إن كان الماء لم يتغير بالنجاسة فهو طاهر فإن كانت عين النجاسة باقية نزحت منه وألقيت وسائر الماء طاهر وشعر الكلب والخنزير إذا بقي في الماء لم يضره ذلك في أصح قولي العلماء فإنه طاهر في أحد أقوالهم وهو إحدى الروايتين عند أحمد وهذا القول أظهر في الدليل فإن جميع الشعر والريش والوبر والصوف طاهر سواء كان على جلد ما يؤكل لحمه أو جلد ما لا يؤكل لحمه وسواء كان على حي أو ميت هذا أظهر الأقوال للعلماء وهو إحدى الروايات عن أحمد

وسئل ابن تيمية عن الماء إذا غمس الرجل يده فيه هل يجوز استعماله أم لا ؟

فأجاب لا ينجس بذلك بل يجوز استعماله عند جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وعنه رواية أخرى أنه يصير مستعملاً والله سبحانه وتعالى أعلم

وسئل في موضع آخر عن رجل غمس يده في الماء قبل أن يغسلها من قيامه من نوم الليل فهل هذا الماء يكون طهوراً وما الحكمة في غسل اليد إذا باتت طاهرة أفتونا مأجورين ؟

فأجاب الحمد لله ، أم مصيره مستعملاً لا يتوضأ به فهذا فيه نزاع مشهور وفيه روايتان عن أحمد إختار كل واحدة طائفة من أصحابه

فالمنع إختيار أبي بكر والقاضي وأكثر أتباعه ويروى ذلك عن الحسن وغيره

والثانية لا يصير مستعملاً وهي إختيار الخرقي وأبي محمد وغيرهما وهو قول أكثر الفقهاء

وأما الحكمة في غسل اليد ففيها ثلاثة أقوال

أحدها: أنه خوف نجاسة تكون على اليد مثل مرور يده موضع الاستجمار مع العرق أو على زبلة ونحو ذلك

والثاني: أنه تعبد ولا يعقل معناه

والثالث: أنه من مبيت يده ملامسة للشيطان كما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنشق بمنخريه من الماء فإن الشيطان يبيت على خيشومه

فأمر بالغسل معللاً بمبيت الشيطان على خيشومه فعلم أن ذلك سبب للغسل عن النجاسة والحديث معروف وقوله " فإن أحدكم لا يدري أين باتت يداه" يمكن أن يراد به ذلك فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار والله أعلم

والشيخ محمد بن عثيمين يوافق شيخ الإٍسلام ابن تيمية في ترجيحه الرأي الثالث وهو خشية أن تكون هذه اليد عبث بها الشيطان وحمل إليها أشياء مضرة للإنسان أو مفسدة للماء فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يغمس يده حتى يغسلها ثلاثاً غير أن الماء طهور لكنه يأثم من أجل مخالفته النهي حيث غمسها قبل غسلها ثلاثاً

ومعلوم أن البيتوته لا تكون إلا بالليل فلو نام في النهار وغمس يده في الإناء فلا حرج لأن المنهي عنه من نوم الليل لا من نوم النهار فالرسول صلى الله عليه وسلم قال "فإنه لا يدري أين باتت يده" فالمبيت في الليل لا في النهار وهذا قول ابن حزم

وسئل ابن تيمية عن حديث القلتين فأجاب بأن أكثر أهل العلم بالحديث على أنه حديث حسن يحتج به وقد أجابوا عن كلام من طعن فيه ، وصنف أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي جزءاً رد فيه ما ذكره ابن عبد البر وغيره . أ.هـ

ونص الحديث إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث

والقلتان تثنية قلة والقلة مشهورة عند العرب قيل أنها تسع قربتين ونصف تقريباً

ومساحة القلتين ذراع وربع في ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً وأما حديث الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة " رواه الخمسة

فالصحيح أن النهي في الحديث ليس على سبيل التحريم بل على سبيل الأولوية وكراهة التنزيه

فالإنسان لو تطهر بما خلت به المرأة فإن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه بدليل أنه ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما "أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت في جفنه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها فقالت إني كنت جنبا فقال إن الماء لا يجنب " وهذا حديث صحيح

مسألة: رجل عنده قربة فيها ماء يبلغ القلتين فسقط فيها روث حيوان لا يؤكل لحمه ولكن الماء لم يتغير طعمه ولا لونه ولا رائحته فاختار شيخ الإٍسلام ابن تيمية وابن عثيمين وجماعة من أهل العلم أن الماء لا ينجس إلا بالتغير مطلقاً سواء بلغ القلتين أم لم يبلغ لكن ما دون القلتين يجب على الإنسان أن يتحرز إذا وقعت فيه النجاسة لأن الغالب أن ما دونهما يتغير

مسألة: إذا زال تغير الماء بالنجاسة سواء بالإضافة عليه أو نزح منه أو زوال تغيره بنفسه فهو طهور

والماء المتغير الذي لا يضر التوضؤ به

أولاً: ما لا يمكن التحرز عنه كالشوك الأخضر وسائر ما ينبت في الماء وكذا ورق الشجر الذي يسقط في الماء أو تحمله الريح فتلقيه وما تجذبه السيول من العيدان والتبن ونحوه فتلقيه فيه

وما هو في قرار الماء كالكبريت والزفت وغيرهما إذا جرى عليه الماء فتغير به أو كان في الأرض التي يقف الماء فيها

ثانياً: ما يوافق الماء في صفته الطهورية كالتراب إذا غير الماء لا يمنع الطهورية لأنه طاهر مطهر كالماء فإن ثخن بحيث لا يجري الماء على الأعضاء لم تجز الطهارة به لأنه طين وليس بماء ولا خلاف بين العلماء في جواز التوضؤ بما خالطه طاهر لم يغيره فإذا سقط شيء من الباقلا والحمص والورد والزعفران وغيره في الماء وكان يسيرا فلم يوجد له طعم ولا لون ولا رائحة كثيرة جاز الوضوء به لأنه صلى الله عليه وسلم اغتسل وزوجته من جفنه فيها أثر العجين

إذا سقط آدمي أو حيوان في بئر وبقي حيا لا ينجس البئر أو حيوان مأكول اللحم إذا خرج حيا ولم يكن على بدنه نجاسة

ولا تنجس البئر بالبعر " للإبل والغنم " والروث للفرس والبغل والحمار والخِثي للبقر إلا أن يستكثره الناظر أو ألا يخلو ولو عن بعرة ونحوها وأما القليل فهو ما يستقله الناظر

ولا ينجس البئر بخرء الطيور عامة لتعذر صونها

تطهير الماء النجس: وهو ثلاثة أقسام أحدها: ما دون القلتين فتطهيره بالمكاثرة بقلتين طاهرتين فيصب فيه فيزول به تغيره إن كان متغيراً وإن لم يكن متغيراً طهر بمجرد المكاثرة لأن القلتين لا تحمل الخبث ولا تنجس إلا بالتغير

القسم الثاني: أن يكون وفق القلتين فلا يخلو من أن يكون غير متغير بالنجاسة فيطهر بالمكاثرة لا غير

الثاني أن يكون متغيراً فيطهر بأحد أمرين بالمكاثرة المذكورة إذا أزالت التغير أو بتركه حتى يزول تغيره بطول مكثه

القسم الثالث: الزائد عن القلتين فله حالان

أحدهما أن يكون نجساً بغير التغير فلا طريق إلى تطهيره بغير المكاثرة

الثاني أن يكون متغيراً بالنجاسة فتطهيره بأحد أمور ثلاثة المكاثرة أو زوال تغيره بمكثه أو أن ينزح منه ما يزول به التغير ويبقى بعد ذلك قلتان فصاعداً

وإن توضأ من الماء القليل وصلى ثم وجد فيه نجاسة أو توضأ من ماء كثير ثم وجده متغيراً بنجاسة وشك هل كان قبل وضوئه أو بعده فالأصل صحة طهارته وإن علم إن ذلك قبل وضوئه بأمارة أعاد وإن علم أن النجاسة قبل وضوئه ولم يعلم أكان دون القلتين أو كان قلتين فنقص بالاستعمال أعاد لأن الأصل نقص الماء

مسألة: إذا مات في الماء اليسير ما ليس له نفس سائه مثل الذباب والعقرب والخنفساء وما أشبه ذلك فلا ينجسه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء " رواه البخاري وأبو داود، قال الشافعي مقله ليس بقتله فهذا دليل على عدم تنجيسه لما وقع فيه

وإذا وقعت النجاسة في غير الماء وكان مائعاً تنجس وإن كان جامداً كالسمن الجامد أخذت النجاسة بما حولها فألقيت والباقي طاهر ، لما روت ميمونة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم " رواه البخاري

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -8

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي