ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الثمانون: سنن ومستحبات الصيام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 28 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 3178 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

يجب على الصائم اجتناب الكذب والغيبة والشتم بل يجب على الصائم وغيره أن يتجنب هذه الأشياء ولكنهم ذكروا هذا من باب التوكيد لأنه بتأكيد على الصائم من فعل الواجبات وترك المحرمات ما لا يتأكد على غيره ودليل ذلك قوله تعالى:" يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " هذه هي الحكمة من فرض الصيام أن يكون وسيلة لتقوى الله عز وجل بفعل الواجبات وترك المحرمات

والدليل من السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم:" من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" أخرجه البخاري

أي لم يرد الله منا بالصوم أن نترك الطعام والشراب لأنه لو كان هذا مراد الله لكان يقتضي أن الله يريد أن يعذبنا والله تعالى يقول " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم " إنما يريد منا الله عز وجل أن نتقي الله لقوله تعالى:" لعلكم تتقون" وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث " من لم يدع قول الزور" أي الكذب وإن شئت فقل الزور هو كل قول محرم

لأنه إزور عن الطريق المستقيم " قوله والعمل به . أي بالزور وهو كل فعل محرم وقوله والجهل أي السفاهة وعدم الحلم مثل الصخب في الأسواق والسب مع الناس وما أِشبه ذلك ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يصخب يعني لا يرفع صوته بل يكون مؤدباً ، ولا يرفث وإن وجد أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم . أخرجه البخاري، فينبغي أن يكون مؤدباً وبهذا نعرف الحكمة البالغة من مشروعية الصوم فلو أننا تربينا بهذه التربية العظيمة لخرج رمضان والإنسان على خلق كريم من الالتزام والأخلاق والآداب لأنه تربية في الواقع

وسن لمن شتمه قوله إني صائم أي إن شتمه أحد أي ذكره بعيب أمامه وهو بمعنى السب وكذلك لو فعل معه ما هو أكبر من المشاتمة بأن يقاتله أي يتماسك معه يسن له أن يقول إني صائم لقول النبي صلى الله عليه وسلم إن " إن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم يقولها جهراً وذلك لفائدتين

الفائدة الأولى: بيان أن المشتوم لم يترك مقابلة الشاتم إلا لكونه صائماً لا لعجزه عن المقابلة لأنه لو تركه عجزاً عن المقابلة لاستهانه به الآخر وصار في ذلك ذل له فإذا قال إني صائم كأنه يقول أنا لا أعجز عن مقابلتك وأن أبين من عيوبك أكثر مما بينت من عيوبي لكني امرؤ صائم

الفائدة الثانية: تذكير هذا الرجل بأن الصائم لا يشاتم أحداً وربما يكون هذا الشاتم صائماً كما لو كان ذلك في رمضان وكلاهما في الحظر حتى يكون قوله هذا متضمناً لنهيه عن الشتم وهو منكر

ويسن تأخير السُحور بالضم فالسحور سنة ينبغي تأخيره اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وترقباً للخيرية التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطور" أخرجه البخاري ففيه سنة قولية وسنة فعلية ورفقاً بالنفس لأنه إذا أخر السحور قلت المدة التي يمسك فيها وإذا عجل فإنها تطول بحسب تعجيل السحور وتأخيره ولكن يؤخره ما لم يخش طلوع الفجر فإن خشي طلوع الفجر فليبادر فمثلاً إذا كان يكفيه ربع ساعة في السحور فيتسحر إذا بقي ربع ساعة وإذا كان يكفيه خمس دقائق يتسحر إذا بقي خمس دقائق أي يكون مابين ابتدائه إلى انتهائه كما بينه وبين وقت الفجر والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر السحور حتى إنه لم يكن بين سحوره وبين إقامة الصلاة إلا نحو خمسين آية . أخرجه البخاري

ويقدرون بالآيات لأنه لم تكن ساعات في ذلك الوقت

والسنة تعجيل الفطر أي المبادرة به إذا غربت الشمس فالمعتبر غروب الشمس لا الأذان لا سيما في الوقت الحاضر حيث يعتمد الناس على التقويم ثم يربطون التقويم بساعاتهم وساعاتهم قد تتغير بتقديم أو تأخير فلو غربت الشمس وأنت تشاهدها والناس لم يؤذنوا بعد فلك أن تفطر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم . أخرجه البخاري

ولا عبرة بالنور القوي فبعض الناس يقول نبقي حتى يغيب القرص ويبدأ الظلام بعض الشيء فلا عبرة بهذا بل انظر إلى هذا القرص متى غاب أعلاه فقد غربت الشمس وسن الفطر

ودليل سنية المبادرة قوله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر . أخرجه البخاري وبهذا نعرف أن الذين يؤخرون الفطر إلى أن تشتبك النجوم كالرافضة أنهم ليسوا بخير ولك أن تفطر على غلبة الظن ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس .أخرجه البخاري ومعلوم أنهم لم يفطروا عن علم لأنهم لو أفطروا عن علم ما طلعت الشمس لكنهم أفطروا بناء على غلبة الظن أنها غابت ثم انجلى الغيم فطلعت الشمس

ويسن أن يفطر على تمر فإن عدم التمر فالماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور. أخرجه أحمد وصححه الترمذي والحاكم

فإن لم يجد ماء ولا شراباً آخر ولا طعاماً ينوي الفطر بقلبه ويكفي

ويجب على الإنسان إذا أراد أن يأكل أن يسمي والدليل على ذلك حديث عمر بن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك . أخرجه البخاري

وأيضاً إخباره صلى الله عليه وسلم: أن الشيطان يأكل مع الإنسان إذا لم يسم وإمساكه بيد الجارية والأعرابي حين جاءا ليأكلاً قبل أن يسميا وأخبر أن الشيطان دفعهما وأن يد الشيطان مع يديهما بيد النبي صلى الله عليه وسلم ليأكل من الطعام . أخرجه مسلم ، ولكنه لو نسي فإنه يسمي إذا ذكر ويقول بسم الله أوله وآخره كذلك أيضاً مما ورد الحمد عند الانتهاء فإن الله يرضي عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها

ومنها إذا كان اليوم حاراً وشرب فإنه يقول: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله . أخرجه أبو داود وحسنه الألباني في الإرواء فهذا مما يسن

ويستحب في القضاء التتابع أي لا يفطر بين أيام الصيام وذلك لثلاثة أوجه

أولاً: أن هذا أقرب إلى مشابهة الأداء لأن الأداء متتابع

ثانياً: أنه أسرع في إبراء الذمة فإنك إذا صمت يوماً وأفطرت يوماً تأخر القضاء فإذا تابعت صار ذلك أسرع في إبراء الذمة

ثالثاً: أنه أحوط لأن الإنسان لا يدري ما يحدث له قد يكون اليوم حياً وغداً ميتاً فلهذا كان الأفضل أن يكون القضاء متتابعاً

وينبغي أيضاً أن يبادر به بعد العيد فيشرع فيه أي في اليوم الثاني من شوال ما لم يتعارض مع المناسبات أو يكون في حرج أثناء استقبال الزوار

ولا يجوز تأخير القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر لكن لو أخره لعذر فإنه جائز مثل أن يكون مسافراً فيستمر به السفر أو مريضاً فيستمر به المرض أو حاملاً ويستمر بها الحمل ويزيد عن تسعة أشهر أو مرضعاً تحتاج إلى الإفطار كل السنة لأنه إذا جاز أن يفطر في رمضان وهو أداء ففي جواز الإفطار في أيام القضاء من باب أولى

ويجوز التطوع قبل القضاء ما لم يضق الوقت فما دام الوقت موسعاً فإنه يجوز أن يتنفل كما لو تنفل قبل أن يصلي فمثلاً الظهر يدخل وقتها من الزوال وينتهي إذا صار ظل كل شيء مثله فله أن يؤخرها إلى آخر الوقت وفي هذه المدة يجوز له أن يتنفل لأن الوقت موسع

وهنا مسألة ينبغي التنبيه لها : وهي أن الأيام الستة من شوال لا تقدم على قضاء رمضان فلو قدمت صارت نفلاً مطلقاً ولم يحصل على ثوابها الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم : من صام رمضان ثم اتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر. أخرجه مسلم ، وذلك لأن الحديث من صام رمضان

ومن كان عليه قضاء فإنه لا يصدق عليه أنه صام رمضان. لأنه لا ستة إلا بعد قضاء رمضان

والدليل على جواز التأخير قوله تعالى : ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر " أما الدليل على أنه لا يؤخر إلى ما بعد رمضان الثاني حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان . أخرجه البخاري

ومن أخره إلى ما بعد رمضان الثاني كان آثماً مع وجوب القضاء لأنه دين في ذمته لم يقضه فلزمه قضاؤه وتلزمه كفارة بالتأخير

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-5 -27

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر