الدرس الثالث والسبعون: باب أهل الزكاة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 17 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1958 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الأهل بمعنى المستحق أي المستحقين لها وهم ثمانية أصناف وجاء هذا الحصر في القرآن قال الله تعالى:" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل " فلا يجوز أن تصرف في غيرهم لأن الحصر يقتضي إثبات الحكم في المذكور ونفيه عمن سواه فلا يجوز صرف الزكاة في بناء المساجد ولا في بناء المدارس ولا في إصلاح الطرق ولا غير ذلك لأن الله فرضها لهؤلاء الأصناف فقال " فريضة من الله والله عليم حكيم" والفقراء هم من لا يجدون شيئاً أو يجدون بعض الكفاية ، والمساكين يجدون أكثرها أو نصفها فالفقراء يجدون أقل من النصف أو لا يجدون شيئاً والمساكين يجدون النصف ودون الكفاية فجمهور العلماء يرون أنها صنفان. انظر حاشية الدسوقي 1/492 وشرح الأزهار 1/509

كيف يمكن معرفة ذلك ؟

يعلم ذلك بالراتب الشهري فيكون ما يتقاضاه سنوياً خمسة ألاف وهو ينفق في السنة عشرة آلاف فإنه في هذه الحال مسكين لأنه يجد نصف نفقته

وإذا كان راتبه السنوي أربعة آلاف ومصروفه عشرة آلاف فهو فقير لأن دخله أقل من نصف الاحتياج فإن لم يكن عنده وظيفة أو عمل فهو فقير

وسمي الفقير فقيراً لأنه خالي اليد وأصلها القفر وهي الأرض الخالية من السكان

وليس المعتبر في الكفاية كفاية الشخص وحده بل كفايته وكفاية من يمونه والمعتبر ليس فقط ما يكفيه للأكل والشرب والسكنى والكسوة فحسب بل يشمل حتى الإعفاف أي النكاح فلو فرض أن الإنسان محتاج إلى الزواج وعنده ما يكفيه لأكله وشربه وكسوته وسكنه لكن ليس عنده ما يكفيه للمهر فإننا نعطيه ما يتزوج به ولو كان كثيراً

وعند المالكية والحنابلة يعطى الفقير والمسكين كفايتهما أو تمام الكفاية له ولمن يعول مدة سنة

وعند الشافعية يعطيان ما يخرجهما من الحاجة إلى الغنى وهو ما تحصل به الكفاية على الدوام . انظر حاشية الدسوقي والمجموع والإنصاف

وقال في مطالب أولي النهى 2/136 وعليه فيعطى محترف ثمن آلة وإن كثر وتاجر يعطى رأس مال يكفيه ويعطى غيرهما من فقير ومسكين كفايتهما مع كفاية عائلتهما سنة لتكرار الزكاة بتكرار الحول

وإذا كان رجل عنده ما يكفيه لأكله وشربه وسكنه وكسوته ولكنه طالب علم يحتاج إلى كتب تشترى له فإننا نعطيه ما يحتاج إليه فقط من الكتب

وذكر في شرح الروض مع حاشية ابن قاسم 2/310

مسألة مهمة : رجل قادر على التكسب لكن ليس عنده مال ويريد أن يتفرغ عن العمل لطلب العلم فهذا يعطى من الزكاة لأن طلب العلم نوع من الجهاد في سبيل الله هكذا قال الفقهاء هنا

لكن لو أن رجلاً يستطيع العمل ولكنه يحب العبادة يحب أن يصوم يوماً ويفطر يوماً وأن يقوم ثلث الليل وأن يتعبد بالصلاة فهذا لا نعطيه لأن العبادة نفعها قاصر على المتعبد بخلاف العلم ولهذا يقال إن موت عالم أشد على الشيطان من موت ألف عابد . انظر المجموع شرح المهذب 6/191

وذلك أنه يقال إن جنود الشيطان قالوا له لماذا تفرح بموت العالم ولا تفرح بموت العابد قال سؤريكم فأرسل إلى العابد وسأله هل يقدر الله أن يجعل السموات والأرضين في بيضة فقال العابد لا يقدر وأرسل إلى العالم وسأله نفس السؤال فقال العالم إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون

فالمساكين جمع مسكين ووصفوا بهذا الوصف لأن الفقر أسكنهم أي أذلهم والغالب أن الغني يكون له عزة وحركة بخلاف المسكين فإنه قد أسكنه الفقر فأذله فلا يتكلم ولا يرى لنفسه حظا

الثالث من أهل الزكاة العاملون عليها

ولم يقل العاملون فيها أو العاملون بها

فالعامل مشتق يتعدى بالباء ويتعدى بعلى ويتعدى بفي فمثلاً هذه دراهم عند شخص قيل له اتجر بها ولك نصف الربح فهذا عامل بها

مثال ثاني: شخص استؤجر لتنظيف البيت فهذا عامل فيه

مثال ثالث: شخص وكلناه لتأجير هذا البيت والنظر فيه وفعل ما يصلحه فهذا عامل عليه

فالعاملون عليها هم الذين تولوا عليها فالعمل هنا عمل ولاية وليس عمل مصلحة أي الذين لهم ولاية عليها ينصبهم ولي الأمر وهم الذين ترسلهم الحكومة لجمع الزكاة من أهلها وصرفها لمستحقيها

ولا يشترط أن يكونوا فقراء بل يعطون ولو كانوا أغنياء لأنهم يعملون لمصلحة الزكاة فهم يعملون للحاجة إليهم لا لحاجتهم فإذا انضم إلى ذلك أنهم فقراء ونصيبهم من العمالة لا يكفي لمؤونتهم مؤنة عيالهم فإنهم يأخذون بالسببين أي يعطون للعمالة ويعطون للفقر

وهم جباتها وحفاظها وكذلك الموكلون بقسمتها لأنهم كلهم يعملون عليها

والجباة جمع جابي وهم الذين يأخذونها من أهلها

والحفاظ: الذين يقومون على حفظها

والقاسمون لها : الذين يقسمونها في أهلها

فالزكاة تحتاج إلى ثلاثة أشياء جباية وحفظ وتقسيم

فالذين يشتغلون في هذا هم العاملون عليها

الرابع: المؤلفة قلوبهم أي الذين يعطون لتأليف قلوبهم وهم السادات في عشائرهم ممن يرجى إسلامه أو كف شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه فهم الذين يطلب تأليف قلوبهم على هذه الأمور

الأول: الإسلام بحيث يكون كافراً لكن يرجى إسلامه فمن لا يرجى إٍسلامه من الكفار فإنه لا يعطى

الثاني: أن يرجى كف شره بأن يكون شريراً على المسلمين

الثالث: أن يرجى بعطيته قوة إيمانه وإن لم يكن سيداً مطاعاً في عشيرته لأن حفظ الدين وإجبار القلب أولى من حفظ الصحة وإحياء البدن

الخامس: الرقاب وهم المكاتبون والرقاب جمع رقبة والمراد بها الأرقاء فتصرف الزكاة في الأرقاء

والمكاتبون هم الذين اشتروا أنفسهم من أسيادهم ويفك منها الأسير المسلم

فصار عندنا ثلاثة أنواع

النوع الأول: المكاتب

النوع الثاني: الأسير المسلم

النوع الثالث: رقيق يشترى

السادس: الغارم وهو من لحقه غرم وهو الضمان والإلزام بالمال وما أشبه ذلك

والغارم نوعان

الأول: لإصلاح ذات البين فهذا يعطى من الزكاة بمقدار ما غرم ولو كان غنياً

وذلك بأن يكون بين جماعة وأخرى عداوة وفتنة فيأتي آخر ويصلح بينهم لكن قد لا يتمكن من الإصلاح إلا ببذل المال فيقول أنا التزم لكل واحد منكم بعشرة آلاف ريال بشرط الصلح ويوافقون على ذلك فيعطى هذا الرجل من الزكاة ما يدفعه في هذا الإصلاح فيعطى عشرون ألف ريال فيعطى من الزكاة ولو كان غنياً لأننا نعطيه هنا للحاجة إليه ومن أعطي للحاجة إليه فإنه لا يشترط أن يكون فقيراً

الثاني: من أنواع الغرم الغارم لنفسه أي لشيء يخصه فهذا نعطيه مع الفقر ، فالفقر هنا العجز عن الوفاء وإن كان عنده ما يكفيه ويكفي عياله لمدة سنة أو أكثر ويجوز أن نذهب إلى الدائن ونعطيه ماله دون علم المدين إذا كان يخشى أن يفسد هذه الدراهم

أما إذا كان ثقة حريص على وفاء دينه فالأفضل إعطاؤه إياها ليتولى الدفع عن نفسه حتى لا يخجل ولا يلزم أمام الناس ومن غرم في محرم أعطيناه من الزكاة إن تاب وإلا فلا

السابع: في سبيل الله السبيل هي الطريق قال تعالى: قل هذه سبيلي . وقال تعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. ومعنى إضافته إلى الله أنه موصل إلى الله فهي خاصة بالجهاد في سبيل الله

فيشمل الغزاة وأسلحتهم إذ يجوز أن تشتري بها أسلحة يقاتل بها في سبيل الله

الثامن: ابن السبيل أي المسافر وسمي بابن السبيل لأنه ملازم للطريق لأن السبيل هو الطريق والمراد المسافر الذي انقطع به السفر أي نفدت نفقته فليس معه ما يوصله لبلده فيعطى ولو كان في بلده من أغنى الناس إذا انقطع به السفر لأنه في هذه الحال محتاج ولا يقال أنت غني فاقترض

ولا يعطى من الزكاة المسافر سفراً محرماً إلا إذا تاب وهو سهل بأن نقول له تب إلى الله ونعطيك فيستفيد من هذا التوبة وقضاء الحاجة

ويجوز صرفها إلى صنف واحد أي من الأصناف الثمانية " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل " وبه قال الجمهور أي جواز صرف الزكاة لصنف واحد من الثمانية الآنف ذكرهم في الآية

لقوله تعالى" إن تبدو الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم " والصدقات تشمل الزكاة والتطوع ولقول النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً إلى اليمين " أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم . ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لقبيصة أقم عندنا حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها. أخرجه مسلم

ويسن صرف الزكاة في أقاربه الذين لا تلزمه مؤونتهم

مثل أخيه وعمه وخاله وابن أخيه وما أشبه ذلك لحديث سلمان بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة فإن لم يجد تمراً فالماء فإنه طهوراً وقال الصدقة على المساكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة. أخرجه أحمد وصححه الحاكم على شرط البخاري ووافقه الذهبي

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-5 -15

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر