الدرس349 الزنا

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 7 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 4040 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

الزنا هو كل وطء في قبل وقع في غير نكاح صحيح ولا شبهة نكاح ولا ملك يمين.

حكم الزنا: محرم، وهو من كبائر الذنوب ويدل على ذلك الكتاب والسنة الإجماع:

فمن الكتاب قوله تعالى:" ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا" سورة الإسراء آية 32

ومن السنة : حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" متفق عليه

وقد أجمع العلماء على تحريم الزنا ووجوب الحد فيه.

حد الزاني المحصن:

المحصن: هو من وطئ زوجته في قبلها بنكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران.

وإذا زنا الحر المحصن فإن حده الرجم بالحجارة حتى يموت وقد ثبت ذلك بأدلة كثيرة منها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال :" إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده" متفق عليه

وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" فغدا عليها فاعترفت فرجمها . متفق عليه

حد الزاني غير المحصن:

غير المحصن: هو من تخلف فيه أحد شروط الإحصان المتقدمة

فإذا زنا الحر غير المحصن فإن حده جلد مئة وتغريب عام ويقوم مقام التغريب اليوم السجن

ومن الأدلة على ذلك ما يلي:

أولاً: قوله تعالى:" الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" (النور آية 2).

ثانياً: حديث أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما الآنف ذكره وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم :" وعلى ابنك جلد مئة وتغريب عام" متفق عليه

وإنما كان الرجم على المحصن دون غيره لأنه تيسر له الزواج الذي يحصل به العفاف فزال عذره وكملت في حقه النعمة لذا تكون جنايته إذا وقع في الزنا أفحش فتكون عقوبته حينئذ أشد ولذا فإن الزنا كلما ضعف الداعي إليه كان أشنع فزنا الشيخ أعظم من زنا الشاب لذلك عد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيخ الزاني من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر لهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. رواه مسلم

شروط وجوب حد الزنا:

يشترط لوجوب حد الزنا ما يلي:

أولاً: حصول الإيلاج في القبل فلا حد فيما دون الإيلاج كالتقبيل ونحوه وإنما فيه التعزير

ثانياً:انتفاء الشبهة فلا حد مع وجود الشبهة لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

مثال وجود الشبهة: من تزوج امرأة ثم تبين أنها أخته من الرضاعة أو وطئ في نكاح فاسد اعتقد صحته كالنكاح بلا ولي ونحو ذلك.

ثالثاً: ثبوت الزنا ويثبت بأحد أمرين هما:

الأمر الأول: الإقرار: وهو أن يقر المكلف بالزنا مصرحاً بذكر حقيقة الوطء ولا يرجع عن إقراره حتى يقام عليه الحد

الأمر الثاني: الشهادة : بأن يشهد عليه بالزنا أربعة شهود قال تعالى:" لولا جاءو عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون" النور آية 13

ويشترط لصحة شهادتهم ما يلي:

أولاً: أن يشهدوا عليه جميعاً في مجلس واحد

ثانياً: أن يشهدوا بزنا واحد.

ثالثاً: أن يذكروا حقيقة الزنا.

رابعاً: أن يكون الشاهد رجلاً مسلماً حراً عدلاً أما النساء فلا تقبل شهادتهن في الحدود والدماء

خامساً: ألا يكون فيهم من به مانع من عمى أو زوجيه لأن إتهام الزوج زوجته بالزنا له أحكام خاصة ذكرها الفقهاء في باب اللعان وقد بينه الله تعالى في سورة النور من آية 6 إلى 7

عقوبة الزاني في الآخرة:

توعد الله تعالى الزناة بالعذاب المضاعف في الآخرة فقال تعالى في وصف عباده المتقين: " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا" الفرقان آية 68,69

فقرن سبحانه بين الشرك والقتل والزنا وبين شدة عذاب من مات عليها قبل التوبة النصوح

كما بين النبي صلى الله عليه وسلم عقوبتهم الشديدة في دار البرزخ (القبر)فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه في حديث طويل في منام الرسول صلى الله عليه وسلم أن قال " إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: انطلق وإني انطلقت معهما" إلى أن قال : فأتينا على مثل التنور فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا" وفي آخر الحديث " أنهما أخبراه بأنهما جبريل وميكائيل وأن الرجال والنساء العراة الذين في مثل التنور : الزناة والزواني" رواه البخاري

فهذا عذابهم إلى يوم القيامة نسأل الله السلامة والعافية

الحكمة من تحريم الزنا وآثاره على الفرد والمجتمع

للزنا أضرار ومفاسد عظيمة على الزاني وعلى مجتمعه منها ما يلي

أولاً: اختلاط الأنساب

فإذا حملت المرأة من الزنا أدخلت في نسب زوجها ما ليس منه فينتسب إليهم من ليس منهم ويرى نساءهم ويخلوا بهن ويكون محرماً لهن ويرث ويحجب غيره وهو لا يحق له شيئاً من ذلك

ثانياً: إهلاك النسل

فالزانية تسعى لقتل حملها غالباً ولو عاش فسيحرم من الحنان والتربية ويبقى معذباً نفسياً وقد يتجه إلى الإفساد في المجتمع

ثالثاً: التعدي على الحرمات وانتهاك الأعراض

ويشتد ذلك إذا كان اغتصاباً كما أنه اعتداء على حرمات أهلها أو زوجها وهذا من أسباب حصول العداوة والبغضاء وفساد المجتمعات وقد قال عمر رضي الله عنه وهو المحدث الملهم :" إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم " رواه مالك في الموطأ ، فعد ترك هذا الحد هلاكاً للأمة الإسلامية

رابعاً: الزنا يولد الأمراض النفسية والقلبية والبدنية

فهو يفسد القلب أو يمرضه ويشتته ويجلب الهم والحزن والخوف ويزرع في قلب الزاني الوحشة والضيق

أما الأمراض البدنية

فقد انتشر في هذا الزمان من الأمراض المزمنة التي لم تكن معروفة من قبل : كالزهري والسيلان ونحوهما من الأمراض التي من أبرز أسبابها وأسباب انتشارها وقوع الفاحشة وقد أفزغ ذلك العالم أجمع وما زالت وسائل إعلام الغرب تطالعنا بالهلع المسيطر على مجتمعاتهم من مرض العصر فقدان المناعة المكتسبة المسمى "بالإيدز" والمظاهرات التي تطالب بمحاربة دور الفساد والمراقص ونحوها من وسائل شيوع الفاحشة والأرقام المفزعة الدالة على مدى انتشار هذا المرض عندهم مما هو مؤشر كبير على انحدارهم في هاوية سحيقة تؤذن بنهايتهم

وقد جمع الله تعالى مفاسد الزنا في قوله تعالى:" إنه كان فاحشة وساء سبيلا" فأخبر عن قبحه وفحشه في نفسه لأن الفاحش هو القبيح الذي قد تناهى قبحه ثم أخبر عن غايته بأنه ساء سبيلا فإنه سبيل هلكة في الدنيا وسبيل عذاب وخزي ونكال في الآخرة.

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

5/6/ 1434 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 9 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي