ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 352 الموت حق

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الجمعة 19 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 2093 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد

الموت حق ولا بد من التذكير به لتلين القلوب لأن القلوب تصدأ عند عدم الذكر، ولذلك لا بد من تعاهدها بالوعظ والتذكير، قال الله تعالى "فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين "،(الذاريات 55) وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يعظ الناس كل خميس فقالوا له هلا زتنا فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة حتى لا نمل.

وينبغي أن يتخلل الموعظة هادم اللذات، ومفرق الجماعات، الموت حق لا ريب فيه، ولا أحد من الناس ينكره، وهو يرى أفراد أسرته وجيرانه وأقاربه يموتون، يقول جل ذكره: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ}آل عمران: 185، ويقول: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}الرحمن: 26-27. ومما يؤلم أن نرى بعض من إخواننا من يتناسى الموت، وكأنَّه لا يعنيه، أو أنه مخلد لا يموت، ولم يسأل نفسه أين آباؤه وأجداده! وأين بعض أبنائه وأزواجه، وأين أقاربه وجيرانه وخلانه؟! بل وأين خير من وطئ الثرى، محمد عليه الصلاة والسلام؟ ألم يقرأ قول الملك العلاَّم عن خليله محمد عليه الصلاة والسلام : {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}الزمر: 30

أخي

إن من طبيعة الموت أنه يأتي بغتة، فهو لا يميز بين صغير وكبير، أو صحيح وسقيم، أو غني وفقير، أو رئيس ومرؤوس، أو عالم وجاهل، أو بر وفاجر، وإنما كما قال رب العزة والجلال: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[نوح: 4]، قال القرطبي رحمه الله: "وأجمعت الأمة على أن الموت ليس له سن معلوم، ولا زمن معلوم، ولا مرض معلوم، وذلك ليكون المرء على أهبة من ذلك، مستعداً لذلك "

والنبيُّ صلى الله عليه وسلم حثَّ على ذكر الموت، والإكثار منه؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا من ذكر هادم اللذات قلنا: يا رسول الله! وما هادم اللذات؟ قال: الموت.رواه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان

وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مرَّ بقوم يضحكون ويمزحون، فقال: أكثروا ذكر هاذم اللذات. رواه البيهقي في الشعب

وقال الغزالي: أي نغصوا بذكره لذاتكم حتى ينقطع ركونكم إليها فتقبلوا على الله. وقال التميمي: شيئان قطعا عني لذة النوم ذكر الموت، والوقوف بين يدي الله عز وجل. وقال الإمام القرطبي رحمه الله: "قال علماؤنا: قوله عليه السلام: (أكثروا ذكر هاذم اللذات) كلام مختصر وجيز، وقد جمع التذكرة، وأبلغ في الموعظة، فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه لذته الحاضرة، ومنعه من تمنيها في المستقبل، وزهده فيما كان منها يؤمل

قال أبو العتاهية :

لا تأمن الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفَسٍ *** ولو تمتعتَ بالحُجَّابِ والحرسِ

واعلمْ بأن ســـهامَ المــوتِ نافــــذةٌ * ** في كل مـدرَّرعٍ منـا ومتـرسِ

ما بــالُ دينكَ ترضى أن تدنســـهُ *** وثوبك الدهرَ مغسولٌ من الدنسِ؟

ترجو النجاةَ ولم تَسْلُــكْ مسالكَــها *** إِن السفينةَ لا تجري على اليَبَس

ومع أنَّ طبيعة الموت أنه يأتي بغتة، ولا يُفرَّقُ بين أحد؛ ففي صحيح البخاري عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَعْذَرَ اللَّهُ إلى امْرِئٍ أخَّرَ أجَلَهُ، حتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً". (صحيح البخاري)وأعظم الأعذار إلى بني آدم بعثة الرسل إليهم، كما قال سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}الإسراء: 15. وقال تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}النساء: 165. وقال سبحانه: {وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ}فاطر: 37. قال ابن عباس: هو الشيب

وفي الإكثار من ذكر الموت قال الدقاق: "من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

4/19/ 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 4 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي