الدرس السابع الأربعون : صلاة المنفرد خلف الصف

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 8 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 2563 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله "يقف المأمومون خلف الإمام" المأمومون جمع وأقل الجمع في باب الجماعة اثنان وكان المأمومون في أول الإسلام لا يقفون وراء الإمام إلا إذا كانوا ثلاثة فأكثر وأما إذا كانا اثنين فإنهما يقفان عن يمينه وشماله ولكن هذا نسخ فصار أقل الجمع في باب الجماعة اثنين وسبق لنا أن إمام العراة يصلي وسطهم وأن إمامة النساء تصلي وسطهن

قوله "ويصح معه عن يمينه أو جانبيه لا قدامه" أي يصح أن يقفوا مع الإمام عن يمينه أو عن جانبيه أي أحدهما عن يمينه والثاني عن شماله، فصار للمأمومين مع الإمام ثلاثة مواقف

الأول : خلفه وهو الأفضل كما رد جابر وجبار إلى خلفه صلى الله عليه وسلم قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما "جِئْتُ حتَّى قُمْتُ عن يَسَارِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأخَذَ بيَدِي فأدَارَنِي حتَّى أَقَامَنِي عن يَمِينِهِ. ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بنُ صَخْرٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَامَ عن يَسَارِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأخَذَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيَدَيْنَا جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ" رواه مسلم

الثاني : عن جانبيه

الثالث : عن يمينه فقط

قوله "لا قدامه" أي لا يصح أن يقف المأمومون أمام الإمام فإن وقفوا فصلاتهم باطلة وأكثر أهل العلم يقولون بصحة الصلاة عن يسار الإمام مع خلو يمينه وأن كون المأموم الواحد عن يمين الإمام إنما هو على سبيل الأفضلية لا على سبيل الوجوب وهذا قول الجمهور واستدلوا بحديث ابن عباس قال "بِتُّ عِنْدَ خَالَتي فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي معهُ، فَقُمْتُ عن يَسَارِهِ، فأخَذَ برَأْسِي، فأقَامَنِي عن يَمِينِهِ" أخرجه البخاري وقالوا هذا فعل مجرد والفعل المجرد لا يدل على الوجوب هذه قاعدة أصولية "أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد لا يدل على الوجوب" لأنه لو كان للوجوب لقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس لا تعد لمثل هذا كما قال ذلك لأبي بكرة حين ركع قبل أن يدخل في الصف وإبطال العبادة بدون نص كتصحيحها بدون نص، والرسول لم ينكر على ابن عباس لأنه لم يفعل مخالفة شرعية إنما خالف الأفضلية والصلاة خلف الصف منفرداً غير صحيحة فإذا جاء المصلي ووجد الصف قد تم فإنه ينتظر حتى يأتي شخص آخر فيصلي معه وإذا لم يحضر أحد فيصلي وحده بعد تسليم الإمام لحديث علي بن شيبان رضي الله عنه قال "خرَجنا حتَّى قدِمنا علَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فَبايعناهُ، وصلَّينا خلفَهُ، ثمَّ صلَّينا وَراءَهُ صلاةً أُخرى، فقَضى الصَّلاةَ، فرأى رجلًا فَردًا يصلِّي خلفَ الصَّفِّ، قالَ: فوقَفَ عليهِ نبيُّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حينَ انصَرفَ قالَ: استقبِلْ صلاتَكَ، لا صلاةَ للَّذي خَلفَ الصَّفِّ" صحيح ابن ماجه للألباني وقد أكد على عدم صحة صلاته منفردا خلف الصف مفتي المملكة سابقاً شيخي عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله وإن قال قائل لماذا لا تقولون بأن يجذب أحداً من الناس من الصف نقول في ذلك محاذير

أولاً : التشويش على الرجل المجذوب

ثانياً : فتح فرجة في الصف

ثالثاً : جناية على المجذوب وذلك بنقله من المكان الفاضل إلى المفضول

رابعاً : جناية على كل الصف لأن الصف كله سوف يتحرك

سؤال : إن قال قائل إنني أريد أجر صلاة الجماعة ولم يحضر شخص آخر لأصلي وإياه ؟

الجواب : إذا سلم الإمام ولم يحضر أحد فبإمكانك أن تقف على يمين آخر واحد يقضي في الصف فيتحول من مأموم إلى إمام وإذا لم تجد انتظر حتى يقوم أحد المصلين لأداء النافلة ثم قف على يمينه ليتحول من منفرد إلى إمام فتكسب أجر الجماعة

سؤال : بم يكون الانفراد ؟

الجواب : يكون الانفراد إذا رفع إمامه رأسه من الركوع ولم يدخل معه أحد فإن دخل معه أحد قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع أو انفتح مكان في الصف قبل أن يرفع الإمام من الركوع ودخل في الصف فإنه في هذه الحال يزول عن الفردية

قوله "إلا أن يكون امرأة" المرأة تقف خلف صف الرجال أو خلف الرجل وصلاتها تصح بالانفراد لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال "صَلَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقُمْتُ ويَتِيمٌ خَلْفَهُ وأُمّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا" رواه البخاري فدل هذا على أن المرأة يصح أن تصلي منفردة خلف الصف والذين قالوا إن صلاة الفذ خلف الإمام صحيحة استدلوا بصحة صلاة المرأة خلف الصف ولكن يرد عليهم أن المرأة ليس لها محل في مصاف الرجال أبداً والشريعة تحارب اجتماع المرأة مع الرجال حتى في أماكن العبادة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجالِ أوَّلُها، وشَرُّها آخِرُها وخَيْرُ صُفُوفِ النِّساءِ آخِرُها، وشَرُّها أوَّلُها" أخرجه مسلم عن أبي هريرة

قوله "وإمامة النساء تقف في صفهن" أي إذا صلى النساء جماعة فإن إمامتهن تقف في صفهن لأن ذلك أستر والمرأة مطلوب منها الستر بقدر المستطاع

قوله "ويليه الرجال ثم الصبيان ثم النساء" أي يلي الإمام في الصف إذا اجتمع رجال ونساء صغار أو كبار فإذا أرادوا أن يصفوا تقدم الرجال البالغون ثم الصبيان ثم النساء في الخلف والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم "لِيَلِنِي مِنكُمْ، أُولو الأحْلامِ والنُّهَى" رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود وهذا أمر وأقل أحوال الأمر الاستحباب فهو حث منه صلى الله عليه وسلم على التبكير لأن المعنى يقتضي أن يتقدم الرجال لأن الرجل أضبط فيما لو حصل للإمام سهو أو خطأ في آية أو احتاج إلى أن يستخلف إذا طرأ عليه عذر وخرج من الصلاة ثم بعد ذلك الصبيان ، وقد فضل الله الذكور على الإناث فهم أقدم من النساء ثم بعد ذلك النساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "خَيْرُ صُفُوفِ النِّساءِ آخِرُها" أما إذا سبق المفضول إلى المكان الفاضل بأن جاء الصبي مبكراً وتقدم وصار في الصف الأول فإن القول الراجح أنه لا يقام المفضول لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نَهَى أنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِن مَجْلِسِهِ ويَجْلِسَ فيه آخَرُ" أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لأن هذا عدوان عليه

قوله "كجنائز" فإذا اجتمع جنائز فترتب الجنائز بحسب قربها من الإمام الرجال ثم الصبيان ثم النساء وإذا وجد رجل وطفل أنثى فنضع الميت الرجل مما يلي الإمام ثم الطفل الأنثى ونضع رأس الرجل بحذاء وسط الأنثى لأن السنة في صلاة الجنازة "أن يقف الإمام عند رأس الرجل وعند وسط الأنثى" رواه البخاري ومسلم وإذا وقفت امرأة مع رجلين فالصلاة صحيحة ولا سيما مع الضرورة كما يحدث ذلك أيام مواسم الحج في المسجد الحرام والمسجد النبوي وكذا إذا كانت المرأة أمام الرجال فالصلاة صحيحة لو كان المأموم في مكان أعلى فلا يكره فإذا كان الإمام هو الذي في الأسفل بأن يكون في الخلوه مثلاً وفيه أناس يصلون فوقه

قوله "ومن لم يقف معه إلا كافر" أي لو أن رجلا وقف خلف الصف ومعه كافر فهو فذ أي منفرد حكما لأن اصطفاف الكافر معه كعدمه لأن صلاته لا تصح فلا تصح مصافته ولكن الصحيح أنه إذا وقف مع كافر لا يعلم بكفره فصلاته صحيحة

قوله "أو امرأة" أي لم يقف معه إلا امرأة فهو فذ لأن المرأة ليست من أهل المصافة للرجال

قوله "أو من علم حدثه أحدهما" أي الواقف والموقوف معه مثاله دخل رجلان المسجد فوجدا الصف الأول تاما فقاما خلف الصف وأحدهما محدث يعلم حدث نفسه والآخر على طهارة ولا يعلم أن صاحبه محدث فالصلاة على كلام المؤلف غير صحيحة ولكن الصحيح في هذه المسألة أن الثاني الذي ليس بمحدث صلاته صحيحة إذا كان لا يعلم بحدث صاحبه لأنه معذور بالجهل

قوله "أو صبي في فرض ففذ" أي ومن لم يقف معه إلا صبي في فرض فهو فذ والمراد بالصبي هنا من لم يبلغ فإذا وقف معه صبي خلف الصف فإن كانت الصلاة فريضة فهو فذ وإن كانت الصلاة نافلة فهي صحيحة والصحيح أن من وقف معه صبي فليس فذا لا في الفريضة ولا في النفل وصلاته صحيحة وقد ثبت أن أنس بن مالك رضي الله عنه صف خلف النبي ﷺ ومعه يتيم قال"صَلَّيْتُ أَنَا ويَتِيمٌ، في بَيْتِنَا خَلْفَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا" رواه البخاري وأيضا قصة عمرو بن سلمة الجرمي فإنه "أم قومه وله ست أو سبع سنين" رواه البخاري

قوله "ومن وجد فرجة دخلها" أي مكانا ليس فيه أحد فوجب عليه دخولها إذا لم يكن معه أحد يصف معه وإن كانا اثنين فأكثر دخل في الفرجة

قوله "وإلا عن يمين الإمام" وهذا فيه نظر لأن يمين الإمام موقف لمأموم واحد أما في هذه المسألة فالمأمومون جماعة كثيرة ولا يصح قياس هذا على هذا ولم يرد عن النبي ﷺ أن أحدا صلى إلى جنبه مع وجود صف إلا في مسألة واحدة وهي حينما أناب أبا بكر رضي الله عنه في مرض موته فوجد خفة فخرج وصلى بالناس وجلس عن يسار أبي بكر لكن هذه المسألة ضرورة لأن أبا بكر ليس له مكانٌ في الصف ولا يمكنه أن يتأخر إلى آخر الصفوف وهو في صلاة

قوله "فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه" أي إذا لم يمكنه أن يتقدم إلى الإمام ويصلي إلى جنبه لضيق المكان فلهذا الرجل أن يقول يا فلان تأخر لتصلي معي وفي المسألتين نظر

المسألة الأولى: وهي أن ينبه من يقوم معه فإن الصحيح أنه ليس له ذلك لأن هذا لم يصح من فعل الصحابة رضي الله عنهم أو التابعين

المسألة الثانية: أنه لا يلزمه أن يُرَجع معه إذ كيف ينقله من المكان الفاضل إلى المفضول والقول الصحيح أن ينتظر حتى يأتي من يصف معه او يصلي وحده وهذا قول ابن باز رحمه الله أن صلاة المنفرد خلف الصف غير صحيحة مستندا على قول النبي ﷺ "لاصلاة لمنفرد خلف الصف" رواه أحمد وحسنه

قوله "فإن صلى فذا ركعة لم تصح" أي لاتصح صلاة المأموم خلف الصف لأنه منفرد وقد جاء الحديث عن الرسول ﷺ "لاصلاة لمنفرد خلف الصف"

قوله "وإن ركع فذا ثم دخل في الصف أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت" أي إن ركع فذا ثم دخل في الصف قبل سجود الإمام صحت صلاته والصحيح أنه إن رفع الإمام من الركوع قبل دخوله معه في الصلاة فإنه لم يدرك الركعة ودليل ذلك حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه أدرك النبي ﷺ راكعا فركع قبل أن يصل إلى الصف ثم دخل في الصف فلما سلم قال له النبي ﷺ "زادك الله حرصا ولا تعد" رواه البخاري دل ذلك على صحة الركعة لأنه وافق الرسول ﷺ في ركوعه قبل دخوله في الصف فالمشروع ألا يدخل مسبوق في الصلاة حتى يصل إلى الصف هذه هي المسألة الأولى وأما الثانية وهي ما إذا ركع فذا ودخل معه آخر قبل سجود الإمام فصلاته صحيحة بشرط أن يوافقا الإمام قبل رفعه من الركوع

قوله "يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد وإن لم يره ولا من وراءه إذا سمع التكبير وكذا خارجه إن رأى الإمام أو المأمومين" أي في مسجد واحد ولو كانت بينهما مسافات فلا يشترط أن يلي الإمام فلو أن أحدا ائتم بالإمام وهو بمؤخر المسجد والإمام في مقدمه وبينهما مثلا سبعون مترا فالصلاة صحيحة سواء رأى الإمام أو لم يره ولا من وراءه من المؤمنين بشرط سماع التكبير

قوله "وكذا خارجه إن رأى الإمام أو المأمومين" أي يصح اقتداء المأموم بالإمام إذا كان خارج المسجد بشرط أن يرى الإمام أو المأمومين مع سماع التكبير والمذهب يكفي أن يراهم ولو في بعض الصلاة والصواب في هذه المسألة أنه لابد في اقتداء من كان خارج المسجد من اتصال الصفوف وسماع التكبير وإلا فالصلاة لا تصح

قوله "وتصح خلف إمام عالٍ عنه" أي عن المأمومين مثل أن يكون هو في الطابق الأعلى وهم في الطابق الأسفل ودليل صحة الصلاة حديث سهل الساعدي رضي الله عنه "أنَّ رِجَالًا أتَوْا سَهْلَ بنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، وقَدِ امْتَرَوْا في المِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ، فَسَأَلُوهُ عن ذلكَ، فَقالَ: واللَّهِ إنِّي لَأَعْرِفُ ممَّا هُوَ، ولقَدْ رَأَيْتُهُ أوَّلَ يَومٍ وُضِعَ، وأَوَّلَ يَومٍ جَلَسَ عليه رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أرْسَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى فُلَانَةَ - امْرَأَةٍ مِنَ الأنْصَارِ قدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ - مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ، أنْ يَعْمَلَ لي أعْوَادًا، أجْلِسُ عليهنَّ إذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ فأمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِن طَرْفَاءِ الغَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ بهَا، فأرْسَلَتْ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأمَرَ بهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا، ثُمَّ رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى عَلَيْهَا وكَبَّرَ وهو عَلَيْهَا، ثُمَّ رَكَعَ وهو عَلَيْهَا، ثُمَّ نَزَلَ القَهْقَرَى، فَسَجَدَ في أصْلِ المِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ، فَلَمَّا فَرَغَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ، فَقالَ: أيُّها النَّاسُ، إنَّما صَنَعْتُ هذا لِتَأْتَمُّوا ولِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي" أخرجه البخاري ومسلم

قوله "ويكره إذا كان العلو ذراعا فأكثر" أي يكره إذا كان الإمام عاليا على المأموم ذراعا فأكثر والصحيح عدم كراهة علو الإمام مطلقا

قوله "كإمامته في الطاق" أي كما يكره دخول الإمام في الطاق والطاق القبلة الذي يسمى "المحراب" وطاق القبلة يكون مقوسا مفتوحا والصحيح أنه مستحب إذ يستدل بالمحاريب على استقبال القبلة

قوله "وتطوعه موضع المكتوبة إلا من حاجة" أي يكره تطوع الإمام في المكان الذي صلى فيه المكتوبة وذلك أنه ربما إذا تطوع في موضع المكتوبة يظن من شاهده أنه تذكر نقصا في صلاته فيلبس على المأمومين ولا سيما إذا تطوع عقب الفريضة فورا أما المأموم فإنه لا يكره له أن يتطوع في موضع المكتوبة لحديث نافع "كانَ ابنُ عُمَرَ: يُصَلِّي في مَكَانِهِ الذي صَلَّى فيه الفَرِيضَةَ وفَعَلَهُ القَاسِمُ" رواه البخاري والأفضل أن يفصل بين الفرض وسنته بكلام أو انتقال من موضعه لحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ عُمرُ بنُ عَطاءٍ "أنَّ نَافِعَ بنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إلى السَّائِبِ ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ، يَسْأَلُهُ عن شَيءٍ رَآهُ منه مُعَاوِيَةُ في الصَّلَاةِ، فَقالَ: نَعَمْ، صَلَّيْتُ معهُ الجُمُعَةَ في المَقْصُورَةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ الإمَامُ قُمْتُ في مَقَامِي، فَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إلَيَّ، فَقالَ: لا تَعُدْ لِما فَعَلْتَ، إذَا صَلَّيْتَ الجُمُعَةَ، فلا تَصِلْهَا بصَلَاةٍ حتَّى تَكَلَّمَ، أَوْ تَخْرُجَ؛ فإنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَمَرَنَا بذلكَ؛ أَنْ لا تُوصَلَ صَلَاةٌ بصَلَاةٍ حتَّى نَتَكَلَّمَ، أَوْ نَخْرُجَ" رواه مسلم

قوله "إلا من حاجة " الحاجة دون الضرورة وهي التي تكون من مكملات مراده وليس في ضرورة إليها مثال الحاجة هنا أن يريد الإمام أن يتطوع لكن وجد الصفوف كلها تامة ليس فيها مكان ولا يتيسر أن يصلي في بيته أو في مكان آخر فحينئذ يكون محتاجا إلى أن يتطوع في موضع المكتوبة

قوله "وإطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة فإن كان ثم نساء لبث قليلا لينصرفن" أي يكره للإمام أن يطيل قعوده بعد السلام مستقبل القبلة بل يخفف ويجلس بقدر ما يقول "أستغفر الله" ثلاث مرات "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام" لحديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها "كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ ما يقولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ . وفي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ يا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ" رواه مسلم ثم ينصرف هذه هي السنة فإطالة قعوده بعد السلام مستقبل القبلة خلاف السنة

قوله "فإن كان ثم نساء لبث قليلا لينصرفن" أي إذا كان في المسجد نساء لبث قليلا لينصرف النساء قبل الرجال تجنبا للإختلاط لحديث أم سلمة رضي الله عنها "كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، ويَمْكُثُ هو في مَقَامِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أنْ يَقُومَ، قَالَ: نَرَى - واللَّهُ أعْلَمُ - أنَّ ذلكَ كانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ، قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ" رواه البخاري وفي رواية أخرى أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أخْبَرَتْ هند بنت الحارث "أنَّ النِّسَاءَ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُنَّ إذَا سَلَّمْنَ مِنَ المَكْتُوبَةِ، قُمْنَ وثَبَتَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ ما شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَامَ الرِّجَالُ" أخرجه البخاري

قوله "ويكره وقوفهم بين السواري إذا قطعن الصفوف" أي وقوف المأمومين بين السواري أي الأعمدة إذا قطعت السواري الصفوف قيّد البعض مقدار القطع بثلاثة أذرع وقال بعض العلماء بمقدار قيام ثلاثة رجال وهذا أقل من ثلاثة أذرع وقيل المعتبر العرف وهو ظاهر كلام المؤلف وأما السواري التي دون ذلك فهي صغيرة لا تقطع الصفوف وهذا مشروط بعدم الحاجة فإن احتيج إلى ذلك بأن كانت الجماعة كثيرة والمسجد ضيقا فإن ذلك لا بأس به من أجل الحاجة لأن وقوفهم بين السواري في المسجد خير من وقوفهم خارج المسجد ومازال الناس يعملون به في المسجدين المسجد الحرام والمسجد النبوي عند الحاجة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/8/4 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر