ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الثاني والعشرون الاستعادة من أربع

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 29 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 4276 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله "ويستعيذ من عذاب جهنم" وذلك في التشهيد الأخير بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قوله "ويستعيذ" أي يقول أعوذ بالله من عذاب جهنم والعياذ هو أن يعتصم بالله من المكروه و اللياذ أن تلجأ إليه لحصول المطلوب قوله "من عذاب جهنم" أي العذاب الحاصل منها وجهنم هي التي أعدها الله للكافرين والنار موجودة الآن لأن النبي صلى الله عليه وسلم "عرضت عليه النار في صلاة الكسوف وهو يصلي بالناس" أخرجه البخاري ومسلم "وكذلك في المعراج رأى النار" أخرجه أحمد وصححه ابن كثير وهي مؤبدة "خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا" الجن (23) وعذابها حقيقي يؤلم "وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" البقرة (10) والحرارة النارية تؤثر على أبدانهم ظاهرها وباطنها قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا" النساء (56) وهذا واضح أن ظاهر أبدانهم يتألم وينضج قال تعالى "إِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ" الكهف (29) فهم إذا استغاثوا يغاثوا بماء كالمهل ، بعد مدة طويلة وهذا الماء إذا أقبل على وجوههم شواها وتساقط والعياذ بالله وإذا شربوه قطع أمعائهم "وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ" محمد (15) وهذا عذاب الباطن

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في أهون أهل النار عذاباً وهو عمه أبو طالب "إنه في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه" أخرجه البخاري و مسلم

فإذا كان الدماغ يغلي فما بالك بما دونه مما هو أقرب إلى النعلين والنار واحدة لكن عذابها يختلف فهي على عصاة المؤمنين ليست كما هي على الكافرين

والله على كل شيء قدير والله تعالى قادر على أن يجعل النار الواحدة لشخص سلاماً ولآخر عذاباً وأحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا أبداً لظهور الفرق العظيم بينهما ولا يجوز أن نقيس أحوال الدنيا بأحوال الآخرة

أليست هذه الشمس تدنوا من الخلائق قدر ميل يوم القيامة ولو كانت أحوال الناس يوم القيامة كأحوالهم في الدنيا لأحرقتهم لأن هذه الشمس في أوجها لو نزلت ولو يسيرا أحرقت الأرض ومحتها عن آخرها ونحن نحس بحرارتها الآن وبيننا وبينها مسافات عظيمة ومع ذلك تدنو من الخلائق يوم القيامة بمقدار ميل ولا يحترقون منها

وكذلك أيضاً في يوم القيامة الناس في مقام واحد المؤمنون لهم نور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم والكفار في ظلمة لكن في الدنيا لو كان بجانبك واحد على يمينه نور وبين يديه نور فإنك تنتفع به أما في الآخرة فلا ، وفي الآخرة أيضاً يعرق الناس فيختلف العرق اختلافاً عظيماً بينهم وهم في مكان واحد فمن الناس من يصل العرق إلى كعبيه ومنهم من يصل إلى ركبتيه ومنهم من يصل إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما

والنار في الأرض ولكن لا ندري أين هي من الأرض على وجه التعيين والدليل على أن النار في الأرض ما يلي

أولاً : قال تعالى "كلا إن كتاب الفجار لفي سجين" المطففين (7) والسجين هي الأرض السفلى

ثانياً : جاء في الحديث فيمن احتضر وقبض من الكافرين أنها لا تفتح لهم أبواب السماء ويقول الله تعالى "اكتبوا كتاب عبدي في سجين وأعيدوه إلى الأرض" أخرجه الإمام أحمد وصححه الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي وصححه القرطبي وابن القيم

ولو كانت النار في السماء لفُتِحْت لهم أبواب السماء ليدخلوها قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" الأعراف(40) والنار لها أسماء متعددة وهذا التعدد في الأسماء لاختلاف صفاتها فتسمى الجحيم وتسمى جهنم وتسمى لظى وتسمى السعير والمسمى واحد

قوله"من عذاب جهنم" أي من فعل الأسباب المؤدية إلى عذاب جهنم

قوله "ومن عذاب القبر" أي يستعيذ بالله من عذاب القبر وأصل القبر مدفن الميت قال تعالى "ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ" عبس (21) أي أكرمه بدفنه و قال صلى الله عليه وسلم "تعوذوا بالله من عذاب القبر تعوذوا بالله من عذاب القبر تعوذوا بالله من عذاب القبر" أخرجه مسلم

قوله "ومن فتنة المحيا والممات" أي اختبار المرء في دينه في حياته و في مماته وفتنة الحياة عظيمة وشديدة وقل من يتخلص منها إلا من شاء الله وهي الشبهات فتعرض للإنسان فيلتبس عليه الحق بالباطل فيرى الباطل حقاً والحق باطلاً وإذا رأى الحق باطلاً تجنبه وإذا رأى الباطل حقاً فعله وهذه فتنة عظيمة فالبعض يرون الربا حق فينتهكونه والبعض يرون غش الناس جودة في البيع والشراء فيغشون والبعض يرون النظر إلى النساء تلذذاً وتمتعاً وحرية فيطلق لنفسه النظر للنساء والبعض يرون آلات اللهو والمعازف فناً يدرس ويعطى عليه شهادات ومراتب إلا من عصمه الله

وأما فتنة الممات فهي الفتنة التي تكون بعد الموت وهي سؤال الملكين للميت في قبره عن ربه ودينه ونبيه لحديث اسماء رضي الله عنها قالت "أَتَيْتُ عَائِشَةَ وهي تُصَلِّي فَقُلتُ: ما شَأْنُ النَّاسِ؟ فأشَارَتْ إلى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قُلتُ: آيَةٌ؟ فأشَارَتْ برَأْسِهَا: أيْ نَعَمْ، فَقُمْتُ حتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أصُبُّ علَى رَأْسِي المَاءَ، فَحَمِدَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ: ما مِن شيءٍ لَمْ أكُنْ أُرِيتُهُ إلَّا رَأَيْتُهُ في مَقَامِي، حتَّى الجَنَّةُ والنَّارُ، فَأُوحِيَ إلَيَّ: أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في قُبُورِكُمْ - مِثْلَ أوْ - قَرِيبَ - لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ - مِن فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقَالُ ما عِلْمُكَ بهذا الرَّجُلِ؟ فأمَّا المُؤْمِنُ أوِ المُوقِنُ - لا أدْرِي بأَيِّهِما قالَتْ أسْمَاءُ - فيَقولُ: هو مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بالبَيِّنَاتِ والهُدَى، فأجَبْنَا واتَّبَعْنَا، هو مُحَمَّدٌ ثَلَاثًا، فيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا قدْ عَلِمْنَا إنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بهِ. وأَمَّا المُنَافِقُ أوِ المُرْتَابُ - لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ - فيَقولُ: لا أدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا فَقُلتُهُ." رواه البخاري ولفظ مسلم عن فاطمة عن أسماء قالت : خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخلت على عائشة وهي تصلى فقلت ما شأن الناس يصلون ؟ فأشارت برأسها إلى السماء فقلت آية ؟ قالت نعم فأطال رسول الله صلى الله عليه و سلم القيام جدا حتى تجلاني الغشي فأخذت قربة من ماء إلى جنبي فجعلت أصب على رأسي أو على وجهي من الماء قالت فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد تجلت الشمس فخطب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد ما من شيء لم أكن رأيته إلا في مقامى هذا حتى الجنة والنار وإنه قد فَأُوحِيَ إلَيَّ أنكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدجال ( لا أدرى أي ذلك قالت أسماء ) فيؤتي أحدكم فيقال ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن أو الموقن ( لا أدري أي ذلك قالت أسماء ) فيقول هو محمد هو رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وأطعنا ثلاث مرار فيقال له نم قد كنا نعلم إنك لتؤمن به فنم صالحا وأما المنافق أو المرتاب ( لا أدري أي ذلك قالت أسماء ) فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلت"

وفتنة المسيح الدجال المسيح من المسح لأنه ممسوح العين فهو أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية فوق الماء أي ناتئة

والدجال مأخوذ من الدجل وهو التمويه وهو يخرج من المشرق جهة الفتن والشر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "الفتنة هاهنا وأشار إلى المشرق" رواه البخاري ومسلم من خراسان وهي قريبة من روسيا ماراً بأصفهان وهي إيران داخلاً الجزيرة من بين الشام والعراق ليس له هم إلا المدينة لأن فيها البشير النذير محمد صلى الله عليه وسلم فيحب أن يقضي على أهل المدينة ولكنها محرمة عليه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن على كل باب منها ملائكة يحفظونها" أخرجه البخاري ومسلم يخرج خلة بين الشام والعراق ويتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفاً

ومن سمع بالدجال فليبتعد عنه حذرا من شبهه قال صلى الله عليه وسلم "من سمع بالدجال فلينأ عنه فإن الرجل يأتيه وهو مؤمن فلا يزال به حتى يتبعه لما يلقي من الشبهات" أخرجه أحمد وصححه الألباني

والاستعاذة بالله من أربع سنة وبه قال جمهور العلماء

قوله "ويدعو بما ورد" ومما ورد في هذا "اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك" أخرجه أحمد وصححه بن خزيمة على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ومنه ماعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه حين قال يارسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال "قل اللهم أني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفرلي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" أخرجه البخاري ومسلم والصواب أن لا يقتصر على ما ورد من أدعية بل يدعو بعد التشهد الثاني بما شاء من خيري الدنيا والآخرة وأجمع ما يدعى به في ذلك "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" البقرة (201) فإن هذه جامعة لخير الدنيا والآخرة

قوله "ثم يسلم عن يمينه" أي بعد التشهد والدعاء عن يمينه وعن يساره فيقول عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله فإذا كان معه جماعه فالسلام عليهم وإذا لم يكن معه جماعة فالسلام على الملائكة ولا شك أن المأمومين يسلم بعضهم على بعض

قوله"وإن كان في ثلاثية أو رباعية نهض مكبرا بعد التشهد الأول" الثلاثية هي المغرب والرباعية هي الظهر والعصر والعشاء

قوله "نهض مكبرا" أي أنه يكون التكبير في حال النهوض لأن جميع التكبيرات ماعدا تكبيرة الإحرام محلها ما بين الركنين

قوله "بعد التشهد الأول" التشهد ينتهي عند قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وظاهر كلام المؤلف أنه لا يرفع يديه وهذا هو المشهور من المذهب أنه لا يرفع يديه إذا قام من التشهد الأول لأن مواضع رفع اليدين على المذهب ثلاثة فقط عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه ولكن الصحيح أنه يرفع يديه لحديث البخاري ولفظه "أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه وإذا ركع رفع يديه وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه وإذا قام من الركعتين رفع يديه"ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم

قوله "وصلى مابقي كالثانية بالحمد فقط" أي كالركعة الثانية ليس فيه تكبيرة الإحرام ولا استفتاح ولا تعوذ ولا تجديد نية و قوله "بالحمد فقط" أي لا يزيد على الفاتحة وهذا هو مقتضى حديث أبي قتادة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الآخريين بفاتحة الكتاب فقط

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/3/26 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر