الدرس الخامس باب فروض الوضوء وصفته

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 23 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 2680 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الفروض جمع فرض والفرض في اللغة يدل على معان أصلها الحز والقطع فالحز قطع بدون إبانة و القطع حز مع إبانة والفرض في الشرع مرادف للواجب وهو ما أمر به على سبيل الإلزام وحكمه أن فاعله امتثالا مثاب وتاركه مستحق للعقاب والمراد بفروض الوضوء هنا أركان الوضوء والوضوء مشتق من الوضاءة وهي النظافة والحسن وشرعا التعبد لله عز وجل بغسل الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة

قوله "فروضه ستة" دليل انحصارها في ذلك هو التتبع

قوله "غسل الوجه" هذا هو الفرض الأول والغسل أن يجري الماء على العضو وقوله "الوجه" هو ما تحصل به المواجهة وحده طولا من منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية وعرضا من الأذن إلى الأذن

قوله "والفم والأنف منه" أي من الوجه لو جودهما فيه وعلى هذا فالمضمضة والاستنشاق من فروض الوضوء

قوله "وغسل اليدين" هذا هو الفرض الثاني وأطلق المؤلف رحمه الله لفظ اليدين ولكن يجب أن يقيد ذلك بكونه إلى المرفقين والمرفق هوالمفصل الذي بين العضد والذراع وسمي بذلك من الإرتفاق لأن الإنسان يرتفق عليه أي يتكئ والدليل على دخول المرفقين قوله تعالى "وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ" المائدة (6)

قوله "ومسح الرأس" هذا هو الفرض الثالث من فروض الوضوء وإنما أوجب الله المسح في الرأس دون الغسل لأن الغسل يشق على الإنسان ولا سيما إذا كثر الشعر وكان في أيام الشتاء وحد الرأس من منحنى الجبهة إلى منابت الشعر من الخلف طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا ومسح الرأس أفضل من الغسل ولو مسح بالناصية فقط دون بقية الرأس فإنه لا يجزئه لقوله تعالى "وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ" المائدة (6) ولم يقل ببعض رؤوسكم والباء في اللغة العربية لا تأتي للتبعيض أبدا

قوله "ومنه الأذنان" أي من الرأس والدليل مواظبته صلى الله عليه وسلم على مسح الأذنين

قوله "وغسل الرجلين" هذا هو الفرض الرابع من فروض الوضوء و لابد أن يقال إلى الكعبين كما قال تعالى "وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" المائدة (6) والكعبان هما العظمان الناتئان اللذان بأسفل الساق من جانبي القدم

قوله "والترتيب" وهو أن يطهر كل عضو في محله وهذا هو الفرض الخامس من فروض الوضوء لقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" المائدة (6)

قوله "والموالاة" هذا هوالفرض السادس من فروض الوضوء وهو أن يكون الشيء مواليا للشيء أي عقبه بدون تأخير ولأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ متواليا ولم يكن بفصل بين أعضاء وضوئه فالموالاة شرط لأنها عبادة واحدة لا يمكن تجزئتها

قوله "وهي أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله" قوله "الذي قبله" أي الذي قبل العضو المغسول مباشرة فلو فرض أنه تأخر في مسح الرأس فمسحه قبل أن تنشف اليدان وبعد أن نشف الوجه فهذا وضوء مجزء لأن المراد بقوله "الذي قبله" أي قبله على الولاء وليس كل الأعضاء السابقة

قوله "الموالاة" يستثنى من ذلك ما إذا فاتت الموالاة لأمر يتعلق بالطهارة مثل أن يكون بأحد أعضائه حائل يمنع وصول الماء كالبوية مثلا فاشتغل بإزالته فإنه لا يضر وكذا لو نفد الماء وجعل يستخرجه من البئر أو انتقل من صنبور إلى صنبور آخر ونشفت الأعضاء فإنه لا يضر أما إذا فاتت الموالاة لأمر لا يتعلق بالطهارة كأن يجد على ثوبه دما فيشتغل بإزالته حتى نشفت أعضاؤه فيجب عليه إعادة الوضوء لأن هذا لا يتعلق بطهارته

قوله "والنية شرط" وهي القصد ومحلها القلب ولا يعلم بالنيات إلا الله عز وجل فالنية شرط لصحة العمل وقبوله وإجزائه لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات" رواه البخاري ومسلم ولا ينطق بها والنطق بها بدعة لعدم فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ذلك

قوله "لطهارة الأحداث كلها" الحدث معنى يقوم بالبدن يمنع من فعل الصلاة ونحوها هذا في الأصل

وقوله "كلها" أراد به شمول الحدث الأصغر والأكبر والطهارة بالماء والتيمم

قوله "فينوي رفع الحدث" فإذا توضأ بنية رفع الحدث الذي حصل له بسبب البول مثلا صح وضوءه

قوله "أو الطهارة لما لا يباح إلا بها" أي ينوي الطهارة لشيء لا يباح إلا بالطهارة كالصلاة والطواف ومس المصحف فإذا نوى الطهارة للصلاة ارتفع حدثه وإن لم ينو رفع الحدث

قوله "فإن نوى ما تسن له الطهارة كقراءة" أي نوى الطهارة لما تسن له كقراءة القرآن فإن قراءة القرآن دون مس المصحف تسن لها الطهارة

قوله "أو تجديدا مسنونا ناسيا حدثه ارتفع" أي تجديدا لوضوء سابق عن غير حدث فينوي تجديد الوضوء الذي كان متصفا به مثاله توضأ لصلاة الظهر وصلى الظهر ثم حضر وقت العصر وهو على طهارته فحينئذ يسن له أن يتوضأ تجديدا للوضوء لأنه صلى بالوضوء السابق فكان تجديد الوضوء للعصر مشروعا

قوله "أن ينسى حدثه" مثاله رجل صلى الظهر لوضوء ثم نقضه بعد الصلاة ثم جدد الوضوء للعصر ناسيا أنه أحدث فهذا يرتفع حدثه لأنه نوى تجديدا مسنونا ناسيا حدثه

قوله "وإن نوى غسلا مسنونا أجزأ عن واجب" مثاله اغتسل للجمعه وهو سنة وهو عليه جنابة لكنه لم يذكرها إلا بعد الصلاة فإن صلاة الجمعة صحيحة لارتفاع الجنابة

قوله "وكذا عكسه" أي إذا نوى غسلا واجبا أجزأ عن المسنون لدخوله فيه كما لو كان عليه جنابة فاغتسل منها عند السعي إلى الجمعه فإنه يجزئه عن غسل الجمعه لأن الواجب أعلى من المسنون فيسقط به

قوله "وإن اجتمعت أحداث توجب وضوءا" أي بأن فعل من نواقض الوضوء أشياء متعددة كما لو بال وتغوط ونام وأكل لحم إبل ونوى الطهارة عن البول فإنه يجزئ عن الجميع

قوله "أوغسلا فنوى بطهارته أحدها ارتفع سائرها" أي اجتمعت أحداث توجب غسلا كالجماع والإنزال والحيض والنفاس بالنسبة للمرأة ونوى بغسله واحدة منها فإن جميع الأحداث ترتفع

قوله "ويجب الإتيان بها عند أول واجبات الطهارة وهو التسمية" أي يجب الإتيان بالنية عند أول واجبات الطهارة وهي التسمية وهذا على المذهب من أن التسمية واجبة مع الذكر وسبق بيان حكم التسمية وأنها سنة

قوله "وتسن عند أول مسنوناتها إن وجد قبل واجب" أول مسنونات الطهارة غسل الكفين ثلاثا فإن غسلهما ثلاثا قبل أن يسمي صار الإتيان بالنية حينئذ سنة

قوله "إن وجد" الضمير يعود على أول المسنونات

وقوله "قبل واجب" أي قبل التسمية على رأي المذهب بوجوب التسمية فلو غسل كفيه ثلاثا قبل أن يسمي جاز ذلك

قوله "واستصحاب ذكرها في جميعها" أي يسن للإنسان تذكر النية بقلبه في جميع الطهارة

قوله "ويجب استصحاب حكمها" معناه أن لا ينوي قطعها

قوله "وصفة الوضوء" المؤلف رحمه الله ساق صفة الوضوء المشتملة على الواجب وغير الواجب

قوله "أن ينوي" النية شرط لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه

قوله "ثم يسمي" التسمية واجبة على المذهب وسبق أن قلنا أنها سنة

قوله "ويغسل كفيه ثلاثا" لفعل النبي صلى الله علي وسلم فإنه كان إذا أراد أن يتوضأ غسل كفيه ثلاثا رواه البخاري ومسلم وهذا سنة

قوله "ثم يتمضمض" المضمضة أن يدخل الماء في فيه ثم يمجه

قوله "ويستنشق" الاستنشاق أن يجذب الماء بنفس من أنفه والاستنثار سنة ويبالغ إلا أن يكون صائما لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة "... بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" رواه أحمد وصححه النووي

قوله "ويغسل وجهه" الوجه ما تحصل به المواجهه وهو أشرف أجزاء البدن

قوله "من منابت شعر الرأس" والأصح من منحنى الجبهه من الرأس

قوله "وإلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا" الذقن هو مجمع اللحيين واللحيان هما العظمان النابت عليهما الأسنان والأولى غسل ما استرسل من اللحيين والذقن

قوله "ومن الأذن إلى الأذن عرضا" والدليل على غسله قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ" المائدة (6)

قوله "وما فيه من شعر خفيف والظاهر الكثيف" الخفيف ماترى من ورائه البشرة والكثيف ما لا ترى من ورائه فالخفيف يجب غسله وما تحته والكثيف يجب غسل ظاهره دون باطنه

قوله"وما استرسل منه" أي نزل

قوله "ثم يديه مع المرفقين" اليمنى ثم اليسرى بدليل السنة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه توضأ حتى أشرع في العضد وقال "هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل" رواه مسلم ومقتضى هذا أن المرفق داخل

قوله "ثم يمسح كل رأسه مع الأذنين مرة واحدة" لأنهما آلة السمع فكان من الحكمة أن تطهرا حتى يطهر الإنسان مما تلقاه بهما من المعاصي

قوله "ثم يغسل رجليه مع الكعبين" فالكعبان داخلتان في الغسل وهما العظمان الناتئان في أسفل الساق فيجب غسلهما لقوله تعالى "... وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" المائدة(6)

قوله "ويغسل الأقطع بقية المفروض" أراد رحمه الله أقطع اليدين

قوله "فإن قطع من المفصل غسل رأس العضد منه" يعني إذا قطع من مفصل المرفق غسل رأس العضد لأن رأس العضد مع المرفق في موازنة واحدة ورأس العضد داخل في المرفق فيجب غسله

قوله "ثم يرفع بصره إلى السماء" ولادليل على ذلك بحديث صحيح

قوله "ويقول ما ورد" وهو حديث عمر رضي الله عنه "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ" رواه مسلم

قوله "وتباح معونته" أي معونة المتوضئ كتقريب الماء إليه وصبه عليه وهو يتوضأ ودل على ذلك أن المغيرة بن شعبة "صب الماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ" رواه مسلم

قوله "وتنشيف أعضائه"التنشيف بمعنى التجفيف والأصل الإباحة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/3/21 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر