الدرس الثالث بــاب الاستنجاء

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 20 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 3453 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

بـــــاب الاســـــــــتنجاء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله "الاستنجاء" هو في اللغة القطع يقال نجوت الشجرة أي قطعتها وهو اصطلاحا: إزالة الخارج من السبيلين بماء أو حجر ونحوهما

قوله "يستحب عند دخول الخلاء" الذي لم يثبت بدليل لا يقال فيه: يسن لأنك إذا قلت يسن فقد أثبت سنة بدون دليل أما إذا ثبت بتعليل ونظر واجتهاد فيقال فيه يستحب

قوله "قول بسم الله" هذا سنة

قوله "أعوذ بالله من الخبث والخبائث" هذا سنة لحديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" "الخبث" بسكون الباء الشر "الخبائث" النفوس الشريرة

وفائدة البسملة أنها ستر وفائدة هذه الاستعاذة الالتجاء إلى الله عزوجل من الخبث والخبائث لأن هذا المكان خبيث و الخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشياطين فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول أعوذ بالله من الخبث والخبائث حتى لا يصيبه الخبث وهو الشر ولا الخبائث وهي النفوس الشريرة والخلاء أصله المكان الخالي لأن هذا المكان لا يجلس فيه إلا واحد

قوله "قول أعوذ بالله" أي أعتصم وألتجئ بالله عز وجل

قوله "وعند الخروج منه غفرانك" أي يسن أن يقول بعد الخروج منه غفرانك لحديث عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الغائط قال "غفرانك""رواه أحمد وصححه النووي وابن حجر والمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه ومناسبة قول غفرانك أن الإنسان لما تخفف من أذية الجسم تذكر أذية الإثم فدعا الله أن يخفف عنه أذية الإثم كما من عليه بتخفيف أذية الجسم

قوله "الحمد لله الذي أذهب عني الأذي وعافاني" رواه أبن ماجه من حديث أنس بن مالك وضعفه النووي في شرح المهذب والبوصيري في الزوائد

قوله "وتقديم رجله اليسرى دخولا واليمنى خروجا عكس مسجد ونعل" أي يستحيب أن يقدم رجله اليسرى عند دخول الخلاء ويقدم اليمنى إذا خرج وهذه مسألة قياسية فاليمنى تقدم عند دخول المسجد كما جاءت السنة من حديث الحاكم وصححه و وافقه الذهبي واليسرى عند الخروج منه وهذا عكس المسجد وكذلك النعل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه أمر لابس النعل أن يبدأ باليمنى عند اللبس وباليسرى عند الخلع" رواه البخاري ومسلم فاليمنى تقدم في باب التكريم واليسرى تقدم في عكسه

قوله "واعتماده على رجله اليسرى" يعني يستحب أن يعتمد على رجله اليسرى عند قضاء الحاجة وحيث أن المسألة ليست فيها سنة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإن كون الإنسان يبقى على طبيعته معتمدا على رجليه كلتيهما هوالأولى والأيسر

قوله "وبعده في فضاء" الضمير يعود إلى قاضي الحاجة والمراد بعده حتى لا يرى جسمه وذلك إذا كان في مكان ليس فيه ساترا لحديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين قال "فانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته"

قوله "واستتاره" يعني يستحب استتار بدنه كله وهذا افضل وأما استتاره بالنسبة للعورة فهو أمر واجب

قوله "وارتياده لبوله مكان رخوا" معناه المكان اللين الذي لا يخشى منه رشاش البول

قوله "ومسحه بيده اليسرى إذا فرغ من بوله من أصل ذكره إلى رأسه ثلاثا ونتره ثلاثا" أي يستحب أن يمسح إذا فرغ من البول من أصل الذكر إلى رأسه ثلاث مرات لأجل أن يخرج ما تبقى في القناة من البول

هذا قول ضعيف جدا لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولضرره بمجاري البول ولا سيما إذا أضيف إليه النتر فإنه يحدث الإدرار ولهذا قال شيخ الإسلام "الذكر كالضرع إن حلبته در وإن تركته قر" وعلى هذا فلا يستحب المسح بل إذا انتهى البول يغسل رأس الذكر فقط والنتر من باب التنطع المنهي عنه ولهذا قال شيخ الإسلام "النتر بدعة وليس سنة ولا ينبغي للإنسان أن ينتر ذكره"

قوله "وتحوله من موضعه ليستنجي في غيره إن خاف تلوثا" يعني انتقاله من موضع قضاء الحاجة ليستنجي بالماء إن خاف تلوثا كأن يخشى من أن يضرب الماء على الخارج النجس ثم يرش على ثوبه أو ما أشبه ذلك فالأفضل أن ينتقل درءا لهذه المفسدة أما إذا لم يخف كما يوجد في المراحيض الآن فإنه لا ينتقل

قوله "ويكره دخوله بشيء فيه ذكر الله تعالى" فرق بين قولنا الأفضل والقول أنه مكروه لأنه لا يلزم بترك الأفضل الوقع في المكروه واستثنى بعض العلماء المصحف فقالوا يحرم أن يدخل به الخلاء سواء كان ظاهرا أم خفيا لأن المصحف فيه أشرف الكلام ودخول الخلاء فيه نوع من الإهانة

قوله "إلا لحاجة" هذا مستثنى يعني إذا احتاج إلى ذلك كالأوراق النقدية التي فيها اسم الله فلا بأس بالدخول بها أما المصحف فقالوا إن خاف أن يسرق فلا بأس أن يدخل به فينبغي للإنسان في المصحف خاصة أن يحاول عدم الدخول به

قوله "ورفع ثوبه قبل دنوه من الأرض" أي يكره لقاضي الحاجة أن يرفع ثوبه قبل أن يدنو من الأرض أما إذا كان حوله من ينظره فهذا محرم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل" رواه مسلم

قوله "وكلامه فيه" أي يكره كلام قاضي الحاجة في الخلاء والدليل أن "رجلا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام" رواه مسلم من حديث ابن عمر فلا ينبغي أن يتكلم حال قضاء الحاجة إلا لحاجة كما قال الفقهاء رحمهم الله كأن يرشد أحدا أو كلمه أحد لا بد أن يرد عليه

قوله "وبوله في شق" أي يكره بوله في الشق والشق هو الفتحة في الأرض وهو الجحر للهوام والدواب

قوله "ونحوه" مثل فم البالوعة وسميت بهذا الإسم لأنها تبتلع الماء والكراهة تزول بالحاجة كأن لم يجد إلا هذا المكان المتشقق

قوله "ومس فرجه بيمينه" أي يكره لقاضي الحاجة مس فرجه بيمينه والفرج يطلق على القبل والدبر لحديث أبي قتادة "لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ولا يتنفس في الإناء" رواه البخاري ومسلم وتعليل الكراهة أنه من باب إكرام اليمين

قوله "واستنجاؤه واستجماره بها" أي يكره استنجاؤه واستجماره بيمينه أما التعليل فهو إكرام اليمين وتزول الكراهة عند الحاجة كما لو كانت اليسرى مشلولة

قوله "واستقبال النيرين" أي يكره استقبال الشمس والقمر حال قضاء الحاجة والصحيح عدم الكراهة لعدم الدليل الصحيح بل ولثبوت الدليل الدال على الجواز

قوله "ويحرم استقبال القبلة واستدبارها" لحديث أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا قال أبو أيوب فقدمنا الشام ووجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله" رواه البخاري ومسلم هذا نهي والأصل في النهي التحريم

قوله "شرقوا أو غربوا" لقوم إذا شرقوا أو غربوا لا يستقبلون القبلة ولا يستدبرونها كأهل المدينة وأما التعليل فهو احترام القبلة بالاستقبال والاستدبار

قوله "في غير بنيان" هذا استثناء إذا كان في بنيان جاز الاستقبال والاستدبار لحديث ابن عمر رضي الله عنهما "قال رقيت يوما على بيت أختي حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا لحاجته مستقبلا الشام مستدبر الكعبة" رواه البخاري ومسلم

قوله "ولبثه فوق حاجته" أي يحرم و يجب عليه أن يخرج حين انتهائه والصحيح الكراهة لا التحريم على قول أحمد

قوله "وبوله في طريق" أي يحرم والغائط من باب أولى لما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم "قال اتقوا اللعانين قالوا وما اللعانان يارسول الله قال الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم" والعلة أن البول في الطريق أذية للمارة وإيذاء المؤمنين محرم

قوله "وظل نافع" أي يحرم أن يبول أو يتغوط في ظل نافع وهو الظل الذي يستظل به الناس

قوله "وتحت شجرة عليها ثمرة" يعني يحرم البول والتغوط تحت شجرة عليها ثمرة

قوله "ويستجمر ثم يستنجي بالماء ويجزئه الاستجمار" الاستجمار يكون بحجر وماينوب منابه والاستنجاء يكون بالماء ويستجمر ثم يستنجي هذا هو الأفضل وليس على سبيل الوجوب ولهذا قال ويجزئه الإستجمار وهذا على حد قول المؤلف والإنسان إذا قضى حاجته لا يخلو من ثلاث حالات

الأولى أن يستنجي بالماء وحده

الثانية أن يستنجي بالأحجار وحدها

الثالثة أن يستنجي بالحجر ثم بالماء وهذا لا أعلمه ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم

قوله "إن لم يعد الخارج موضع العادة" أي الذي جرت العادة بأن البول ينتشر إليه من رأس الذكر وبأن الغائط ينتشر إليه من داخل فخذيه فإن تعدى موضع العادة فلا يجزئ إلا الماء وليس هناك دليل على هذا الشرط وظاهر كلام المؤلف أن الذي لم يتعد موضع العادة يجزئ فيه الاستجمار والمتعدي لا بد فيه من الماء

قوله "ويشترط الاستجمار بأحجار ونحوها" الاحجار جمع حجر ونحوها مثل المدر وهو الطين اليابس المتجمد والتراب والخرق والورق وما أشبه ذلك كالخشب

قوله "أن يكون طاهرا" يعني لا نجسا ولا متنجسا والفرق أن النجس نجس بعينه والمتنجس نجس بغيره يعني طرأت عليه النجاسة لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "ألقى الروث وقال هذا ركس" رواه البخاري والركس النجس

قوله "منقيا" يعني يحصل به الإنقاء فإن كان غير منق لم يجزء والذي لا ينقي إما لملامسته كأن يكون أملسا جدا أو لرطوبته كحجر رطب أو مدر رطب أو كان المحل قد نشف

قوله "غير عظم و روث" لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يستنجى بالعظم أو الروث" رواه البخاري والعلة أن عظم المذكاة يكون طعاما للجن لأنه صلى الله عليه وسلم قال لهم "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقعُ في أيديكم أوفر ما يكون لحما" رواه مسلم فلا يجوز تنجيسه على الجن وإن كان عظم ميتة فهو نجس فلا يكون مطهرا والروث علف بهائم الجن إن كان طاهرا و إن كان نجسا لم يصلح أن يكون مطهرا

قوله "وطعام" يعني طعام بني آدم وطعام بهائمهم فلا يصح الاستنجاء بهما لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بالعظم والروث لأنه طعام الجن ودوابهم والإنس أفضل فيكون النهي عن الاستجمار بطعامهم وطعام بهائمهم من باب أولى

قوله "ومحترم" المحترم ماله حرمة أي تعظيم في الشرع مثل الكتب العلوم الشرعية لقوله تعالى "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ" الحج (30) والتقوى واجبة فمن أجل ذلك لا يجوز أن يستجمر الإنسان بشيء محترم

قوله "و متصل بحيوان" المتصل بالحيوان لا يجوز الاستجمار به لأن للحيوان حرمة مثل أن يستجمر بذيل بقرة و إذا كان علفها ينهى عن الاستجمار به فكيف بالاستجمار بها نفسها

قوله "ويشترط ثلاث مسحات" أي أن يمسح محل الخارج ثلاث مرات لحديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار" رواه مسلم والعلة في أمره صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أحجار لأجل أن لا يكرر المسح على وجه واحد

قوله "منقية" الإنقاء أن يرجع الحجر يابسا غير مبلول

قوله "فأكثر" يعني أن يمسح ثلاث مسحات فإن لم تنق الثلاث زاد عليها

قوله"ولو بحجر ذي شعب" لأن الحجر ذا الشعب كالأحجار الثلاثة فإذا كان الحجر ذا شعب واستجمر بكل جهة منه صح

قوله "ويسن قطعه على وتر" يعني قطع الاستجمار والمراد عدده فإذا أنقى بأربع زاد خامسة وهكذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من استجمر فليوتر" رواه البخاري ومسلم

قوله "ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الريح" يعني أن تطهيره بالماء أو بالأحجار واجب والدليل "أمره صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يغسل ذكره بخروج المذي" رواه البخاري ومسلم والمذي نجس وقوله "لكل خارج إلا الريح" أي من السبيلين ويستثنى من ذلك الريح لأنها لا تحدث أثرا فهي هواء فقط وإذا لم تحدث أثرا في المحل فلا يجب أن يغسل

قوله "ولا يصح قبله وضوء ولا تيمم" يعني يشترط لصحة الوضوء و التيمم تقدم الاستنجاء أو الاستجمار

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/3/19 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر