الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 14 شهر رمضان 1445هـ | عدد الزيارات: 67 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد.
فإن وصيتي لكل مسلم تقوى الله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال وأن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير بين الناس قال الله سبحانه وتعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق 18) وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت » .
وهناك أشياء قد يجرها الكلام ينبغي التنبيه عليها والتحذير منها لكونها من الكبائر التي توجب غضب الله وأليم عقابه، وقد فشت في بعض المجتمعات من هذه الأشياء:
1 - الغيبة: وهي ذكرك أخاك بما يكره لو بلغه ذلك سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو في دينه أو دنياه بل وحتى في ثوبه وداره ودابته. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته » رواه مسلم.
والغيبة محرمة لأي سبب من الأسباب سواء كانت لشفاء غيظ أو مجاملة للجلساء ومساعدتهم على الكلام أو لإرادة التصنع أو الحسد أو اللعب أو الهزل وتمشية الوقت فيذكر عيوب غيره بما يضحك. وقد نهى الله سبحانه وتعالى عنها وحذر منها عباده في قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} (الحجرات 12)
2 - مما ينبغي اجتنابه والابتعاد عنه والتحذير منه (النميمة) التي هي نقل الكلام من شخص إلى آخر. أو من جماعة إلى جماعة. أو من قبيلة إلى قبيلة لقصد الإفساد والوقيعة بينهم وهي كشف ما يكره كشفه سواء أكره المنقول عنه أو المنقول إليه. أو كره ثالث، وسواء أكان ذلك الكشف بالقول أو الكتابة أو الرمز أو بالإيماء، وسواء أكان المنقول من الأقوال أو الأعمال، وسواء كان ذلك عيبا أو نقصا في المنقول عنه أو لم يكن. فيجب أن يسكت الإنسان عن كل ما يراه من أحوال الناس إلا ما في حكايته منفعة لمسلم أو دفع لشر.
والباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه أو إظهار الحب للمحكي عليه أو الاستمتاع بالحديث والخوض في الفضول والباطل وكل هذا حرام، وكل من حملت إليه النميمة بأي نوع من أنواعها يجب عليه عدم التصديق؛ لأن النمام يعتبر فاسقا مردود الشهادة قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} (الحجرات 6) وعليه أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله لقوله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (لقمان 17) وأن يبغضه في الله وألا يظن بأخيه المنقول عنه السوء بل يظن به خيرا
وأدلة تحريم النميمة كثيرة من الكتاب والسنة منها قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} (القلم 10) {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} (القلم 11) وقوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} (الهمزة 1)
‌‌وعن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام » متفق عليه.

وإنما حرمت الغيبة والنميمة لما فيهما من السعي بالإفساد بين الناس وإيجاد الشقاق والفوضى وإيقاد نار العداوة والغل والحسد والنفاق وإزالة كل مودة وإماتة كل محبة بالتفريق والخصام والتنافر بين الأخوة المتصافين، ولما فيهما أيضا من الكذب والغدر والخيانة والخديعة وكيل التهم جزافا للأبرياء وإرخاء العنان للسب والشتائم وذكر القبائح، ولأنهما من عناوين الجبن والدناءة والضعف، هذا إضافة إلى أن أصحابهما يتحملون ذنوبا كثيرة تجر إلى غضب الله وسخطه وأليم عقابه.
3 - ومما يجب اجتنابه والبعد عنه الخصلة الذميمة ألا وهي الحسد، وهي أن يتمنى الإنسان زوال النعمة عن أخيه في الله سبحانه سواء أكانت نعمة دين أو دنيا. وهذا اعتراض على ما قضاه الله وقسمه بين عباده وتفضل به عليهم، وظلم من الحاسد لنفسه فينقص إيمانه بذلك ويجلب المصائب والهموم لنفسه ويفتك بها فتكا ذريعا. قال الله سبحانه وتعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (النساء 54) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا » رواه مسلم.
4 - كما أنه ينبغي الابتعاد عن الظلم وهو الجور ووضع الشيء في غير موضعه الشرعي، وأكبره الشرك بالله سبحانه وتعالى ومبارزته بالمخالفة والمعصية قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان13) ، وكذا أخذ مال الغير بغير حق أو اغتصاب شيء من أرضه أو الاعتداء عليه وهو أيضا كبيرة من الكبائر ومعصية لله، وهو والعياذ بالله ناشئ عن ظلمة في القلب لأنه لو استنار قلبه بنور الهدى لاعتبر قال الله سبحانه وتعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (غافر 18)

وفقني الله وإياكم لمحاسن الأخلاق وصالح الأعمال وجنبنا مساوئ الأخلاق ومنكرات الأعمال وهدانا صراطه المستقيم إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

١٣ رمضان ١٤٤٥ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر