الدرس 200 الإجارة 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 19 شعبان 1441هـ | عدد الزيارات: 638 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على الهادي الأمين ، وبعد :

يقول المؤلف رحمه الله : " وأن تكون المنفعة للمؤجر أو مأذونا له فيها " : هذا هو الشرط الخامس من الشروط في العين المؤجرة . وسبق في الدروس السابقة أن قلنا إن الشرط الأول هو معرفتها برؤية أو صفة في غير الدار ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع الغرر " ، أخرجه مسلم عن أبي هريرة ، ولأن عدم معرفتها يفضي إلى النزاع ، وما أفضى إلى النزاع فإن الشارع ينهي عنه ، واستثنى المؤلف الدار إذ أنه لا يجوز تأجير الدار بالصفة إذ لابد من رؤيتها ، ثم ذكرنا الشرط الثاني من الشروط في العين المؤجرة .

وذكر المؤلف - رحمه الله - أنه يعقد على نفعها دون أجزائها أي أن يكون المعقود عليه النفع دون الجزء ، وذكر المؤلف مثالا على ذلك فقال : فلا تصح إجارة الطعام للأكل ؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا بأكله وذهاب أجزائه .

ثم ذكرنا الشرط الثالث من الشروط في العين المؤجرة وهو قول المؤلف " القدرة على التسليم " لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" لا تبع ما ليس عندك " ، عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - صححه النووي والألباني ، وضرب المؤلف مثالا على ذلك فقال : " فلا تصح إجارة الآبق " أي العبد الهارب من سيده ولا يدري عنه ؛ لأنه غير مقدور على تسليمه .

ثم ذكرنا الشرط الرابع الذي ذكره المؤلف بقوله : " واشتمال العين على المنفعة " ؛ لأن المعقود عليه بالإجارة هو المنفعة ، وضرب المؤلف رحمه الله مثالا على ذلك بقوله :" فلا تصح إجارة بهيمة زمنة لحمل " ، وهي التي لا تستطيع السير فكيف يحمل عليها ، وقبل الحديث عن الشرط الخامس من الشروط في العين المؤجرة أذكر أننا ذكرنا قبل هذه الشروط تعريف الإجارة وقلنا إنها العوض المقابل بعمل ، وهي عقد على منفعة معلومة ، وذكرنا قول المؤلف إن الإجارة تصح لثلاثة شروط : الأول : معرفة المنفعة وذلك للطرفين ، الشرط الثاني لصحة الإجارة أن تكون معلومة ، والشرط الثالث الإباحة في العين أي في نفعها .

نعود إلى الشرط الخامس من شروط العين المؤجرة وهو قول المؤلف:" أن تكون المنفعة للمؤجر أو مأذونا له فيها " : وذلك في العين المؤجرة بشرط أن يكون مالكا أو قائما مقام المالك إذ في كل العقود لا بد أن يكون العاقد مالكا للمعقود عليه إما بملك أو نيابة عن المالك لقوله تعالى :" يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " (النساء 29) . فلابد أن تكون المنفعة المعقود عليها ملكا للمؤجر أو مأذونا له فيها ؛ لأن الإنسان قد يملك المنفعة ولا يملك العين ، فالشرط أن تكون المنفعة للمؤجر أو مأذونا له فيها مثل شخص وهبت له منفعة هذه المزرعة وهي ليست ملكه بل ملك لصاحبها فأجرها فإن الإجارة صحيحة ؛ لأنه يملك المنفعة .

وقوله : " أو مأذونا له فيها " وهو إما وكيل ، وهو من أذن له بالتصرف في حال الحياة وإما ولي ، وهو من يتصرف بإذن من الشارع كولي اليتيم وكولاية الحاكم على الأموال التي لا يعلم لها مالك . وإما وصي ، وهو من أُذن له في التصرف بعد موت الآذن ، وإما ناظر وقف وهو من أذن له في التصرف في الوقف .

فلابد أن يكون مالكا أو قائما مقام المالك ، وهم أربعة : الولي ، والوصي ، والوكيل ، والناظر ، فلو أن شخصا عنده علم بأن جاره يريد أن يؤجر دكانه وجاء شخص يريد أن يستأجره وصاحب الدكان غير موجود فأجره جاره فوافق المالك على ذلك فالأجرة صحيحة .

قوله : " وتجوز إجارة العين لمن يقوم مقامه لا بأكثر منه ضررا " ، مثاله : رجل استأجر دكانا لبيع الملابس ثم جاءه إنسان آخر بائع ملابس فاستأجره مدة استئجاره فهذا جائز ؛ لأن الثاني يقوم مقام الأول . مثال آخر : رجل استأجر محلا ليبيع فيه خضارا وفواكه فجاءه رجل وقال : أريد أن أستأجره منك لأجعله مطعما فهذا لا يجوز أن يستأجره منه ؛ لأن صاحب المطعم يضر المحل أكثر من صاحب الخضار كما قال المؤلف : لا بأكثر منه ضررا .

قوله :" وتصح إجارة الوقف " وهو الذي يؤجر ولا يباع ، أي يحبس أصله ، مثاله إنسان أوقف دكانه فيؤجر ولا يباع فإن كان أوقفه على الفقراء فأجرته للفقراء ، وإن كان على أولاده فالأجرة لأولاده ولا يملكون بيعه ؛ لأنه وقف محبوس .

قوله :" فإن مات المؤجر وانتقل إلى من بعده لم تنفسخ " ، أجر الوقف باعتبار أنه مستحق ومات فإن الوقف ينتقل لمن بعده ، مثاله : قال :هذا وقف على أولادي ثم أولادهم . والأولاد أجروا ثم ماتوا فإن الوقف ينتقل إلى أولادهم .

الآباء أجروا الوقف لمدة عشر سنين لكن الله تعالى قضى عليهم بالموت في خلال ثمان سنوات وبقي من المدة سنتان يقول المؤلف : " الإجارة لا تنفسخ " ؛ لأن الآباء أجروا في وقت هم يملكون المنفعة فنفذ العقد فإذا انتقل إلى من بعدهم انتقل على أنه مؤجر ، بقي علينا : الأجرة لمن تكون ؟ ، يقول المؤلف وللثاني حصته من الأجرة " أي نصيبه ، فعلى المثال السابق مضى من المدة ثمانية من عشرة ، وهى أربعة أخماس فيبقى خمس الأجرة تكون للأولاد ، فالإجارة لا تنفسخ بموت المؤجر وهو عمل القضاة وعمل الناس اليوم لكن لا يجوز لبطن المستحقين أن يؤجروا مدة يغلب على الظن بأنهم لا يعيشون إليها حتى لا يعتدوا على حقوق الآخرين ، فمثلا لو قدرنا أن صاحب الوقف عمره الآن بلغ ثمانين سنة وأجره شخص آخر لمدة ثمانين سنة فيكون عمره مائة وستين سنة ، والغالب أنه لا يعيش إلى هذه المدة فلا يحل له ذلك ؛ لأنه اعتداء على حقوق الآخرين .

أما القاضي فيؤجر على ما تنبنى عليه المصلحة في تأجير هذه الدار ، ولا يجوز أن يأخذ الأجرة مقدما ، مثال ذلك : مزرعة وقف أجرها على شخص عشر سنوات على أن يدفع الإيجار للسنوات العشر مقدما ؛ لأنه قد يموت فتدخل في تركته وربما ينفقها فتضيع على البطن الثاني إلا إذا كان الوقف محتاجا إلى تعمير فهذا يجوز لمصلحة الوقف .

قوله : " وإن أجر الدار ونحوها " كالدكان مثلا .

قوله : " مدة ولو طويلة يغلب على الظن بقاء العين فيها صح " ، مثل أن يؤجر هذا البيت مدة خمسين سنة فالإجارة صحيحة ؛ لأن خمسين سنة يغلب على الظن أن يبقى البيت إليها إذا كان من الأسمنت وكان جديدا ، لكن لو انهدمت قبل تمام المدة انفسخت الإجارة ؛ لتلف العين المعقود عليها وللمستأجر حصته من الأجرة فيما لم يستوف منفعته .

وما ذكرته آنفا في عقد الإجار على الدار أوالدكان إذ لا يجوز أن يؤجر الدار مدة تفوق ما يتوقع أن يعيش فيها مثل مائة سنة والمؤجر عمره الآن خمسون سنة . وإذا استأجر الدار لمدة سنتين مثلا فالمستأجر لا يملك إلا الانتفاع لا أن يعدل بابا من الأبواب أو يفتح فرجة في دار ؛ لأنه إنما استأجر المنفعة أما العين فلا يتصرف فيها . أما إذا كان عقد الإيجار على الأرض فيختلف ، فهذه مسألة الحكورة ،تسمى عند آبائنا " الصبرة " من الصبر وهو الحبس المعقود عليه ليس العين ، بل المعقود عليه منفعة الأرض ولهذا يجوز لمن عقد عقد حكورة أن يهدم البيت وينشئه من جديد ، فيجوز تاجير الأرض إلى ألف سنة وأكثر ، ففرق بين الأجرة المحضة وبين الحكر ؛ لأن الحكر إنما يقع العقد على الأرض ولا حرج في طول المدة ، أما إذا كان العقد على العين فلابد أن يكون إلى مدة يغلب على الظن بقاء العين فيها ، فلا يؤجر فرسا لمدة سبعين سنة ؛ لأن الفرس لا تعيش لهذه المدة ، ولا سيارة لمدةسبعين سنة ؛ لأن الغالب أن لا تبقى إلا أن توقف ولا تستعمل . فاشتلرط المؤلف في تأجير العين مدة يغلب على الظن بقاء العين فيها وإلا فلا ، وإذا استأجرها ولم تبق فإن الإجارة تنفسخ ويسقط عن المستأجر بقسطه من الأجرة

وبالله التوفيق

19 - 8 - 1441هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة