الدرس 199 الإجارة 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 23 رجب 1441هـ | عدد الزيارات: 853 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يقول المؤلف رحمه الله في باب الإجارة " ولا الشمع ليشعله "

آخر ما ذكرنا في الدرس الماضي أنه لا يصح إجارة الطعام للأكل بل يشتريه وكذا درس اليوم أنه لا تصح إجارة الشمع ليشعله لأن الشمع عبارة عن شيء جامد يذوب مع النار غير أنه يغذي النار مثل الفتيلة في إضاءة السراج .

فلو قال المستأجر لمالك الشمعة أريد أن تؤجرني هذه الشمعة لمدة ساعة أوساعتين أو ثلاث فعلى المذهب لا يجوز لأنه لا يُعلم ماذا يستهلك من الشمعة لكن ابن تيمية أجاز ذلك غير أننا نتحفظ من قوله ونقول يجوز على أن نحدد له مساحة معينة من السنتيمترات مع تحديد القيمة فعشرة سنتيمتر بعشرين ريال مثلا وما نقص فبقدره لأن السنتيمتر بريالين وذلك خروجا من الجهالة أو نقول نشعل لك الشمعة لمدة ساعة بعشرين ريال ليكون معلوما .

قوله " ولا حيوان ليأخذ لبنه إلا في الظِئر "

لا يجوز تأجير الحيوان لأخذ لبنه ، مثال ذلك : رجل عنده بقرة مع فصيلها فماتت البقرة فاستأجر بقرة من جاره ليرضع منها الفصيل لمدة شهر فهذا لا يجوز لأن المعقود عليه هو اللبن واللبن أجزاء والإجارة لا تكون إلا على منافع لا على أجزاء وكذا لو استأجر ناقة لمدة أسبوع من أجل أخذ اللبن فعلى المذهب لا يجوز لأن اللبن مجهول مقداره ثم أيضا بعض الإبل لا ترضى أن تُحلب فلا تُدر الناقة الحليب .

لكن الظئر مستثنى والظئر هي المرضعة لولد غيرها فيجوز للإنسان أن يستأجر امرأة ترضع ولده بأجرة معلومة مع أن المعقود عليه هو اللبن .

والصواب هو الجواز قياسا على الظئر ويقوي ذلك أنه اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .

والذي عليه الناس اليوم أنهم يشترون الحليب بعد حلبه ويأخذون بالمذهب الذي لا يجيز بيع اللبن في الضرع وهذا لا إشكال فيه إذا كان عندك ضيوف أو لنفسك لكن إذا كان لأولاد البهائم فلك أن تشتريه وهو في الضرع باستئجار الناقة أو البقرة أو الماعز أو الشاة قياسا على جواز استئجار المرضعة من النساء لقول الله تعالى " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " البقرة 233 ، ولا تجوز الرضاعة أكثر من سنتين .

وقال تعالى " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " ، وقال " وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " الطلاق 6 ، إذا لم يتفق مع أمه المطلقة فامرأة ثانية المهم أن تدفع لها أجرة الإرضاع سواء كانت أمه المرضعة المطلقة أو امرأة أخرى .

قوله " ونقع البئر وماء الأرض يدخلان تبعاً "

فلو استأجر شخص من آخر بئر يسقي منه إبله أو زرعه فهذا جائز مع أن المعقود عليه هو الماء وهو عين وأجزاء فكيف يجيبون عن قولهم إن الإجارة لابد أن تقع على المنفعة .

يقولون : هذا يدخل تبعا لأن المعقود عليه هو البئر أما الماء فليس معقودا عليه والعكس صحيح .

الأصل هو الماء والبئر لو لم يكن فيها ماء ما استأجرها أحد .

وقوله " وماء الأرض يدخلان تبعا "

رجل استأجر أرضاً للزرع فلا بأس والأرض فيها ماء إما من نهر أو من وادي يأتي إليها أو ما أشبه ذلك فهم يقولون الماء يدخل تبعا وهذا عكس ما يريده كل إنسان فلولا وجود الماء في الأرض ما استأجرها والصواب هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : الأجزاء التي تتولد وتتابع شيئا فشيئا بمنزلة المنافع تماما .

وعليه يجوز استئجار الحيوان لأخذ لبنه والأرض والبئر لأخذ مائهما ، وبموجب قول ابن تيمية رحمه الله إذا استأجرنا حيوانا لأخذ لبنه فأبى الحيوان أن يُحلب لأنه لا يدر الحليب حتى يؤتي له بولده ويحلب .

فعليه فإنه ينفسخ العقد لتعذر استيفاء المنفعة بغير تفريط .

أما إذا استأجرنا بقرة لحلبها فأبت أن تدر اللبن إلا بإحضار الطعام لها فعلينا إحضاره لأن هذه عادة بعض البقر حتى لا نكون من المفرطين .

قوله " والقدرة على التسليم "

هذا هو الشرط الثالث من شروط العين المؤجرة أن يكون قادرا على تسليمها للمستأجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تبع ما ليس عندك " رواه أحمد وصححه النووي والألباني .

فالإجارة نوع من البيع ، وغير المقدور عليه لا يجوز إجارته ، ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ، أخرجه مسلم عن أبي هريرة .

فغير المقدور عليه إجارته غرر لأن الإجارة نوع من البيع فإذا كنا نشترط في البيع القدرة على تسليم المبيع فكذلك نشترط في الإجارة القدرة على تسليم المستأجر .

قوله " فلا تصح إجارة الآبق "

أي العبد الذي هرب من سيده ولا يدري عنه سيده فهذا لا تصح إجارته لأنه غير مقدور على تسليمه وحينئذ إما أن يستطيع المستأجر استلامه فيكون غانما لأن أجرة الآبق أقل وإن لم يستطع صار غارما .

والقاعدة الشرعية ( أن كل عقد يكون متردداً بين الغنم والغرم فهو باطل ) لأنه ميسر مبني على الجهالة إما الغنم أو الغرم ويدخل أيضا في ضمن نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ، أخرجه مسلم عن أبي هريرة .

قوله " والشارد "

أي الجمل الشارد أو الخيل أو الحمار مثل إنسان له جمل هارب فجاء شخص يستأجره منه بقيمة معينة فهذه إجارة فاسدة لعدم القدرة على التسليم والعجز عن التسليم يقتضي أن يكون المستأجر غانما أو غارما للتعليل السابق .

قوله " واشتمال العين على المنفعة "

هذا هو الشرط الرابع في العين المؤجرة لأن المعقود عليه بالإجارة هو المنفعة فإن لم تكن صار من باب إضاعة المال الذي لا فائدة فيه ولهذا قال " فلا تصح إجارة بهيمة زمِنة لحمل " الزمِنة هي التي لا تستطيع السير فلا يصح تأجيرها للحمل عليها من إبل أو خيل أو حمار ، وكذا لا يصح تأجير سيارة متعطلة للسفر عليها وغيره إلا إذا كان الخراب يسيرا يمكن إصلاحه خلال يوم أو يومين .

قوله " ولا أرض لا تنبت الزرع "

كالأرض السبخة لعدم وجود المنفعة المعقود عليها إلا إذا كان استئجارها لتكون مخزناً ونحوه فنعم لإمكانية الانتفاع بها .

قوله " وأن تكون المنفعة للمؤجر أو مأذوناً له فيها "

هذا هو الشرط الخامس في العين المؤجرة بأن يكون مالكا أو قائما مقام المالك وهذا شرط في جميع العقود لقول الله تعالى " يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " النساء 29 .

فالشرط أن تكون المنفعة للمؤجر مثل شخص وُهبت له منفعة هذه العين وهي ليست ملكه بل لصاحبها فأجرها فالإجارة صحيحة لأنه يملك المنفعة وإن لم يملك العين .

قوله " أو مأذونا له فيها "

وهو إما وكيل وهو من أذن له في التصرف في حال الحياة وإما ولي وهو من يتصرف بإذن من الشارع كولي اليتيم وكولاية الحاكم على الأموال التي لا يعلم لها مالك وإما وصي وهو من أذن له في التصرف بعد موت الآذن ، وإما ناظر وقف هو من أذن له في التصرف في الوقف فلابد أن يكون مالكا أوقائما مقام المالك وهم أربعة الولي والوصي والوكيل والناظر ، أوضحت ذلك بكلام مقتضب في الأسطر السابقة .

فإن أجر ملك غيره فوافق المالك صح ذلك وإيضاح ذلك لو أن شخصا عنده علم بأن صاحبه يريد أن يؤجر بيته وهو غائب فأجره فوافق المالك على ذلك فالأجرة صحيحة لأن أصل منع نفوذ العقد في مملوك الغير لحق الغير فإذا وافق فقد أسقط حقه .

وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبالله التوفيق

22 - 7 - 1441هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة