الدرس العشرون باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 16 صفر 1434هـ | عدد الزيارات: 2804 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .

وبعد

قوله:" ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فرأيت النبيَّ ومعهُ الرَّهْطُ، والنبيَّ ومعه الرجل والرجلان، والنبيَّ وليس معه أحدٌ، إذ رفع لي سواد عظيم ، فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا مُوسَى وقَوْمُهُ، فنظرت فإذا سواد عظيم فقِيلَ لي: هذه أُمَّتُكَ، ومعهم سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغيرِ حِسَابٍ ولا عذاب ، ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك ، فقال بعضهم : فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ، فلم يشركوا بالله شيئا ، وذكروا أشياء ، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه فقال : هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، ولَا يَكْتَوُونَ، لا يَتَطَيَّرُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: ادعُ اللَّه أن يجعلني منهم ، فقال: أنت منهم ، ثم قَامَ رجلٌ آخَرُ فَقَالَ:ادعُ الله أن يجعلني منهم، فَقَالَ: سَبَقَكَ بهَا عُكَاشَةُ."

ورد الحديث في الصحيحين ولفظه في البخاري :" حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خَرَجَ عَلَيْنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ يَمُرُّ النبيُّ معهُ الرَّجُلُ، والنبيُّ معهُ الرَّجُلَانِ، والنبيُّ معهُ الرَّهْطُ، والنبيُّ ليسَ معهُ أحَدٌ، ورَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فقِيلَ: هذا مُوسَى وقَوْمُهُ، ثُمَّ قيلَ لِي: انْظُرْ، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فقِيلَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، ومع هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغيرِ حِسَابٍ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ ولَمْ يُبَيَّنْ لهمْ، فَتَذَاكَرَ أصْحَابُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالوا: أمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا في الشِّرْكِ، ولَكِنَّا آمَنَّا باللَّهِ ورَسولِهِ، ولَكِنْ هَؤُلَاءِ هُمْ أبْنَاؤُنَا، فَبَلَغَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: هُمُ الَّذِينَ لا يَتَطَيَّرُونَ، ولَا يَسْتَرْقُونَ، ولَا يَكْتَوُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: أمِنْهُمْ أنَا يا رَسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أمِنْهُمْ أنَا؟ فَقَالَ: سَبَقَكَ بهَا عُكَاشَةُ."

قوله :"ولكن حدثنا ابنُ عباس" عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، (3 ق هـ - 68 هـ ) هوصحابي محدث وفقيه وحافظ ومفسر، وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد المكثرين لرواية الحديث، حيث روى 1660 حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولد في مكة في شعب أبي طالب قبل الهجرة النبوية بثلاث سنوات، وهاجر مع أبيه العباس بن عبد المطلب قبيل فتح مكة فلقوا النبي محمدًا بالجحفة وهو ذاهب لفتح مكة، فرجعا وشهدا معه فتح مكة، ثم شهد غزوة حنين وغزوة الطائف ، ولازم النبي وروى عنه، ودعا له النبي قائلًا: «اللهم فقهه في الدين »،رواه البخاري، توفي النبيُّ وعمرُه ثلاث عشرة سنة، فكان يفسّر القرآن بعد موت النبي، حتى لُقِّب بـ حّبر الأمة وترجمان القرآن، والحبر والبحر.

قوله صلى الله عليه وسلم: (عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ ) كان هذا ليلة الإسراء يدل على ذلك رواية عبد الله بن عباس في صحيح الترمذي للألباني :"لمَّا أُسريَ بالنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ جعلَ يمرُّ بالنَّبيِّ والنَّبيَّينِ ومعهمُ القومُ والنَّبيِّ والنَّبيَّينِ ومعهمُ الرَّهطُ والنَّبيِّ والنَّبيَّينِ وليسَ معهم أحدٌ حتَّى مرَّ بسوادٍ عظيمٍ".

قوله ( والنبيُّ معهُ الرَّهْطُ) الرهط الجماعة دون العشرة.

وقوله صلى الله عليه وسلم (والنبيُّ ليسَ معهُ أحَدٌ،) أي يبعث ولا يكون معه أحد لكن يبعثه الله لإقامة الحجة فإذا قامت الحجة حينئذ يعذر الله من الخلق ويقيم عليهم الحجة .

قوله (سوادًا كثيرًا) أي خلقا كثيرا ، من كثرتهم يُرَوْا كالسواد .

قوله (فَرَجَوْتُ أنْ تَكُونَ أُمَّتِي) لأن الأنبياء عرضوا عليه بأممهم فظن هذا السواد أمته عليه الصلاة والسلام.

قوله ( فقِيلَ: هذا مُوسَى وقَوْمُهُ،) ، وهذا يدل على كثرة أتباع موسى عليه السلام وقومه الذين أرسل إليهم .

قوله صلى الله عليه وسلم (فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فقِيلَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، ) فهذا أعظم من السواد الأول لأن أمة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر بكثير من أمة موسى عليه السلام.

قوله صلى الله عليه وسلم " ومع هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغيرِ حِسَابٍ " ، وذلك لتحقيقهم التوحيد، فلا يعذبون ولا يحاسبون كرامةً لهم ، فخاض الناس في أولئك وهذا الخوض للوصول إلى الحقيقة حتى يكونوا منهم ، فأخبروه بما قالوا وما جرى بينهم.

فقال صلى الله عليه وسلم (لا يَتَطَيَّرُونَ ) مأخوذ من الطير والمصدر منه تطير والطيره اسم المصدر وأصله التشاؤم بالطير.

(ولَا يَسْتَرْقُونَ )أي طلب الرقية أي لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم.وهذا بخلاف من رقى أو رُقي بغير سؤال ، فقد رقى جبريلُ عليه السلام النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

وقوله صلى الله عليه وسلم:( ولَا يَكْتَوُونَ ):أي لا يطلبون من أحد أن يكويهم طلبًا للشفاءِ ؛ وذلك استسلاما للقضاء وتلذذا بالبلاء، أما الكيُّ في نفسه فجائز وتركه أفضل؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ ) رواه البخاري.(وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). ذكر الأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال، وهو التوكل على الله، وصدق الالتجاء إليه، والاعتماد بالقلب عليه .

قوله :"فَقَامَ عُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ" وهو : ابن حُرْثَان الأسدي من بني أسد بن خزيمة، كان من السابقين إلى الإسلام، ومن أجمل الرجال، هاجر وشهد بدرا، استشهد في قتال أهل الردَّة بيدي طليحة الأسدي سنة اثنتي عشرة من الهجرة. ثم أسلم طليحة بعد ذلك .

قوله:" فَقَالَ: أمِنْهُمْ أنَا يا رَسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ"، لما كان يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم من إيمانه وفضله وجهاده.

قوله:"فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أمِنْهُمْ أنَا؟ فَقَالَ: سَبَقَكَ بهَا عُكَاشَةُ." سدا للباب ؛ حتى لا يقوم من ليس أهلا لها.

وبالله التوفيق

16 - 2 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر