الدرس 196 باب المساقاة 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 3 رجب 1441هـ | عدد الزيارات: 1124 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد

وبعد

يقول المؤلف رحمه الله " وتصح المزارعة بجزء معلوم النسبة "

سبق وأن ذكرنا أن المساقاة والمزارعة في جملة الأعمال التي يزاولها الناس من قديم الزمان لحاجتهم إليهما فقد يكون في ملك الإنسان شجر لا يستطيع القيام عليه واستثماره أو تكون له أرض زراعية لا يستطيع العمل عليها واستغلالها وعند آخر القدرة على العمل وليس في ملكه شجر ولا أرض ومن ثم أبيحت المزارعة والمساقاة لمصلحة الطرفين وهكذا كل التعامل الشرعي قائم على العدل وتحقيق المصالح ودفع المفاسد .

فالمساقاة عرفها الفقهاء بأنها دفع شجر مغروس أو شجر غير مغروس مع أرض إلى من يغرسه فيها ويقوم بسقيه وما يحتاج إليه حتى يثمر ويكون للعامل جزء مشاع من ثمر ذلك الشجر والباقي لمالكه .

والمزارعة دفع أرض لمن يزرعها أو دفع أرض وحب لمن يزرعه فيها ويقوم عليه بجزء مشاع منه والباقي لمالك الأرض وقد يكون الجزء المشروط في المساقاة والمزارعة لمالك الأرض أو الشجر للعامل .

والدليل على جواز المساقاة والمزارعة حديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشرط ما يخرج منها من ثمر أو زرع " متفق عليه ، وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخلها وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولهم شطر ثمرها " أي نصفه .

وروى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى أهل خيبر أرضها ونخلها مقاسمة على النصف " رواه ابن ماجه .

دل هذا الحديث على صحة المساقاة

قال الإمام ابن القيم : وفي قصة خيبر دليل على جواز المساقاة والمزارعة بجزء من الغلة من ثمر أو زرع فإنه عامل أهل خيبر واستمر على ذلك إلى حين وفاته ولم ينسخ البتة واستمر عمل الخلفاء الراشدين عليه وليس من باب المؤاجرة بل من باب المشاركة وهو نظير المضاربة سواء ا.هـ

وقال الموفق ابن قدامة : وهذا عمل به الخلفاء الراشدون مدة خلافتهم واشتهر ذلك فلم ينكر فكان إجماعا ، قال : ولا يجوز التعويل على ما خالف الحديث والإجماع .

إذاً المزارعة هي أن يدفع أرضا لمن يزرعها بجزء من الربح فالمساقاة على الشجر والمزارعة على الزرع .

وما له ثمر وساق وأغصان يسمى شجرا وما ليس كذلك يسمى زرعا .

مثال الزرع : القمح والذرة والشعير والأرز وما أشبه ذلك .

فقوله " وتصح المزارعة " أي جائزة لأن الصحة فرع عن الجواز في الحكم الشرعي .

وليس كل محرم غير صحيح فإذا كان التحريم في ذات الشيء فهو غير صحيح وإن كان خارجه فهو صحيح فتلقي الركبان مثلا حرام والشراء منهم حرام لكن البيع صحيح والعلة في التحريم خشية تغرير البائع الذي لم يقدم البلد ولم يدر عن الأسعار ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار " رواه مسلم عن أبي هريرة .

فقول المؤلف " تصح المزارعة بجزء معلوم النسبة "

بجزء هذا شرط خرج به ما لو دفع الأرض لمن يزرعها مجانا فهذه لا تسمى مزارعة لأن الزرع كله للعامل .

مثال ذلك : رجل عنده أرض وله أخ فقير فقال لأخيه ازرعها بدون مقابل فهذه لا تسمى مزارعة وإنما هي منحة لأن المزارعة نوع من المشاركة لكنها تبرع من صاحب الأرض لأخيه لتحسين وضعه الاقتصادي .

قوله " معلوم النسبة " أي بالربع أو الثلث أو العشر وما أشبه ذلك .

قوله " مما يخرج من الأرض " أي من الزرع ، ولو قال ازرعها بألف صاع من البر صح ذلك لكنها تعتبر إجارة ويبقى الألف صاع من البر في ذمته .

فالمزارعة أن يقول ازرعها ولك ربع إنتاجها وهذا صحيح .

فقوله " وتصح المزارعة بجزء معلوم النسبة " مما يخرج من الأرض لربها أو للعامل والباقي للآخر .

يعني الجزء المعين تارة يُعيَّن لصاحب الأرض وتارة يُعيَّن للعامل فإذا قال ازرع الأرض ولك الثلث فهنا عُين للعامل ، وإذا قال ازرعها ولي الثلث فهنا عُين لرب الأرض .

قوله " والباقي للآخر " أي إذا عين لأحدهما سهم فالباقي للآخر .

قوله " ولا يشترط كون البذر والغِراس من رب الأرض وعليه عمل الناس "

أي لا يشترط كون البذر في المزارعة من صاحب الأرض ولا كون الشجر وهو الغِراس في المغارسة من صاحب الأرض .

لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ولم يعطهم البذر والغِراس ، ولو كان شرطا لأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم البذر والغراس .

قوله " والغِراس " إشارة إلى المغارسة وهي أن يدفع الإنسان الأرض لشخص يغرسها بأشجار ويعمل عليها بجزء من الأشجار ليس بجزء من الثمرة لأن الثمرة تتبع الأصل ، والفرق بينها وبين المساقاة أن المساقاة بجزء من الثمرة .

قوله " وعليه عمل الناس " أي المزارعين لأن الأصل في ذلك معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع وبقيت المعاملة هذه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه " رواه البخاري ومسلم ، لأنهم فعلوا ما يقتضي إجلاءهم فأجلاهم .

وبالله التوفيق

2 - 7 - 1441هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر