الدرس 195 باب المساقاة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 10 جمادى الآخرة 1441هـ | عدد الزيارات: 823 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .

قوله " باب المساقاة " أصل المساقاة مساقية لكن تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فهي مفاعلة والمفاعلة لا تكون غالبا إلا من طرفين احترازاً من غير المغالب ومنه سافر يسافر مسافرة فليس معه أحد يغالبه في السفر .

إذاً المساقاة عقد بين اثنين وهي أن يدفع شجراً لمن يقوم عليه بجزء من ثمره .

والأصل في المعاملات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه ، أما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر طلب منه أهلها أن يعاملهم وقالوا نحن نكفيكم المؤونة ولنا شطر الثمرة لأن أهل خيبر كانوا عالمين بالفلاحة والصحابة رضي الله عنهم كانوا مشتغلين بالجهاد عن العمل في هذه المزارع فعاملهم النبي صلى الله عليه وسلم بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع " أخرجه البخاري ومسلم . والشطر أي النصف .

لأن هذا من المصلحة فقد يكون الإنسان مالكا لبساتين كثيرة ويعجز عن القيام بما تحتاجه هذه البساتين عجزا بدنيا أو ماليا فيكون ما أمامه إلا أحد أمرين إما أن يهمل هذا الشجر فيموت ويهلك وهذا إفساد وإضاعة مال وإما أن يعطيه من يعمل به بأجرة وهذا قد يكون شاقا عليه .

فالمساقاة من العقود الجائزة

قول المؤلف رحمه الله " تصح على شجر له ثمر يؤكل " اشترط المؤلف في عقد المساقاة أن يكون الشجر له ثمر يؤكل .

مثاله : الموز - الخوخ - الكمثرى - الرمان ، أما البرسيم مثلا فليس بشجر لأن الشجر ما له ساق والبرسيم ليس له ساق .

مع أن كلام الفقهاء في أن الشجر ما له ساق فيه نظر لأن الله تعالى أثبت الساق للزرع فقال الله تعالى " كزرع أخرج شطئه فآزره فاستلغظ فاستوى على سوقه " الفتح 29 .

فعلى كلام المؤلف الزرع لا يدخل في هذا ومنه البرسيم وهذا مخالف لنص القرآن .

قوله " له ثمر يؤكل " احترازا مما لا ثمر له كشجر الأثل وهو شجر قوي كبير يرتفع فتتخذ منه الأبواب وسقف البيوت ، فالأثل لا تصح المساقاة فيه لأن التعب عليه لا يعطي ربحا .

وقال بعض العلماء أنه يجوز على شجر لا ثمر له إذا كانت أغصانه ينتفع بها مثل أن تكون أغصانه تقطع وتجعل أبوابا صغارا أو ما أشبه ذلك مثل الأثل أو سدر يمكن أن ينتفع بأوراقه وهذا هو القول الصحيح .

قوله " وعلى ثمرة موجودة "

مثاله : رجل عنده نخل وأثمر النخل لكنه تعب من سقيه وملاحظته فساقى عليها شخصا فقال أنا أساقيك على هذا النخل إلى أن تجذ فلا بأس بذلك سواء كان نخلاً أو عنباً أو غير ذلك .

قوله " وعلى شجر يغرسه " أي تصح المساقاة على شجر لم يغرس بعد وإنما يغرسه العامل .

وهذه هي الصورة الثالثة ، فالأولى شجر قائم يساقى عليه ، الثانية ثمر على شجر يساقى عليه ، الثالثة شجر لم يغرس بعد إنما أتى رب المال بالأشجار وجمعها وقال للعامل ساقيتك على هذه الأشجار تغرسها بجزء من ثمرتها فهذا يجوز حيث يعمل عليه هذا العامل لأن الأصل في المعاملات الجواز .

وهذا هو ظاهر فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر .

قوله " ويشترط أن يكون الجزء معلوما مشاعا " وهذه سبقت في الشركة فلابد أن يكون جزءا مشاعا معلوما مثل ربع ونصف وثلث وثمن وعشر حسب ما يتفقان عليه فإن كان غير معلوم بأن قال ساقيتك على هذا الشجر ببعض ثمره فهذا لا يجوز لأنه مجهول .

ولو قال ساقيتك على هذا الشجر على أن ثمرة هذا العام لك وثمرة العام المقبل لي فلا يجوز لأنه غرر وجهالة ويؤدي إلى النزاع وإلى المغرم أو المغنم لأحدهما دون الآخر والأصل في الشركة اشتراك الشريكين في المغنم والمغرم .

يقول رافع بن خديج رضي الله عنه : " كان الناس يؤجرون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع - يعني غير مشاع - فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كراء إلا هذا ولذلك زجر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به " أخرجه مسلم

يريد بالشيء المعلوم المضمون المشاع المعلوم .

قوله " وهي عقد جائز " وذلك باعتبار الحكم الوصفي لأن الحكم التكليفي هو ما يترتب عليه الثواب والعقاب والحكم الوصفي هو ما يترتب عليه الصحة والفساد .

فالجائز في الحكم الوصفي أي أنها من العقود التي يملك كل واحد من المتعاقدين فسخها بدون رضى الآخر وضد الجائز اللازم وهو الذي لا يملك أحد المتعاقدين فسخه إلا بسبب شرعي أما من جهة الحكم التكليفي أي لا إثم فيه وضده المحرم .

وعلى هذا فمالك الشجر لا يُلزِم الفلاح والفلاح لا يُلزِم مالك الشجر .

قول المؤلف " فإن فسخ المالك قبل ظهور الثمرة فللعامل الأجرة " إذاً فلا يضيع حق العامل فالثمرة في المساقاة هي المعقود عليها فمثلا المالك أعطى العامل الليمون في مثل وقتنا الآن الثمر قد جذ والليمون ليس عليه ثمرة وبعد مضي شهرين رأى المالك أن هذا العامل لا يقوم باللازم تجاه الليمون ففسخ المالك المساقاة بينه وبين العامل فلا بأس لكن العامل تعب في ملكه بإذنه فيكون له الحق فيفرض له على قول المؤلف أجرة المثل .

فإذا عمل في البستان لمدة شهرين يعطى في الشهر الواحد خمسة آلاف مثلا وله المثل فيعطى عشرة آلاف .

قوله " وإن فسخها فلا شيء له " أي فسخ العقد العامل وأسقط عمله بنفسه وهذا قبل ظهور الثمرة فلا شيء له لأنه هو الذي أسقط عمله بنفسه لكن المساقاة عقد لازم كالإجارة ويتعين تعيين المدة فيقال ساقيتك على سنة أو سنتين أو ما أشبه ذلك لأن العقد اللازم لابد أن يحدد حتى لا يكون لازما مدى الدهر فيتعين تحديد المدة ولا يمكن لأحدهما فسخه ما دامت المدة باقية فإن تعذر العمل عليه لمرض أو غيره أقيم من يقوم بالعمل على نفقة العامل وله السهم المتفق عليه وهذا هو الصحيح وعليه عمل الناس اليوم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع وقال : نقركم في ذلك ما شئنا " أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر ، أي نقركم ما شئنا من الإقرار وأنتم ما دمتم باقين فعلى المعاملة .

لأننا لو قلنا إنه عقد جائز كثر الضرر والنزاع بين الناس ولأن العامل ربما يتحيل فيأتي في موسم المساقاة فإذا زال الموسم جاء إلى المالك وفسخ وكذلك بالعكس ربما يكون المالك أعطى العامل هذا الملك ليعمل فيه فإذا زادت الأسهم للملاك فسخها وأعطاه أجرة المثل .

ثم بدأ المؤلف يبين ما يلزم العامل وما يلزم المالك فقال " ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة من حرث وسقي وزبار " الزبار هو قطع الأغصان الرديئة .

وقوله " وتلقيح " : أي ليثمر النخل

وقوله : وتشميس " للثمر بعد أن يجذ فيحتاج إلى أن يوضع في الشمس حتى ييبس فهذا على العامل .

قوله " وإصلاح موضعه " أي إصلاح موضع التشميس .

قوله " وطرق الماء " أي إصلاح طرق الماء وهي السواقي .

قوله " وحصاد ونحوه " أيضا الحصاد على العامل ، أما الجذاذ فإنه يتبع في ذلك العرف .

قوله " وعلى رب المال ما يصلحه " أي ما يصلح المال .

قوله " كسد حائط " أي إذا سقط سور البستان يقيمه مرة أخرى صاحب البستان .

قوله " وإجراء الأنهار " وهذا أيضا على رب المال .

قوله " والدولاب ونحوه " الدولاب هو آلة استخراج الماء من البئر .

قوله " ونحوه " يعني مما يحتاجه الأصل والمرجع في ذلك إلى العرف .

وبالله التوفيق

10 - 6 - 1441هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة