ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

تفسير سورة النور

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 17 جمادى الأولى 1440هـ | عدد الزيارات: 1808 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

سورة النور مدنية

عدد آياتها 64.

بسم الله الرحمن الرحيم.

" سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (1)

أي هذه "سورة" عظيمة من القرآن يجب الاعتناء بها ولا ينفي ما عداها "أنزلناها" رحمة منا بالعباد "وفرضناها" أي أوجبنا العمل بأحكامها وقد بينا فيها الحلال و الحرام والأمر و النهي والحدود," وأنزلنا فيها آيات بينات" مفسرات واضحات؛"لعلكم تذكرون"

حين نبين لكم ونعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ثم شرع في بيان تلك الأحكام المشار إليها فقال

"الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " (2)

"الزانية والزاني"هذا الحكم في الزانية و الزاني البكرين وهما من لم يسبق لهما الزواج , "فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"عقوبةُ كل منهما مائة جلدة بالسوط, وثبت في السنة مع هذا الجلد التغريب لمدة عام و السجن يقوم مقام التغريب وأما الثيب فهو المحصن الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فحده الرجم حيث ثبت ذلك في الصحيحين "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" ولا تحملكم الرأفة بهما على ترك العقوبة أو تخفيفها"إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر" إن كنتم مصدقين بالله واليوم الآخر عاملين بأحكام الإسلام، "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"وليحضر العقوبةَ عدد من المؤمنين; تشنيعًا وزجرًا وعظة واعتبارًا.

"الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" (3)

هذا بياناً لرذيلة الزنا وأنه يدنس عرض صاحبه وعرض من قارفه ما لا يفعله بقيت الذنوب فأخبر أن الزاني لا يوافق على زواجه من النساء إلا أنثى زانية تناسب حاله و حالها أو مشركة بالله لا تؤمن ببعثٍ ولا جزاء وكذلك الزانية لا يوافق على الزواج منها إلا زان أو مشرك. وحُرِّم ذلك الزواج على المؤمنين. وهذا دليل صريح على تحريم الزواج بالزانية حتى تتوب, وكذلك تحريم تزويج الزاني حتى يتوب.وأن زواج الزاني بالمحصنة المسلمه أو الكتابية يعتبر زواج باطل و زنا.

"وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (4)

والذين يُتْهمون بالفاحشة أنفسًا عفيفة من النساء والرجال مِن دون أن يشهد معهم أربعة شهود عدول, فاجلدوهم ثمانين جلدة بسوط متوسط يؤلم فيه ولا يبالغ بذلك حتى لا يتلفه لان القصد التعذيب لا الإتلاف وهذا تقدير حد القذف بشرط أن يكون المقذوف محصناً لقول الله تعالي"والذين يرمون المحصنات" وأما قذف غير المحصن فإنه يوجب التعزير و التعزير يكون بأقل من الحد, ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا أي لهم عقوبة اخرى وهي أن شهادة القاذف غير مقبوله ولو حُد على القذف حتى يتوب, "وأولئك هم الفاسقون" أي الخارجون عن طاعة الله الذين قد كثر شرهم وذلك لانتهاك عرض إخوانهم وهذا دليل على أن القذف من كبائر الذنوب.

"إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (5)

لكن مَن تاب ونَدم ورجع عن اتهامه وأصلح عمله, فإن الله يغفر ذنبه ويرحمه, ويقبل توبته.

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ " (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ "(7)

إنما كانت شهادات الزوج على زوجته دارئة عنه الحد لأن الغالب أن الزوج لا يقدم على رمي زوجته التي يدنسه ما يدنسها إلا اذا كان صادقا ولأن له في ذلك حقاً وخوفاً من إلحاق أولاد ليسوا منه به.فالذين يرمون زوجاتهم بالزنا, ولم يكن لهم شهداء على اتهامهم لهنَّ إلا أنفسهم, فعلى الواحد منهم أن يشهد أمام القاضي أربع مرات بقوله: أشهد بالله أني صادق فيما رميتها به من الزنا, ويزيد في الشهادة الخامسة الدعوة على نفسه باستحقاقه لعنة الله إن كان كاذبًا في قوله.

" وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ(8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ" (9)

وبشهادته تستوجب الزوجة عقوبة الزنا، وهي الرجم حتى الموت، ولا يدفع عنها هذه العقوبة إلا أن تشهد في مقابل شهادته أربع شهادات بالله إنه لكاذب في اتهامه لها بالزنا، وتزيد في الشهادة الخامسة الدعوة على نفسها باستحقاقها غضب الله، إن كان زوجها صادقًا فى اتهامه لها، وفي هذه الحال يفرق بينهما.روى البخاري عن ابن عباس؛أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء،فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"البينة وإلا حد في ظهرك" .فقال:يا رسول الله،إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة؟فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول"البينة وإلا حد في ظهرك".فقال هلال:والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد . فنزل جبريل، وأنزل عليه:"والذين يرمون أزواجهم"،فقرأ حتى بلغ:"إن كان من الصدقين".فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما ، فجاء هلال فشهد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله يعلم أن أحدكما كاذب،فهل منكما تائب"؟ ثم قامت فشهدت،فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة.قال ابن عباس:فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ،ثم قالت:لا أفضح قومي سائر اليوم. فمضت،فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين،سابغ الأليتين،خدلج الساقين،فهو لشريك بن سحماء". فجاءت به كذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم"لولا ما مضى من كتاب الله،لكان لي ولها شأن".ومن المعلوم أن ابن الزنا ينسب إلى أمه.

" وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ " (10)

ولولا تفضُّل الله عليكم ورحمته- أيها المؤمنون- بهذا التشريع للأزواج والزوجات، لأحلَّ بالكاذب من المتلاعنين ما دعا به على نفسه، وأن الله تواب لمن تاب مِن عباده، حكيم في شرعه وتددبيره.

" إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ " (11)

،الذين جاؤوا بأشنع الكذب حين عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق، وهو اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالفاحشة،جماعة منتسبون إليكم لا تحسبوا قولهم شرًّا لكم يا آل ابي بكر, بل هو خير لكم، لما تضمن ذلك مِن تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها والتنويه بذكرها, ورفع الدرجات، وتكفير السيئات، وتمحيص المؤمنين. لكل فرد تكلم بالإفك جزاء فعله من الذنب، والذي تحمَّل معظمه، وهو عبد الله بن أُبيِّ ابن سلول كبير المنافقين- لعنه الله- له عذاب عظيم في الآخرة، وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار. روى البخاري عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال:قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه فأيهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه قالت عائشة فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أنزل الحجاب فكنت أحمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل دنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه قالت وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل فساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي و والله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وهوى حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فقمت إليها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة وهم نزول قالت فهلك من هلك وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول قال عروة أخُبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه . وروى الإمام أحمد عن عائشة قالت لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك و تلا القرأن فلما نزل أمر برجلين و امرأة فضربوا حدهم وأخرجه أهل السنن الأربعة وقال الترمذي هذا حديث حسن ووقع عند أبي داود تسميتهم حسان بن ثابت و مسطح بن أثاثة و حمنة بنت جحش. حسنه الألباني.

" لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ" (12)

هذا تأديب من الله للمؤمنين في قصة عائشة رضي الله عنها حين افاض بعضهم في ذلك الكلام السوء وما ذكر من شأن الإفك فقال تعالي "لولا"يعني هلا"إذ سمعتموه" أي ذلك الكلام الذي رميت به أم المؤمنين "ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا "أي قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم فإن كان لا يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأولى و الأحرى، "وقالوا هذا إفك مبين" إي هذا كذب ظاهر على عائشة رضي الله عنها.

" لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ " (13)

هلا أتى القاذفون بأربعة شهود عدول على قولهم، وحيثُ لم يفعلوا ذلك فأولئك هم الكاذبون عند الله.

" وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (14)

ولولا فَضْلُ الله عليكم ورحمته لكم إيها الخائضون في شأن عائشة بأن قبل توبتكم وإنابتكم إليه في الدنيا وعفا عنكم لإيمانكم بالنسبة إلى الدار الآخرة"لمسكم في ما أفضتم فيه " من قضية الإفك"عذاب عظيم "وهذا فيمن عنده إيمان يقبل الله بسببه التوبة وأما من خاض فيه من المنافقين وهو عبدالله بن أبي بن سلول وأضرابه فليس أولئك مرادين في هذه الآية لأنه ليس عندهم من الإيمان والعمل الصالح ما يعادل هذا .

" إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ" (15)

ثم قال تعالي"إذ تلقونه بألسنتكم"

أي يرويه بعضكم عن بعض يقول هذا سمعته من فلان و قال فلان كذا وذكر بعضهم كذا،"وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم" أي تقولون مالا تعلمون . "وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم"أي تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين و تحسبون ذلك يسيرا ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هينا فكيف و هي زوجة النبي خليل الله وخاتم الأنبياء وسيد المرسلين فعظيم عند الله أن يقال في زوجة رسوله ما قيل فالله يغار لهذا و هو سبحانه وتعالي لا يقدر على زوجة نبي من انبيائه ذلك حاشا و كلا و لما لم يكن ذلك فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء و زوجة سيد ولد آدم على الاطلاق في الدنيا و الاخرة.

وفي الصحيحين"إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يدري ما تبلغ يهوى بها في النار أبعد ما بين السماء و الأرض"رواه البخاري و مسلم.

"وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ " (16)

هذا تأديب أخر بعد الأولوهلا قلتم عند سماعكم إياه: ما يَحِلُّ لنا الكلام بهذا الكذب, تنزيهًا لك - يارب - مِن قول ذلك على زوجة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كذب عظيم في الوزر واستحقاق الذنب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تقول او تعمل"رواه البخاري و مسلم .

" يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (17)

ينهاكم الله أن تعودوا لما يشبه هذا أبدا، "إن كنتم مؤمنين" إن كنتم تؤمنون بالله وشرعه.

"وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (18)

"ويبين الله لكم الآيات"المشتملة على الأحكام الشرعية والمواعظ، "والله عليم" بما يصلح عباده،" حكيم "في شرعه وتدبيره ".

" إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ " (19)

هذا تأديب ثالث لمن سمع شيئاً من الكلام السيئ كفاحشة الزنا وقام في ذهنه شئ منه فلا يشيعه .

"" لهم عذاب أليم في الدنيا" بإقامة الحد عليهم، "والآخرة "عذاب النار فإذا كان هذا الوعيد لمجرد أن تشيع الفاحشة واستحلاء ذلك بالقلب فكيف بما هو أعظم من ذلك من إظهاره و نقله، "والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

أي فردوا الأمور إليه ترشدوا فإنه أعلم بمصالح العباد فلذلك علمكم وبين لكم ما تجهلون.

" وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " (20)

ولولا فَضْلُ الله على مَن وقع في حديث الإفك ورحمته بهم,لكان أمر آخر ولكنه تعالي رءوف بعباده رحيم بهم فتاب على من تاب إليه من هذه القضية وطهر من طهر منهم بالحد الذي أقيم عليه .

" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (21)

ثم قال تعالي"يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان"يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تسلكوا طرق الشيطان ومسالكه وما يأمر به، "ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر" ومَن يسلك طرق الشيطان فإنه يأمر بقبيح الأفعال ومنكراتها ويدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب واللسان والبدن،وهذا تنفيرو تحذير من ذلك المسلك بأفصح عبارة وأوجزها وأبلغها وأحسنها وكل معصية فهي من خطوات الشيطان،"ولولا فَضْلُ الله عليكم "على المؤمنين "ورحمته"بالتوبة والرجوع إليه، "ما زكا منكم من أحد أبدا" ما طَهُرَ منكم أحد أبدًا مِن دنس ذنبه،"ولكن الله يزكي من يشاء" ولكن الله- بفضله- يطهر من يشاء. "والله سميع" لأقوالكم، "عليم" بنياتكم وأفعالكم وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم "اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ ولِيُّهَا وَموْلاَهَا"رواه مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه.

"وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "(22)

روى البخاري عن عائشة قالت: وأنزل اللهُ تعالى :إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم . العشر الآيات ، ثم أنزل اللهً هذا في براءتي ، قال أبو بكر الصديق ، وكان يُنْفِقُ على مِسْطَحِ بنِ أَثَاثَةَ؛ لِقَرابِتِه منه وفقرِه: واللهِ لا أُنْفِقُ على مِسْطَحٍ شيئًا أبدًا ، بعد الذي قال لعائشةَ ما قال . فأنزل اللهُ : ولا يأتل أولوا الفضل منكم - إلى قوله - غفور رحيم . قال أبو بكر الصديق : بلى واللهِ إني لَأُحِبُّ أن يًغْفِرَ اللهُ لي ، فرجَعَ إلى مِسْطَحٍ النفقةَ التي يُنْفِقُ عليه ، وقال : واللهِ لا أَنْزِعُها منه أبدًا .

" إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (23)

إن الذين يقذفون بالزنا العفيفات الغافلات المؤمنات اللاتي لم يخطر ذلك بقلوبهن، مطرودون من رحمة الله في الدنيا والآخرة, ولهم عذاب عظيم في نار جهنم. وفي هذه الآية دليل على كفر من سبَّ، أو اتهم زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بسوء لأنه معاند للقرآن وهذا بإجماع العلماء رحمهم الله.

" يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " (24)

ذلك العذاب يوم القيامة يوم تشهد عليهم ألسنتهم بما نطقت، وتتكلم أيديهم وأرجلهم بما عملت فكل جارحه تشهد عليهم بما عملته ينطقها الذي أنطق كل شئ فقد عدل في العباد من جعل شهودهم من انفسهم.

"يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ " (25)

في هذا اليوم يوفيهم الله جزاءهم كاملا على أعمالهم بالعدل، ويعلمون في ذلك الموقف العظيم أن الله هو الحق المبين الذي هو حق, ووعده حق، ووعيده حق، وكل شيء منه حق، الذي لا يظلم أحدًا مثقال ذرة.

" الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ " (26)

أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، وكل طيب من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للطيب، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، فهذه كلمة عامة ومحمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق لا يناسبه إلا كل طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك، من قصد المنافقين، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة بعيدة من هذا الأمر القبيح.

فقد صرح الله بذلك، حيث لا يبقى لمبطل مقالا، ولا لشك وشبهة مجالا، فقال: أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ تستغرق الذنوب وَرِزْقٌ كَرِيمٌ في الجنة صادر من الرب الكريم.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (27)

هذه آداب شرعية أدَّب الله بها عباده المؤمنين وذلك في الاستئذان أمرهم ألا يدخلوا بيوتاً غير بيوتهم حتى يستأنسوا أي يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده، جاء في صحيح البخاري عن عبيد بن عمير رضي الله عنه أنَّ أبا موسى الأشعريِّ رضي الله عنه استأذن على عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنه فلم يُؤذنْ له، وكأنه كان مشغولًا، فرجع أبو موسى، ففرغ عمرُ فقال : ألم أسمعْ صوتَ عبدِ اللهِ بنِ قيسٍ، ائذَنوا له . قيل : قد رجع، فدعاهُ، فقال : كنا نؤمرُ بذلك . فقال : تأتيني على ذلك بالبينةِ، فانطلَق إلى مجلسِ الأنصارِ فسألهم، فقالوا : لا يشهدُ على هذا إلا أصغرُنا أبو سعيدٍ الخدريِّ، فذهب بأبي سعيدٍ الخُدريِّ، فقال عمرُ : أخَفِيَ هذا عليَّ من أمرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ ألهاني الصفقُ بالأسواقِ.يعني الخروجَ إلى تجارةٍ .

"فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ " (28)

ثم ليعلم أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل ألا يقف تلقاء الباب بوجهه ولكن ليكون الباب عن يمينه أو يساره فعن عبد الله بن بُسر رضي الله عنه قال كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أتى بابَ قومٍ لم يستقبلِ البابَ من تلقاءِ وجهِه ، ولكن من ركنِه الأيمنِ أو الأيسرِ ، ويقولُ: السلامُ عليكمُ السلامُ عليكمُ وذلك أن الدورَ لم يكن عليها يومئذٍ ستورٌ.رواه أبو داود وصححه الألباني والأرناؤوط وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لو أن امرأً اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك من جناح.وعن جابر رضي الله عنه قال آتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دَين كان على أبي فدققت الباب فقال من ذا قلت أنا قال أنا أنا كأنه كرهها.رواه البخاري .وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يُعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها.فإن لم تجدوا في بيوت الآخرين أحدًا فلا تدخلوها حتى يوجد مَن يأذن لكم، فإن لم يأذن، بل قال لكم: ارجعوا فارجعوا، ولا تُلحُّوا, فإن الرجوع عندئذ أطهر لكم؛ لأن للإنسان أحوالا يكره اطلاع أحد عليها. والله بما تعملون عليم، فيجازي كل عامل بعمله.

"لَيْسَعَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ" (29)

هذه الآية الكريمة أخص من التي قبلها وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى البيوت التي ليس فيها أحد إذا كان له فيها متاع بغير إذن كالبيت المعد للضيف إذا أذن له فيه أول مره كفى والله يعلم أحوالكم الظاهرة والخفية.

"قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوامِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (30)

قل أيها النبي للمؤمنين يَغُضُّوا مِن أبصارهم عمَّا لا يحلُّ لهم من النساء، ويحفظوا فروجهم عمَّا حَرَّم الله من الزنا، ونحو ذلك، ذلك أطهر لهم وإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعاً كما روى مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري وفي صحيح البخاري من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة. إن الله خبير بما يصنعون فيما يأمرهم به وينهاهم عنه.

" وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (31)

لمَّا أمر المؤمنين بغض الأبصار وحفظ الفروج أمر المؤمنات بذلك فقال وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ عن النظر إلى العورات والرجال بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع مع جواز نظرهن إلى الأجانب بغير شهوة كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنَّ أبا بكرٍ دخل عليها وعندها جاريتانِ من أيامِ مِنَى تُغنِّيانِ وتضربانِ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُسجًّى بثوبِه فانتهرَهما أبو بكرٍ فكشف رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنه وقال "دَعْهما يا أبا بكرٍ فإنها أيامُ عيدٍ". وقالت رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يستُرُني بردائِه وأنا أنظرُ إلى الحبشةِ ، وهم يلعبونَ وأنا جاريةٌ فاقدُروا قدرَ الجاريةِ العَرِبةِ الحديثةِ السِّنِّ .ويحفظن فروجهن من التمكين من جماعها أو مسّها أو النظر المحرم إليها، وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ كالثياب الجميلة والحلي وجميع البدن كله من الزينة ولما كانت الثياب الظاهرة لا بد منها قال إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ولا يُظهرن زينتهن للرجال، بل يجتهدن في إخفائها إلا الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلُبْسها، إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وليلقين بأغطية رؤوسهن على فتحات صدورهن مغطيات وجوههن؛ ليكمل سترهن، ويدل ذلك على أن الزينة التي يحرم ابداؤها يدخل فيها جميع البدن ثم كرر النهي عن إبداء زينتهن ليستثني منه قوله إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ إي أزواجهن ؛أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ يشمل الأب بنفسه والجد وإن علا، أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ويدخل فيه الأبناء وأبناء البعولة مهما نزلوا أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أشقاء أو لأب أو لأم أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ إذ يرون منهن ما لا يرى غيرهم. كالرأس والوجه، والعنق، وأطراف اليدين والقدمين، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ فيجوز للمملوك أن ينظر لسيدته أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أي أو الذين يتبعونكم من الرجال الذين لا حاجة لهم في هذه الشهوة كالمعتوه الذي لا يدري ما هنالك وكالعنين الذي لم يبق له شهوة لا في فرجه ولا في قلبه فإن هذا لا محذور له من نظره وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن مخنثاً كان يدخل على أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يعدونه من غير أولي الأربة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أرى هذا يعلم ما هاهنا لا يدخلن عليكن فأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل يوم جمعة يستطعم. ، أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ أي الأطفال الذين دون التمييز فإنه يجوز نظرهن إلى النساء الأجانب وعلل تعالى ذلك بأنهم لم يظهروا على عورات النساء أي ليس لهم علم بذلك ولا وجدت فيهم الشهوة بعد، وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ أي لا يضربن الأرض بأرجلهن ليصوت ما عليهن من حلي كالخلاخل وغيرها فتعلم زينتها بسببه فيكون وسيلة للفتنة ومن ذلك أيضاً أنها تنهى عن التعطر عند خروجها من بيتها فيشم الرجال طيبها فقد روى أبو عيسى الترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا أي زانية.صححه الألباني.، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وارجعوا أيها المؤمنون إلى طاعة الله فيما أمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة؛ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ رجاء أن تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.

"وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " (32)

هذا أمر بالتزويج لقول الله تعالى وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ والأيامى جمع أيّم ويقال ذلك للمرأة التي لا زوج لها وللرجل الذي لا زوجة له وسواء كان قد تزوج ثم فارق أو لم يتزوج واحد منهما فهو أمر من الله تعالى للأولياء والأسياد بانكاح من تحت ولايتهم من الأيامى من الأحرار والحرائر وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ الصالحين للتزوج المحتاجين إليه من المملوكين لكم، إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ إن يكن الراغب في الزواج للعفة فقيرًا يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يغنه الله من واسع رزقه، والله واسع كثير الخير عظيم الفضل، عليم بأحوال عباده.

"وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَءاتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (33)

هذا أمر من الله تعالى للذين لا يستطيعون الزواج لفقرهم بالتعفف عن الحرام حتى يغنيهم الله من فضله حتى ييسر لهم الزواج.وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ من ابتغى وطلب منكم الكتابة بأن يشتري نفسه من الإيماء فاجيبوه إلى ما طلب وكاتبوه إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ أي في الطالبين للكتابة خَيْرًا أي قدرة على التكسب وصلاحاً في دينه وَءاتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ هو النصيب الذي فرض الله لهم من أموال الزكاوات فقد جعل الله للمكاتبين قسطاً من الزكاة وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ أي إماءكم عَلَى الْبِغَاءِ أي أن تكون زانية إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا إذا لم ترد تحصناً فإنها تكون بَغِيّا يجب على سيدها منعها من ذلك وإنما هذا نهي لما كانوا يستعملونه في الجاهلية من كون السيد يجبر أمته على البغاء ليأخذ منها أجرة ذلك ولهذا قال لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فلا يليق بكم أن تكون إماءكم خيراً منكم وأعف عن الزنا وأنت تفعلون بهن ذلك لأجل عرض الحياة ثم دعا من جرا منه الإكراه إلى التوبة فقال وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ فليتب إلى الله وليقلع عما صدر منه مما يغضب ربه فإذا فعل ذلك غفر الله ذنوبه .

" وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ " (34)

ولقد أنزلنا إليكم- أيها الناس- آيات القرآن دلالات واضحات على الحق, ومثلا من أخبار الأمم السابقة المؤمنين منهم والكافرين، وما جرى لهم وعليهم ما يكون مثلا وعبرة لكم, وموعظة يتعظ بها من يتقي الله ويَحْذَرُ عذابه.

" اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (35)

الله نور السموات والأرض يدبر الأمر فيهما ويهدي أهلهما، مثل نوره الذي يهدي إليه, وهو الإيمان والقرآن في قلب المؤمن, كمشكاة هو موضع الفتيلة من القنديل ، فيها مصباح هو الذبالة التي تضيء، المصباح في زجاجة، أي هذا الضوء مشرق في زجاجة صافية وهي نظير قلب المؤمن كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ من الدر أي كأنها كوكب من الدر. يوقَد المصباح من شجرة مباركة زيتونة أي يستمد من زيت زيتون شجرة مباركة ، لا شرقية فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار، ولا غربية فقط فلا تصيبها الشمس أول النهار، وهو أنها في مستوى من الأرض في مكان فسيح بارز ، يكاد زيتها لصفائه يضيء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ لضوء إشراق الزيت ، نورٌ على نور، فهو نور من إشراق الزيت على نور من إشعال النار، فذلك مثل الهدى يضيء في قلب المؤمن. يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ والله يهدي ويوفق لاتباع القرآن مَن يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس ليعقلوا عنه ويفهموا لطفاً منه بهم وإحساناً إليهم وليتضح الحق من الباطل فإن الأمثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة . والله بكل شيء عليم فعلمه محيط بجميع الأشياء لا يخفى عليه شيء .

"فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ" (36)

لما ضرب الله تعالى مثل قلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقد من زيت طيب وذلك كالقنديل ذكر محلها وهي المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض وهي بيوته التي يعبد فيها ويوحد فقال فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أي أمر ووصى أَنْ تُرْفَعَ يدخل في رفعها بناؤها وتنظيفها من النجاسة والأذى وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة وعن الكافر وأن تصان عن اللغو فيها ورفع الأصوات بغير ذكر الله وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يذخل في ذلك الصلاة كلها فرضها ونفلها وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل وغيره من أنواع الذكر وتعلم العلم وتعليمه والمذاكرة فيها والإعتكاف وغير ذلك من العبادات التي تفعل في المساجد ولهذا كانت عمارة المساجد على قسمين عمارة البنيان وصيانة لها وعمارة بذكر اسم الله من الصلاة وغيرها وقد وردت أحاديث في بناء المساجد فعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة.أخرجاه في الصحيحين. يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ أي في البكرات أول النهار وَالآصَالِ جمع أصيل وهو آخرهخص هذين الوقتين لشرفهما ولتيسر السير فيهما إلى الله وسهولته ويدخل في ذلك التسيبح في الصلاة وغيرها ولهذا شرعت أذكار الصباح والمساء واورادهما عند الصباح والمساء.

"رجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ" (37)

فقوله رجال فيه اشعار بهممهم السامية وعزائمهم العالية التي بها صاروا عماراً للمساجد التي هي بيوت الله في أرضه ومواطن عبادته وشكره وتوحيده وتنزيهه لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم فيقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم وإقام الصلاة أداء الصلاة في جماعة وإيتاء الزكاة لمستحقيها يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار أي يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار من شدة الفزع وعظمة الأهوال فلذلك خافوا ذلك اليوم فسهل عليهم العمل.

" لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ " (38)

ليعطيهم الله ثواب أحسن ما عملوا لأنهم يعملون المباحات وغيرها فالثواب لا يكون إلا على العمل الحسن، ويزيدهم من فضله بمضاعفة حسناتهم. والله يرزق مَن يشاء بغير حساب، بل يعطيه مِنَ الأجر ما لا يبلغه عمله، وبلا عدٍّ وكيل وهذا كناية عن كثرته.

"وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ " (39)

هذا مثل ضربه الله تعالى للكفار الدعاة إلى كفرهم الذين يحسبون أنهم على شيء من الأعمال والاعتقادات وليسوا في نفس الأمر على شيء.والذين كفروا بربهم وكذَّبوا رسله، أعمالهم التي ظنوها نافعة لهم في الآخرة، كصلة الأرحام وفك الأسرى وغيرها، كسراب بقيعة وهو ما يشاهَد كالماء على الأرض المستوية في الظهيرة،يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ يظنه العطشان ماءً حتى إذا جاءَهُ فإذا أتاه لم يجده ماء ليشرب منه. فالكافر يظن أن أعماله تنفعه فإذا كان يوم القيامة لم يجد لها ثوابًا، ووجد الله عنده سبحانه وتعالى له بالمرصاد فوفَّاه حسابه فإذا وافى الله يوم القيامة وحاسبه عليها ونوقش على أفعاله لم يجد له شيئاً بالكلية قد قُبِل لعدم سلوك الشرع في عمله. والله سريع الحساب فلا يستبطئ الجاهلون ذلك الوعد، فإنه لا بدَّ مِن إتيانه. وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدْعَى اليهودُ فيُقالُ لهم : ما كنتم تعبدونَ ؟ قالوا : كنا نعبدُ عُزَيْرَ بنَ اللهِ . فيُقالُ : كذبتم ما اتخذ اللهُ من صاحبةٍ ولا ولدٍ . فماذا تَبْغُونَ ؟ قالوا : عَطِشْنَا . يا ربَّنا ! فاسْقِنا . فيُشارُ إليهم : ألَا تَرِدُونَ ؟ فيُحشَرونَ إلى النارِ كأنها سرابٌ يَحْطِمُ بعضُها بعضًا فيَتَساقطونَ في النارِ . وهذا مثل آخر للأغشام المقلدون لأئمة الكفر فمثلهم كما قال تعالى :

"أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ" (40)

أو تكون أعمالهم مثل ظلمات في بحر عميق يعلوه موج, من فوق الموج موج آخر، ومِن فوقه سحاب كثيف، ظلمات شديدة بعضها فوق بعض، إذا أخرج الناظر يده لم يقارب رؤيتها من شدة الظلمات، فالكفار تراكمت عليهم ظلمات الشرك والضلال وفساد الأعمال. ومن لم يجعل الله له نورًا من كتابه وسنة نبيه يهتدي به فما له مِن هاد.

"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ" (41)

ألم تعلم أيها النبي أن الله يُسَبِّح له مَن في السموات والأرض من المخلوقات، والطير صافات أجنحتها تسبح ربها؟ كل مخلوق قد أرشده الله كيف يصلي له ويسبحه. وهو سبحانه عليم، مُطَّلِع على ما يفعله كل عابد ومسبِّح، لا يخفى عليه منها شيء، وسيجازيهم بذلك.

"وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ" (42)

ولله وحده ملك السموات والأرض، له السلطان فيهما، وإليه المرجع يوم القيامة.

"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ" (43)

أي ألم تشاهد ببصرك عظيم قدرة الله وكيف يزجي أي يسوق سحاباً قطعاً متفرقة ثم يؤلف بين تلك القطع فيجعله سحاباً متراكماً مثل الجبال فترى الودق أي المطر يخرج من خلاله أي السحاب نقط متفرقة يحصل بها الانتفاع من دون ضرر فتمتلئ بذلك الغدران وتسيل الأودية وتنبت الأرض من كل زوج كريم وتارةً ينزل الله من ذلك السحاب برداً يتلف ما يصيب فيصيب به ما يشاء ويصرفه عن من يشاء بحسب ما اقتضاه حكمه القدري وحكمته التي يحمد عليها يكاد سنا برقه أي يكاد ضوء برق ذلك السحاب من شدته يذهب بالأبصار

" يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ" (44)

وقوله يقلب الله الليل والنهار أي يتصرف فيهما فيأخذ من طول هذا في قصر هذا حتى يعتدلا ثم يأخذ من هذا في هذا فيطول الذي كان قصيراً ويقصر الذي كان طويلا والله المتصرف في ذلك بأمره وقهره وعزته وعلمه إن في ذلك لعبرة لأُولي الأبصار أي لذوي البصاير والعقول النافذة للأمور المطلوبة منها كما تنفذ الأبصار إلى الأمور المشاهدة الحسية فالبصير ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكر وتدبر لما أريد بها ومنها والمُعرض الكافر نظره إليها نظر غفلة بمنزلة نظر البهائم.

"وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (45)

والله تعالى خلق كل ما يدِب على الأرض مِن ماء، فالماء أصل خلقه،فمنهم من يمشي على بطنه فمن هذه الدواب مَن يمشي زحفًا على بطنه كالحيَّات ونحوها, ومنهم مَن يمشي على رجلين كالإنسان والطير، ومنهم من يمشي على أربع كالأنعام وسائر الحيوانات. يخلق الله ما يشاء لأن ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن إن الله على كل شيء قدير القادر على كل شيء فأمره بعد الكاف والنون الذي يقول للشيء كن فيكون.

" لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " (46)

لقد رحمنا عبادنا وأنزلنا إليهم آيات واضحات الدلالة على المقاصد الشرعية والآداب المحمودة والمعارف الرشيدة فاتضحت بذلك السبل وتبين الرشد من الغي والهدى من الضلال فقد تنزل ممن كمل علمه ورحمته وبيانه والله يرشد إلى تفهمها وتعقلها أولي البصائر والنهى.

"وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ" (47 )

يخبر تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون يقولون قولا بألسنتهم آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم فيقولون ما لا يفعلون ولهذا قال تعالى وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ

"وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ " (48)

وإذا دُعوا في خصوماتهم إلى ما في كتاب الله وإلى رسوله؛ ليَحكُم بينهم، إذا فريق منهم معرض لا يقبل حكم الله وحكم رسوله, مع أنه الحق الذي لا شك فيه.

"وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ" (49)

وإن يكن الحق في جانبهم فإنهم يأتون إلى النبي عليه الصلاة والسلام طائعين منقادين لحكمه ؛ لعلمهم أنه يقضي بالحق.

"أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (50)

أسَبَبُ الإعراض ما في قلوبهم من مرض النفاق, أم شكُّوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أم السبب خوفهم أن يكون حكم الله ورسوله جائرًا؟ كلا إنهم لا يخافون جورًا، بل السبب أنهم هم الظالمون الفجرة.

" إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " (51)

أما المؤمنون حقا فدأبهم إذا دعوا إلى التحاكم في خصوماتهم إلى كتاب الله وحكم رسوله، أن يقبلوا الحكم ويقولوا: سمعنا ما قيل لنا وأطعنا مَن دعانا إلى ذلك، وأولئك هم المفلحون الفائزون بمطلوبهم في جنات النعيم.

" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ " (52)

ومن يطع الله ورسوله في الأمر والنهي، ويَخَفْ عواقب العصيان، ويحْذَر عذاب الله، فهؤلاء هم الفائزون بالنعيم في الجنة.

"وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْلا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (53)

وأقسم المنافقون بالله تعالى غاية اجتهادهم في الأيمان المغلَّظة: لئن أمرتنا - أيها الرسول - بالخروج للجهاد معك لنخرجن، قل لهم: لا تحلفوا كذبًا، فطاعتكم معروفة بأنها باللسان فحسب، إن الله خبير بما تعملونه، وسيجازيكم عليه.

" قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ " (54)

قل - أيها الرسول - للناس: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، فإن تعرضوا فإنما على الرسول فِعْلُ ما أُمر به من تبليغ الرسالة، وعلى الجميع فِعْلُ ما كُلِّفوه من الامتثال، وإن تطيعوه ترشدوا إلى الحق، وليس على الرسول إلا أن يبلغ رسالة ربه بلاغًا بينًا.

"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (55)

هذا وعد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أئمة للناس وولاة عليهم وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا وحكما وقد فعل تبارك وتعالى وله الحمد والمنةفإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها وأخذ الجزية من مجوس هَجَرَ بالأحساء ومن بعض اطراف الشام وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر والإسكندرية وهو المقوقس وملوك عُمان والنجاشي ملك الحبشة الذي تملك بعد أصحمة رحمه الله .ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق فلم شعث ماوهى عند موته عليه الصلاة والسلام وأطّد جزيرة العرب ومهدها وبعث الجيوش الإسلامية إلى بلاد فارس بصحبة خالد بن الوليد رضي الله عنه ففتحوا طرفا منها وقتلوا خلقا من أهلها وجيشا آخر من صحبة أبي عبيدة رضي الله عنه ومن معه من الأمراء إلى أرض الشام وثالثاً صحبة عمرو بن العاص إلى بلاد مصر ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بُصرى ودمشق ومخالفيهما من بلاد حوران وما والاها وتوفاه الله عز وجل ومنّ على الإسلام وأهله بأن ألهم الصديق أن استخلف عمر الفاروق فقام في الأمر بعده قياماً تاماً لم يدر الفلك بعد الأنبياء عليهم السلام على مثله في مثل قوة سيرته وكمال عدله رضي الله عنه وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها وديار مصر إلى آخرها وأكثر إقليم فارس وكَسر كسرى وأهانه غاية الهوان وتقهقر إلى أقصى مملكته وقصر قيصر وانتزع يده عن بلاد الشام وانحاز إلى قسطنطينة وانفق أموالهما في سبيل الله كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله عليه السلام ثم لما كانت الدولة العثمانية امتدت المماليك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك الأندلس وقبرص وبلاد القيروان وبلاد سبتة مما يلي البحر المحيط ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية وفتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جداً وخذل الله ملكهم الأعظم خاقان وجبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه لهذا ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها.وروى الإمام مسلم عن جابر بن سَمُرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عني فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كلهم من قريش. وهذا حديث فيه دلالة على أنه لابد من وجود اثني عشر خليفة عادلاً وليسوا هم بأئمة الشيعة الأثني عشر فإن كثيراً من أولئك لم يكن إليهم من الأمر شيء فأما هؤلاء فإنهم يكونون من قريش يلون فيعدلون وقد وقعت البشارة بهم ولا يشترط أن يكونوا متتابعين وقد وجد منهم أربعة وهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم كانت بعدهم فترة ثم وجد منهم ما شاء الله ثم قد يوجد من بقي في وقت يعلمه الله ومنهم المهدي الذي يطابق اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماًوقوله يعبدونني لا يشركون بى شيئاً ، روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال بينما أنا رَدَيفُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينَه إلا آخرةُ الرَّحْلِ فقال: يا معاذُ. قلتُ: لبيكَ يا رسولَ اللهِ وسعْدَيْكَ! ثم سارَ ساعةً ،ثم قال: يا معاذُ. قلتُ: لبيكَ يا رسولَ اللهِ وسعْدَيْكَ! ثم سار! ساعةً، ثم قال: يا معاذُ. قلتُ: لبيكَ يا رسولَ اللهِ وسعْدَيْكَ! قال: هل تدري ما حقُّ اللهِ على عبادِه؟ قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ . قال: حقُّ اللهِ على عبادِه أن يَعْبُدوه ولا يُشْركوا به شيئًا. ثم سارَ ساعةً، ثم قال: يا معاذَ بنَ جَبَلٍ. قلتُ: لبيكَ يا رسولَ اللهِ وسعْدَيْكَ. فقال: هل تدري ما حقُّ العبادِ على اللهِ إذا فعلوه؟. قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ. قال: حقُّ العبادِ على اللهِ أن لا يُعَذِّبَهم.وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ أي فمن خرج عن طاعتي بعد ذلك التمكين فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ فقد خرجوا عن طاعة ربهم وكفى بذلك ذنباً عظيماً.فالصحابة رضي الله عنه لما كانوا أقوم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأوامر الله عز وجل وأطوعهم لله كان نصرهم بحسبهم فقد أظهروا كلمة الله في المشارق والمغارب فأيدهم تأييداً عظيماً وتحكموا في سائر البلاد والعباد ولما قصر الناس بعدهم في بعض الأوامر نقص ظهورهم بحسبهم ولكن قد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تزال طائف من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة "

"وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " (56)

وأقيموا الصلاة تامة، وآتوا الزكاة لمستحقيها, وأطيعوا الرسول بامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ لعلكم حين تقومون بذلك ترحمون .

" لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ" (57)

لَا تَحْسَبَنَّ أي لا تظن يا محمد الَّذِينَ كَفَرُوا أي الذين كذبوك مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ أي لا يعجزون الله بالله قادر عليهم وَمَأْوَاهُمُ ومآلهم النَّارُ أي في الدار الأخرة وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ويا لقبح المرجع. وهو توجيه عام للأمّة، وإن كان الخطاب فيه للرسول صلى الله عليه وسلم.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " (58)

أمر الله تعالى المؤمنين بقوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أن يستأذنهم مماليكهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا سن الاحتلام في ثلاثة أحوال لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الأول من قبل صلاة الغداة مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ لأن الناس إذ ذاك يكونون نياماً في فرشهم وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ أي في وقت القيلولة لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ لأنه وقت النوم فيؤمر الخدم والأطفال ألا يدخلوا على أهل البيت في هذه الأحوال لما يخشى أن يكون الرجل على أهله أو نحو ذلك من الأعمال ولهذا قال ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ أي ليسوا كغيرهم فإنهم يحتاج إليهم دائماً فيشق الاستئذان منهم في كل وقت لأنهم طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ أي يترددون عليكم في قضاء أشغالكم وحوائجكم كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ بياناً مقروناً بحكمته ليتأكد ويتقوى ويعرف به رحمة شارعه وحكمته ولهذا قال وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ له العلم المحيط بالواجبات والمستحيلات والممكنات والحكمة التي وضعت كل شيء موضعه فأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به وأعطى كل حكم شرعي حكمه اللائق به.

"وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " ( 59 )

وإذا بلغ الأطفال منكم سن الاحتلام والتكليف بالأحكام الشرعية، فعليهم أن يستأذنوا إذا أرادوا الدخول في كل الأوقات كما يستأذن الكبار، وكما يبيِّن الله آداب الاستئذان يبيِّن الله تعالى لكم آياته. والله عليم بما يصلح عباده، حكيم في تشريعه.

"وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " (60)

وقوله وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ أي اللاتي قعد عن الاستمتاع والشهوة اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا أي لا يطمعن في النكاح ولا يطمع فيهن لكبر سنهن فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ أي الجلباب أو الرداء غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ أي لا يتبرجن بوضع الجلباب والرداء ليرى ما عليهن من الزينة وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ الاستعفاف طلب العفة بفعل الأسباب المقتضية لذلك وذلك بترك وضعهن للجلباب أو الرداء وإن كان جائزاً فهو خير وأفضل لهن وَاللَّهُ سَمِيعٌ بجميع الأصوات عَلِيمٌ بالنيات والمقاصد فليحذرن من كل قول وقصد فاسد وليعلمن أن الله يجازي على ذلك.

"لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (61)

يخبر تعالى عن منته على عباده وأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج بل يسره غاية التيسير فقال ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج أي ليس على هؤلاء جناح في ترك الأمور الواجبة التي تتوقف على واحد منها وذلك كالجهاد ونحوه مما يتوقف على بصر الأعمى أو سلامة الأعرج أو صحة المريض .

وقوله تعالى ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أنما ذكر هذا وهو معلوم ليعطف عليه غيره في اللفظ وليساويه ما بعده في الحكم وتضمن هذا بيوت الأبناء لأنه لم ينص عليهم وهذا دليل أن مال الولد بمنزلة مال أبيه فقد جاء في مسند الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أنت ومالك لأبيك " صححه الألباني " أو بيوت ءابائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم "وهؤلاء معروفون أو ما ملكتم مفاتحه أي البيوت التي أنتم متصرفون فيها بوكالة أو ولاية ونحو ذلك أو صديقكم أي بيوت أصدقائكم فلا جناح عليكم في الأكل منها وهذا الحرج المنفي عن الأكل من هذه البيوت إذا كان بدون إذن فإن هؤلاء المسمين قد جرت العاده والعرف بالمسامحة في الأكل منها لأجل القرابة القريبة أو الصداقة فلو قدر في أحد من هؤلاء عدم المسامحة والشح في الأكل المذكور لم يجز الأكل ولم يرتفع الحرج وكانوا أيضا يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم في ذلك فقال ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فهذه رخصة من الله تعالى في أن يأكل الرجل وحده ومع الجماعة وإن كان الأكل مع الجماعة أفضل وأبرك كما روى الإمام أحمد عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا نأكل ولا نشبع فقال " فلعلكم تأكلون متفرقين اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه " صححه الألباني وقوله فإذا دخلتم بيوتا نكره في سياق الشرط يشمل بيت الإنسان و غيره سواء كان في البيت ساكن أم لا فإذا دخلها الإنسان فسلموا على أنفسكم أي فليسلم بعضكم على بعض لأن المسلمين كأنهم شخص واحد من توادهم وتراحمهم وتعاطفهم فالسلام مشروع لدخول سائر البيوت من غير فرق بين بيت وبيت ثم مدح هذا السلام فقال تحية من عند الله أي قد شرعها لكم وجعلها تحيتكم مباركة لاشتمالها على السلامة من النقص وحصول الرحمة والبركة والنماء والزيادة طيبة لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله الذي فيه طيب نفس للمحيا ومحبة وجلب مودة لما بين لنا هذه الأحكام الجليلة قال كذلك يبين الله لكم الآيات الدالات على أحكامه الشرعية لعلكم تعقلون عنه فتفهمونها وتعقلونها بقلوبكم ولتكونوا من أهل العقول والألباب الرزينة فإن معرفة احكامه الشرعية على وجهها يزيد به العقل وينمو به اللب لكون معانيها أجل المعاني وآدابها أجل الآداب

" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (62)

هذا إرشاد من الله لعباده المؤمنين انهم إذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على أمر جامع من ضرورته أو مصلحته أن يكونوا فيه جميعا كالجهاد والمشاورة ونحو ذلك من الأمور التي يشترك فيها المؤمنون فإن المصلحة تقتضي إجتماعهم عليه وعدم تفرقهم فالمؤمن بالله ورسوله حقا لا يذهب لأمر من الأمور لا يرجع لأهله ولا يذهب لبعض الحوائج التي يشذ بها عنهم إلا بإذن من الرسول فجعل موجب الإيمان عدم الذهاب إلا بإذن ومدحهم على فعلهم هذا وأدبهم مع رسوله فقال إن الذين يستئذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله أي من يفعل ذلك فإنه من المؤمنين الكاملين ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنه أحد منهم في ذلك أن يأذن له إن شاء ولهذا قال فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم إن الله غفور رحيم يغفر لهم الذنوب ويرحمهم بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر

"لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " 63

يقول الله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يجل ويعظم

وقوله تعالى" قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا" لما مدح المؤمنين بالله ورسوله الذين اذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه توعد من لم يفعل ذلك من المنافقين وذهب من غير استئذان فهو وان خفي عليكم بذهابه على وجه خفي وهو المراد بقوله "يتسللون منكم لواذا"اي يلوذون وقت تسللهم و انطلاقهم بشئ يحجبهم عن العيون فالله يعلمهم و سيجازيهم على ذلك اتم الجزاء ولهذا توعدهم بقوله "فليحذر الذين يخالفون عن أمره" اي عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وشريعته فتوزن الأقوال و الأعمال بأقواله و أعماله فما وافق ذلك قُبل وما خالفه فهو مردود على فاعله كائناً من كان كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال"من عمل عملاً ليس عليه امرنا فهو رد"اي فليحذر و ليخش من خالف شريعة الرسول باطناً أو ظاهراً "أن تصيبهم فتنة" في قلوبهم من كفر أو نفاق "أو يصيبهم عذاب أليم" في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك روى الإمام مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حولها ،جعل الفراش و هذه الدواب اللاتي يقعن في النار يقعن فيها ،وجعل يحجزهن و يغلبنه ويقتحمن فيها" قال:"فذلك مثلي و مثلكم ،أنا آخذ بحُجُزكم عن النار هلم عن النار،فتغلبوني و تقتحمون فيها".

"أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (64)

يقول تعالي"ألا إن لله ما في السماوات والأرض"ملك و عبيد يتصرف فيهم بحكمه القدري و الشرعي "قد يعلم ما أنتم عليه"قد للتحقيق اي قد احاط علمه بما أنتم عليه من خير و شر وعَلم جميع أعمالكم احصاها علمه و جرى بها قلمه وكتبتها عليكم الحفظة الكرام الكاتبون "ويوم يرجعون إليه "اي ويوم يرجع الخلائق إلى الله وهو يوم القيامة"فينبئهم بما عملوا"اي يخبرهم بجميع اعمالهم دقيقها و جليلها إخباراً مطابقاً لِمَا وقع منهم ولمَّا قيد علمه باعمالهم ذكر العموم بعد الخصوص فقال"والله بكل شئ عليم"

والحمدلله رب العالمين.

1440-5-17هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر