الدرس 361: أحكام الجنائز

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 7 ربيع الثاني 1440هـ | عدد الزيارات: 1407 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين... وبعد؛

من نطق بالشهادتين قبل بلوغ الروح الحلقوم ولم يكن يقولها في صحته ويتعاطى أنواع الشرك الأكبر ثم مات فإنه يعد بذلك مسلماً ويعامل معاملة المسلمين من حيث التغسيل والصلاة عليه والدفن والدعاء له بالمغفرة والرحمة يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر: رواه أحمد والترمذي وغيرهما.
وكما تدل عليه قصته عليه الصلاة والسلام مع عمه أبي طالب وهي "لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أبي أمية فقال :أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبدالمطلب .فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان لتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبدالمطلب وأبى أن يقول "لا إله إلا الله" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله عز وجل :ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم.التوبة:113. وأنزل الله في أبي طالب قوله: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.القصص:56. متفق عليه. فقد عرض عليه الشهادة وهو على فراش الموت لكنه أبى النطق بها.

قلت وقد أسلم عبد الله بن أبي أمية الذي كان يغرر بأبي طالب حتى لا يدخل في الإسلام.

وفي صحيح البخاري "أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد غلاما يهوديا في مرضه وعرض عليه الإسلام فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمدلله الذي أنقذه من النار.

لكن من آمن بالله ولم يؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم فلا يدخل في الإسلام.

ويسن لم حضر عند المحتضر أن يلقنه شهادة التوحيد برفق ولين لأن حالة النزع يسرها الله علينا وعليكم حال عصيبة فلا ينبغي إضجار المحتضر بل تُذكر الشهادة عنده كأنه يقول من حضره :لا إله إلا الله. أو يقول بلطف ورفق :قل لا إله إلا الله: فإن نطق بها فلا يكررها عليه .

لأجل أن يختم له بها جعل الله خاتمتنا وخاتمة إخواننا المسلمين خاتمة السعادة ويسر على ألسنتنا في ذلك الموقف شهادة التوحيد وجعل القلب مواطئاً للسان وهون علينا الحساب إنه جواد كريم.

وتلقين الميت بعد الدفن لم يثبت فيه دليل من كتاب الله ولا صحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عمل خلفائه الراشدين.

وإنما التلقين المشروع هو تلقين المحتضر قبل موته كلمة التوحيد"لا إله إلا الله" لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" أخرجه مسلم في صحيحه. والمراد بالموتى هنا المحتضرون كما أوضح ذلك أهل العلم في شرح هذا الحديث والمشروع لنا بعد دفن الميت أن نقوم على قبره ونستغفر الله له ونسأل الله له الثبات كما ورد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل. رواه أبو داود والحاكم وصححه.

يجوز الإخبار عن وفاة شخص وذكر اسمه مع توضيح مكان الصلاة عليه وزمانها سواء كان ذلك بواسطة رسائل الجوال أم في الصحف لأن ذلك وسيلة لأداء حقه من الصلاة عليه واتباع جنازته وفي الصحيحين من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة رضي الله عنهم في المسجد بموت النجاشي وقال "مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة. رواه البخاري ومسلم .

وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها فقالوا ماتت قال" أفلا كنتم آذنتموني :أي أعلمتموني.

فهذان الحديثان ظاهران في مشروعية الإعلام بموت شخص معين لأجل الصلاة عليه وشهود جنازته.

إذا سمح صاحب الدِّين عن دينه الذي في ذمة الميت فإن ذمة الميت تبرأ بذلك ولمن سمح الأجر قال تعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله. وقال تعالى:وإن كان ذو عُسرة فنظرة إلى ميسرة. سورة البقرة:280.

وعلى من يُغسل الميت أن يحسن تغسيله على الوجه المشروع بأن يكون عالماً بأحكام التغسيل وعليه أيضاً أن يستر على الميت ما يرى عليه من العلامات التي لا يرغب فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه البخاري ومسلم في ذكر ما يظهر عليه من ذلك غيبة له وإساءة إلى أهله.

والمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح من هذه الأمة الإسرار في القراءة في صلاة الجنازة والعبادات أمور توقيفية لا يقال فيها بمجرد الرأي.

وتكبيرات الجنازة أربع تكبيرات لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي إلى أصحابه ثم تقدم فصفوا خلفه فكبرا أربعاً. رواه البخاري ومسلم.

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قبر فصفهم وكبر أربعاً. أخرجه البخاري ومسلم .وهي المجمع عليها ومن ترك تكبيرة من هذه التكبيرات غير مسبوق عمداً بطلت صلاته وإن كان تركها سهواً فإنه يتم مالم يطل الفصل فإن طال أو وجد مناف ككلام لغير مصلحة الصلاة لم تصح الصلاة.

ولا مانع من تكرار الصلاة على الميت لمن لم يصل عليه مثل ما إذا صلى عليه جماعة ثم حضر جماعة آخرون فإنهم يصلون عليه جماعة أو فرادى في المسجد أو المقبرة لما ثبت أن جارية كانت تقم المسجد فماتت فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقالوا ماتت فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟ فدلوني على قبرها: فدلوه فصلى عليها ثم قال" إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم. رواه مسلم.

وأما نقل الميت من بلد إلى بلد آخر فإن قصد بنقل الميت اختيار أن يدفن في بلد آخر لكون أهله فيه ونحو ذلك فهذا لا بأس لتكرار الصلاة عليه خصوصاً لمن لم يحضر الصلاة عليه في المرة الأولى.

وإن كان المقصود بالنقل تكرار الصلاة عليه في البلدان فهذا مخالف لهدي السلف الصالح ومخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإسراع بدفن الميت كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم. أخرجه البخاري ومسلم.

والأصل ان يدفن كل ميت في قبر مستقل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبر وعلى هذا استمر فعل الصحابة ومن بعدهم فلا اعتبار للوصية المخالفة لذلك كما في السؤال في من أوص أن يدفن مع أبيه في نفس القبر.

والأولى الاكتفاء باللبن المعد من الطين لسد اللحود في القبور لأنه هو الذي استعمله الصحابة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي عليه عمل المسلمين من عهد الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح إلى يومنا هذا وقد ثبت في صحيح مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن سعد بن أبي وقاص قال في مرضه الذي هلك فيه: الحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصباً كما صُنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن ما يسمى البول استيرين والاسمنت والطوب مما تدخل النار في تصنيعه وقد كره بعض أهل العلم إدخال القبر شيئاً مسته النار تفاؤلاً بنجاة الميت منها.

وما يخرج من الدم من جسد الميت عند إنزاله القبر لا يضر إذا عملت الاحتياطات قبل ذلك لمنع خروجه ولا يجوز إحراق الأجزاء من بني أدم بل يجب دفن هذه الأجزاء وغيرها من أطراف الآدميين المسلمين في حفرة في المقبرة العامة للمسلمين ويسوى ظاهرها كسائر القبور حتى لا تنبش وإن وجد من بينها سقط قد نفخت فيه الروح وهو الذي مضى عليه أربعة أشهر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في قبر مستقل في مقابر المسلمين إذا كان مولوداً من والدين مسلمين أو بين والدين أحدهما مسلم وإن وجد سقط قد نفخت فيه الروح من والدين كافرين فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه بل يدفن في لفافة في غير مقابر المسلمين وهكذا سائر الأجزاء التي تؤخذ من الكافر ولا يدخل في الأجزاء الإنسانية التي يجب دفنها الأضراس والأسنان المخلوعة لأنها في حكم المنفصل ولأنه بحصل أذى في عدم دفنها.

وإذا مات مجموعة من المسلمين وغيرهم في حادث واختلطت جثثهم فإنه يجتهد في تمييز المسلمين من غيرهم وذلك بالتعرف على ما بقي من أجسامهم وإذا لم يتميزوا غسل الجميع وكفنوا وصلي عليهم ودفنوا في المقبرة بنية أن الصلاة على المسلمين منهم سواء كان عدد المسلمين أقل أو أكثر وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم السلام على المجلس الذي فيه أخلاط من المسلمين والمشركين بنية السلام على المؤمنين منهم خاصة .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وعلمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا .

والسلام عليكم...

1440-4-8 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي