الدرس 182 الحجر 5

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.... وبعد؛

قوله: ولا يتصرف لأحدهم وليه إلا بالأحظ لقول الله تعالى :ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.الأنعام:152.

ولأن هذا الولي يتصرف لغيره فوجب أن يأخذ بالأحظ وهذا شامل للولايات الدينية والدنيوية فلا يتصرف الولي لغيره إلا بالأحسن ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أم أحدكم الناس فليخفف وإذا صلى وحده فليطول ما شاء.رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

لأنه إذا كان إماماً فهو ولي وإن كان يصلي وحده فهو أمير نفسه ومن ثم أيضاً نقول لا يجوز للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب .

ويكره أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يستحب.

ولو صلى بالناس الفجر بقصار المفصل لكان فعله خلاف السنة لأن القاعدة أن من يتصرف لغيره فإنه يجب عليه أن يعمل بالأحسن.

فالأقسام إذاً ثلاثة.

الأول أن يكون فيه حظ لكن غيره أحظ.

الثاني ألا يكون فيه حظ إطلاقاً.

الثالث أن يكون التصرف هو الأحظ.

والذي يجب إتباعه هو الأحظ .

مثال مالا حظ فيه :- اشترى للأيتام أرضاً من مالهم يعلم أنها لن تزيد قيمتها وليس في شرائها فائدةً لهم .

مثال الأحظ :- لو دار الأمر بين أن يتجر بمال آفاته كثيرة ومال قليل الآفات فالواجب أن يتجر بالمال القليل الآفات.

ولا يجوز له أن يتبرع من مال اليتيم ولا أن يتصدق منه لأنه ليس فيه حظ للصغير.

قوله: ويتجر له مجاناً: يعني أن ولي الصغير والمجنون والسفيه يتجر له مجاناً فيبيع ويشتري بماله ولا يأخذ شيئاً لأنه أمين يتصرف لحظ هذا الذي ولاه الله عليه هذا على قول المؤلف لكن إن قال الولي لن أشغل نفسي بالاتجار له إلا أن يجعل لي سهم كالمضاربة فلا بأس وترفع المسألة للقاضي ليفرض له من السهم ما يرى أنه مناسب .

قوله: وله دفع ماله مضاربة: أي لولي المحجور عليه دفع مال المحجور عليه: مضاربة: مأخوذة من الضرب لقوله تعالى: وءاخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله. المزمل:20.

لأن الغالب أن التجار يسافرون إلى البلاد ويأتون بالبضائع ويبيعونها ويسافرون إلى البلدان ببضائعهم ويبيعونها هناك ومعنى المضاربة دفع المال لمن يتجر به بجزء مشاع معلوم من الربح.

بجزء لا بكل فلو أعطاه المال وقال اتجربه ولك جميع ربحه فليس هذا مضاربة بل هو إحسان وتبرع.

بل يقول خذ هذا واتجر به ولك ثلث ربحه بشرط أن يرى أن هذا أحسن ما يكون في مال هذا الصبي.

وهذا من سعة الشريعة الأسلامية لأنه يوجد من الناس من عنده مال لكنه لا يحسن التصرف ومن الناس من هو قادر على التصرف لكن ليس عنده مال فيكمل هذا بهذا بأن يعطي صاحب المال المال لمن يحسن التصرف مضاربة بجزء من الربح وعلى هذا يجب على الولي أن يختار أقل العروض في الربح إذا تساووا في الحذق والأمانة.

فمثلا عرض مئة ألف للمضاربة فتقدم له رجلان أحدهما طلب النصف من الربح والثاني طلب الربع فنعطي الذي طلب الربع بشرط أن يتساوى الشخصان في الأمانة والحذق.

قوله: بجزء من الربح: أي جزء مشاع لأنه لا تصح المضاربة مع سهم معين أبداً فلو قال لك من الربح ألف ريال فلا تصح المضاربة فلابد أن تكون المضاربة بجزء مشاع معلوم كما سبق كالربع أو الخمس أو الثمن وهكذا .

مثاله إنسان أعطى ماله مضاربة لشخص وقال لك ربح شهر رمضان ولي شوال فهذا معين ولا يجوز ولو قال لك ربع ربح المال الفلاني كالشاي ولي ربح السكر فهذا لا يجوز لأنه معين.

قوله: ويأكل الولي الفقير: وهو الذي ليس عنده ما يكفيه من كسب يده أو غلة أو راتب أو مكافأة ليس عنده إلا مال اليتيم.

قوله: من مال موليه الأقل من كفايته أو أجرته مجاناً:

إذا قدرنا أن كفايته ألف درهم وأجرته ستمائة درهم فنعطيه ستمائة لأنها الأقل حتى وإن قال لا تكفيني أنا فقير إذ ليس له إلا الأجرة.

وفي حال العكس أجرته ألف وكفايته ستمائة فنعطيه ستمائة وظاهر الآية :ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف.النساء:6 .يأكل كفايته سواء كان بقدر الأجرة أو أقل أو أكثر فنعطي كفاية الفقير.

قوله: ويقبل قول الولي والحاكم بعد فك الحجرفي النفقة والضرورة والغبطة والتلف ودفع المال.

هذه مسائل

أولاً يقبل قولي الولي بيمين بشرط ألا يخالف العادة فإن خالف العادة فإنه لا يقبل إلا ببينة.

ويقبل قول الحاكم بلا يمين لأن الحاكم يقول بمقتضى السلطة فقوله كأنه حكم لا يحتاج إلى يمين.

وقوله: بعد فك الحجر: لأنه بعد فك الحجر سيخاصمه المحجور عليه.

إذاً يقبل قول الولي بيمينه والحاكم بغير يمين في الأمور الآتية.

• في النفقة: قدرها وأصلها فإذا فك الحجر وقال المحجور عليه أنا مالي تسعة آلاف والآن لا يوجد إلا سبعة فأين الباقي فقال الولي أنفقتها عليك.
• فيقبل قول الولي بيمينه لأنه أمين والأمين يقبل قوله فيما أنفقه على ما أتمن فيه.
• ثانياً: الضرورة فإذا كان للمحجور عليه عقار فإنها تباع للضرورة إذا لم يكن للمحجور عليه دراهم والمحجور عليه يضطر إلى أكل وشرب فيبيع البستان مثلاً.

ثالثاً الغبطة:- أن يبذل فيه مال كثير أكثر من قيمته المعتادة مثل شخص له جار محتاج إلى هذا البستان ولضرورته إليه بذل فيه مالاً كثيرا فباعه الولي لضرورة الانفاق على المحجور عليه فيقبل الولي بيمينه.

رابعاً: التلف: لو ادعى الولي أن مال اليتيم تلف وقال المححجور عليه إنه لم يتلف فإن القول قول الولي لأنه مؤتمن لكن لو ادعى أنه تلف بأمر ظاهر لا يخفى على الناس بأن قال تلف في أمطار أتتنا كثيرة فيحتاج أولاً إلى إثبات هذا الشيء ثم يقبل قول الولي بأن المال تلف منه أيضاً لو قال تلف بالسيول الجارفة أو الشمس الحارقة أو البرد القارص أو بالحريق الذي اشتعل في بيته فهذه أمور ظاهرة تحتاج إلى اثبات ثم نقبل قوله بالتلف مع يمينه.

خامساً دفع المال:

لما بلغ الصبي ورشد قال لوليه أعطني المال قال دفعته لك قال ما دفعت فلدينا الآن دعوى وإنكار المنكر هو المحجور عليه والمدعي الرد هو الولي وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :البينة على المدعي واليمين على من أنكر.أخرجه البيهقي وقال الحافظ في البلوغ إسناده صحيح.

ودليل المؤلف أنه محسن وقد قال الله تعالى :ما على المحسنين من سبيل. التوبة:91.

القول الثاني أن الولي لا يقبل قوله في الرد لأنه مدع والمحجور عليه منكر .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :البينة على المدعي واليمين على من أنكر.

وأيضاً أن الله تعالى قال :فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم. النساء:6.

فأمر بالإشهاد وأنت لم تشهد فقد خالفت أمر الله فتكون بين معتد أو مفرط والمعتدي أو المفرط ليس بأمين.

والصواب قولٌ وسط بين القولين أنه إذا كان الولي معروفاً بالورع والتقوى والصدق فالقول قوله مع اليمين وإن كان الأمر بالعكس فلا يقبل قوله.

وبالله التوفيق.

1440-4-4